في إطار النداءات المحلية والدولية المتواترة، طالبت "منظمة العفو الدولية" الحقوقية، اليوم الجمعة، ميليشيات الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء بإلغاء أحكام إعدام بحق أربعة صحافيين والإفراج عنهم قبل جلسة استئناف الحكم المقررة بعد غد الأحد.
وقالت المنظمة في بيان، "يجب على سلطات الأمر الواقع الحوثية إلغاء أحكام الإعدام هذه، والإفراج عن هؤلاء الصحافيين على الفور. لقد كانت هذه تجربة مُريعة منذ البداية".
محاكمة جائرة للقلم
وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء قد حكمت على الصحافيين اليمنيين أكرم الوليدي، وعبد الخالق عمران، وحارث حامد، وتوفيق المنصوري، بالإعدام على خلفية تهم مرتبطة بالتجسس، في محاكمة اعتبرتها المنظمة "جائرة".
واعتبرت نائبة مدير مكتب منظمة العفو الدولية لشؤون اللاجئين، لين معلوف، أنه "ريثما يفرج عنهم، يجب تزويد الصحافيين بالرعاية الطبية العاجلة، حيث الحرمان من العلاج الطبي للمصابين بأمراض خطيرة هو عمل قاسٍ يرقى إلى مستوى التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة".
وبينما لا يزال الصحافيون المحكوم عليهم بالإعدام، رهن الاعتقال منذ القبض عليهم على أيدي رجال مسلحين، في 9 يونيو (حزيران) 2015، أثناء ما كانوا يوجدون في غرفة بفندق "قصر الأحلام"، بالعاصمة صنعاء، من المقرر أن يصدر حكم الاستئناف، الأحد، في ظل هدنة في اليمن بدأت في أبريل (نيسان)، وتستمر لشهرين.
وكان الأشخاص الذين قبضوا عليهم خليطاً من أفراد يرتدون الملابس المدنية، والزي العسكري، وزي رجال الأمن العام، بينما شوهدت على أسلحة بعضهم شعارات لجماعة الحوثيين المسلحة وجناحها السياسي المعروف باسم "أنصار الله".
ونقل أهالي المعتقلين لمنظمة العفو الدولية في وقت سابق، قول ذويهم إنهم سمعوا الحراس يقولون إن الصحافيين محتجزون بسبب صلتهم بـ"الإرهاب"، وكذلك بسبب "عملهم في خدمة السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وأميركا وإسرائيل".
ويعمل الصحافيون في مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام الأخبارية التي يناهض بعضها جماعة الحوثيين المسلحة، بينما يُوالي آخرون "حزب الإصلاح" السياسي.
قتلى الكلمة
وقُتل عديد من الصحافيين اليمنيين منذ بداية النزاع، من بينهم نبيل القعيطي الذي كان يتعاون مع وكالة "الصحافة الفرنسية" قبل اغتياله بعدن في 2020، وعبد الله القادري الذي قتل في قصف في وسط البلاد عام 2018.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قتلت صحافية يمنية حامل في شهرها التاسع في مدينة عدن الجنوبية، وهي في طريقها إلى المستشفى لتضع مولودها برفقة زوجها الذي أصيب بجروح، عندما انفجرت عبوة ناسفة بسيارتهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً لتقارير حكومية، عانى الصحافيون المعتقلون الإصابة بحالات مرضية، أو تفاقم أمراض كانوا مصابين بها جراء ظروف اعتقالهم أو نتيجة لسوء المعاملة، بما في ذلك آلام في البطن والأمعاء، ومشكلات في السمع، وبواسير وحالات صداع، وفق ما أدلى به أهاليهم لمنظمة العفو الدولية. ونقل بعضهم إلى مستشفى خارج السجن للعلاج الطبي، ولكنهم لم يتلقوا العلاجات المناسبة، بينما حرم آخرون من أية عناية طبية بالكامل.
ومنذ سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء نهاية عام 2014، باشرت ميليشيات الحوثي باعتقال عشرات الصحافيين الذين توفي بعضهم وعانى آخرون عاهات مستديمة جراء التعذيب، إضافة إلى منتقديهم والمدافعين عن حقوق الإنسان وأتباع الديانة البهائية.
ولهذا صنفت الميليشيات في المرتبة الثانية في قائمة الجماعات المعادية للصحافة عالمياً بعد "داعش"، وفق منظمات دولية معنية بحرية الصحافة.
ووفق تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الخاص بمؤشر حرية الصحافة، جاء اليمن في ذيل قائمة الدول، واحتلت المرتبة رقم (167) من بين 180 دولة، ووصف التقرير أوضاع الصحافيين فيها بأنها "سيئة للغاية".
هجر المهنة
هذه الحال دفعت بمعظم الصحافيين لترك وظائفهم في مجال الإعلام، وراحوا يبحثون عن فرص عمل أقل خطراً، بعد أن تعرض زملاء لهم للسجن أو التعذيب أو المطاردة.
ووفقاً لشهادات سبق ووثقتها منظمة العفو، روي أحد الصحافيين قصصاً مروعة للمداهمات والاستجوابات والخطف الذي تعرض له زملاؤه، في حين قرر هو ترك عمله في إحدى الصحف الأجنبية المرموقة بعد تلقيه تلميحاً بالتهديد، وقبلها فقد وظيفته بواحدة من أهم الصحف المحلية بعد أن أغلقها الحوثيون وصادروا كل ممتلكاتها.
وينفي الحوثيون بشكل مستمر وجود معتقلين سياسيين لديهم، ويتحدثون عن إرهابيين أو جواسيس يتواصلون مع "دول العدوان"، في إشارة إلى الدول المشاركة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والذي ينفذ ضربات جوية، ويقدم دعماً عسكرياً لقوات الحكومة اليمنية والرئيس عبدربه منصور هادي، المعترف به دولياً.
وفي سابقة تؤكد النزعة القمعية التي تنتهجها ميليشيات الحوثي سلوكاً تاريخياً في سبيل تطويع وإخضاع اليمنيين لسياساتها الطائفية، أكدت تقارير حقوقية أن الجماعة تدير نحو 203 سجون، بينها 78 ذات طابع رسمي، و125 معتقلا سرياً، إضافة إلى استحداث سجون سرية خاصة في أقبية المؤسسات الحكومية، كما هو الحال مع اللجنة العليا للانتخابات، التي نقل الحوثيون إليها مئات المختطفين، كما تحتجز مئات المدنيين في المواقع العسكرية والمساجد والملاعب الرياضية وغيرها.
وكانت وزارة حقوق الإنسان اليمنية قد أوضحت أن عدد المختطفين والمحتجزين تعسفياً في سجون الحوثيين بلغ نحو 14 ألف شخص، بينهم سياسيون وكتاب صحافيون ومدونون بشبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن مئات النساء، في سابقة لم يعهدها تاريخ الصراعات اليمني.