بدأت وزارة النفط العراقية في سلسلة خطوات لتطبيق قرار المحكمة الاتحادية الخاص بملف إدارة نفط إقليم كردستان وجعله من صلاحيات الحكومة العراقية حصراً بعد فشل الطرفين في التوصل إلى صيغة اتفاق ينهي الأزمة المستمرة منذ أكثر من عقد، وأقرت الوزارة في الثامن من مايو (أيار) الحالي بفشل كل جولات التفاوض مع إقليم كردستان للتوصل إلى آليات لتطبيق قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن ملف الطاقة في الإقليم، لتتحدث عن حلول أخرى لم تكشف عنها لتطبيق القرار الذي ينص على إدارته من قبل الحكومة المركزية.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 15 فبراير (شباط) 2022 حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية. وذكرت المحكمة في بيان أن القرار شمل إلزام حكومة الإقليم بتسليم "كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية المتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره".
عقود جديدة
وطلبت وزارة النفط العراقية من شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان توقيع عقود جديدة مع شركة التسويق المملوكة للدولة "سومو" بدلاً من حكومة الإقليم، في محاولة جديدة للسيطرة على الإيرادات من الإقليم شبه المستقل. وقال وزير النفط إحسان عبد الجبار في السابع من مايو إن وزارة النفط ستبدأ تنفيذ حكم المحكمة الاتحادية الصادر في فبراير، الذي اعتبر الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في إقليم كردستان غير دستورية بعد فشل محادثات مع حكومة الإقليم.
فريق محاماة دولي
وعينت وزارة النفط العراقية شركة المحاماة الدولية "كليري غوتليب ستين أند هاملتون" للتواصل مع شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان "لبدء مناقشات بحيث تتوافق عملياتها مع القانون العراقي المعمول به"، وفقاً لنسخة من خطاب أرسل في الثامن من مايو اطلعت عليه "رويترز". وأوضحت الوزارة في الخطاب أن تنفيذ حكم المحكمة سيتطلب إدخال تغييرات على أنظمة العقود للشركات، ويشكل الخطاب أول تواصل مباشر بين الوزارة وشركات النفط العاملة في إقليم كردستان. وتأتي الخطوة بعد محاولات مستمرة منذ سنوات من الحكومة الاتحادية للسيطرة على عائدات إقليم كردستان بما يشمل صدور أحكام من محاكم محلية وتهديدات باللجوء للتحكيم الدولي.
مشابهة لعقود التراخيص
وقال الخبير النفطي حمزة الجواهري إن بالإمكان تغيير عقود نفط الإقليم وجعلها مشابهة لعقود جولة التراخيص التي وقعتها الحكومة الاتحادية. مضيفاً، "وزارة النفط عملت ما عليها وأبلغت الشركات النفطية الأجنبية بضرورة تغيير تلك العقود". مبيناً أن رفض الإقليم والشركات النفطية هذه الخطوة يعني أن الخيار المتبقي لوزارة النفط تطبيق قرار المحكمة الاتحادية قانونياً، لافتاً إلى أن وزارة النقط لديها عقود مع شركات محاماة غربية، وهي تتولى عملية القضايا القانونية.
واتبعت الحكومة الاتحادية، خلال السنوات القليلة الماضية، خطوات قانونية ضد الإقليم عبر محامين عراقيين ورفع دعوى قضائية ضد الشركات النفطية، ومن خلال الدعوى تم إيقاف شحنات للنفط المصدر من حقول الإقليم بعد اعتبار المحاكم الأميركية أن الشحنات غير شرعية، وضرورة عودتها من حيث أتت، وبالتالي رجعت السفن وفرغت نفطها في ميناء عسقلان الإسرائيلي.
وعن إمكانية تحويل عقود إقليم كردستان من عقود مشاركة إلى عقود خدمة على غرار ما وقعته الحكومة العراقية مع شركات النفط، ذكر الجواهري أن لدى العراق سابقة في هذا الأمر، تتمثل بعقد المشاركة مع الصينيين الخاص بحقل الأحدب النفطي بمحافظة واسط، الذي تم توقيعه في زمن نظام الرئيس الراحل صدام حسين، لافتاً إلى أن العراق أعاد النظر بعقد حقل الأحدب وحوَّله إلى خدمي من خلال حذف فقرات وإضافة فقرات أخرى لتبقى هيكلية العقد بصيغته الرئيسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمكنت جولات التراخيص التي وقعها العراق عام 2009 من رفع إنتاج النفط العراقي الذي بلغ أدنى مراحله عام 2007 بمليون ونصف المليون برميل يومياً، ليصل إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً، بعد قيام هذه الشركات بعملية تطوير شاملة لحقول النفط العراقية في جنوب البلاد في مختلف نواحي هذا القطاع إنتاجاً وتصديراً واستخراجاً، لكنها ووجهت بانتقادات لاذعة من قبل سياسيين منذ سنوات، لا سيما لجهة ارتفاع كُلفها وتأثير هذا الأمر في إيرادات العراق السنوية من النفط.
اجتماع برلماني
وقالت عضو لجنة النفط والطاقة إنتصار الموسوي إن اللجنة ستعقد اجتماعاً، الأسبوع المقبل، تبحث خلاله هذا الملف وملفات أخرى تتعلق بالنفط والطاقة. وأضافت الموسوي أن "سياسة الإقليم مع الحكومة الاتحادية عبارة عن سياسة مراوغة لعدم التزام حكومة الإقليم بالقرارات الصادرة من المحكمة الاتحادية، واستمرار تهريب النفط من الإقليم وعدم تسليمه لشركة النفط الوطنية"، مشيرة إلى وجود اتفاق داخل اللجنة على عقد جلسات لبحث ملف نفط إقليم كردستان والسياسة التي تنتهجها وزارة النفط.
ضعف بغداد
وأوضحت الموسوي أن السبب في عدم حل هذا الملف ليس حكومة الإقليم، وإنما ضعف حكومة بغداد وعدم اتخاذها قرارات صارمة تجاه الإقليم. مشددة على ضرورة أن تكون هناك عقوبات على الإقليم لعدم التزامه بالقانون، فضلاً عن تسليم الأموال لحكومة الإقليم على الرغم من عدم التزامها بقانون الموازنة.
وتقوم الحكومة العراقية منذ عام 2021 بتحويل أموال إلى حكومة إقليم كردستان من دون موافقة البرلمان العراقي، الذي حدد فقرة في الموازنة تربط تسليم المبالغ بإشراف الحكومة الاتحادية على صادرات الإقليم النفطية.
وعن أساليب الضغط التي من الممكن أن تتبعها بغداد، بينت الموسوي أن من الممكن عدم إعطاء الإقليم حصته من الموازنة البالغة 12.5 في المئة وعدم تحويل رواتب موظفيه، كما حصل عام 2020، أو العودة إلى فرض القانون بالقوة، مشيرة إلى أن الخطوات الأولى لحل هذه الأزمة ستكون صعبة، لأن الإقليم مسيطر على كل شيء، فضلاً عن التدخلات الخارجية وتعاون بعض الدول معه.
وخلال الأسابيع الأخيرة من ولاية رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الثانية في 2014 رفعت الحكومة العراقية دعوى في محكمة تجارية تابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد تركيا بشأن مبيعات نفط إقليم كردستان على الأراضي التركية. ومرت هذه القضية بمراحل مختلفة تدلل على عدم جدية صاحب القرار العراقي في حسمها، بدأت من إيقافها من قبل رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي في بداية ولايته نهاية 2014، ثم تفعيلها مجدداً في مطلع 2017 قبل تجميدها في أيامه الأخيرة، ليأتي رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي ليوقفها بشكل كامل بطلب من القيادة الكردية، قبل أن تستأنف من قبل وزارة النفط العراقي خلال العام الماضي.
وتطالب الحكومة العراقية بموجب الدعوى الحكومة التركية بتسديد نحو 26 مليار دولار إلى العراق، ناجمة من قيام الأخيرة بتصدير نفط الإقليم خلال السنوات الماضية من دون موافقة رسمية من بغداد.
سياسة فاشلة
وقال عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، آسو فريدون، إن السياسة النفطية في الإقليم لم تكن ناجحة ونتائجها لم تكن مرضية، معتبراً أن تشريع قانون النفط والغاز هو الحل لهذه المسألة. وأضاف آسو، وهو نائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني، أن "تشريع النفط والغاز يناسب الوضع الحالي ويضمن حقوق المواطنين بالإقليم ويعزز العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، باعتبار أن مسألة السياسات النفطية إحدى المعوقات الكبيرة للتقارب مع بغداد وحكومة الإقليم". ولفت إلى أن كتابة العقود يجب أن تكون بصيغ تدريجية عن طريق إعادة تكييفها بشكل يتناسب مع الوضع الحالي، معتبراً أن إنهاء هذا الملف الشائك يرتبط بوجود نية حسنة من الجانبين، الحكومة الاتحادية والإقليم تهدف إلى تحقيق صالح الشعب العراقي.
وينتج الإقليم يومياً نحو 400 ألف برميل من النفط يتم تصدير معظمها عن طريق أنبوب إلى الأراضي التركية، ومن ثم إلى الأسواق العالمية، في وقت يصدر العراق نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل يومياً من حقول الوسط والجنوب عبر الموانئ العراقية المطلة على الخليج العربي، فضلاً عن تصدير 10000 برميل يومياً إلى الأردن.