أعادت الهزة الأرضية القوية التي شهدتها منطقة الريف شمال المغرب، الجمعة الماضية، إلى أذهان المغاربة فاجعة الزلزال العنيف الذي تعرضت له مدينة الحسيمة ليلة 24 فبراير (شباط) 2004، وخلف حينها خسائر مادية وعمرانية وبشرية كبيرة، حيث أسفر عن وفاة أكثر من ألف شخص ومئات الجرحى.
وباتت منطقة الريف عموماً، وإقليم الدريوش خصوصاً، عرضة لهزات أرضية عديدة بإيقاعات مستمرة، جعلت كثيرين يحذرون من احتمال وقوع زلزال مدمر، مثل زلزال الحسيمة في عام 2004، أو الزلزال الشهير الذي دمر بشكل شبه كامل مدينة أغادير (جنوب) في 29 فبراير 1961.
هزات ارتدادية
واتسمت الهزة الأرضية ليوم الجمعة الماضي بالقوة، بخلاف عشرات الهزات التي شهدتها منطقة الريف في الفترة الماضية، إذ بلغت قوة هذه الهزة عند وقت الظهيرة 5.2 درجة على مقياس ريختر، وتحدد مركزها في بحر البوران.
وفي يوم واحد، عرفت منطقة الريف هزات أرضية ارتدادية بلغت أكثر من 60 هزة خفيفة ومتوسطة، وصلت ذروتها 4.2 درجة ليلة الجمعة السبت، وفق أرقام مواقع عالمية لرصد الزلازل.
وشعر بالهزة الأرضية سكان عديد من المدن المغربية، بخاصة في الشمال وحتى في شرق البلاد، بينما خرج سكان الريف من منازلهم إلى الشوارع، تحسباً لوقوع هزات ارتدادية غير متوقعة.
وقبل هذه الزلازل المتوسطة والقوية المسجلة أخيراً، عرف إقليم الدريوش في منطقة الريف 5 هزات أرضية في 17 و19 و24 و28 أبريل (نيسان) الماضي، وفي بداية مايو (أيار)، بدرجات قوة تتراوح بين 3.5 و4.5 درجات على مقياس ريختر، تبعاً للمعهد المغربي للجيوفيزياء المتخصص برصد الزلازل في البلاد.
تفسير جيولوجي
ويفسر الدكتور علي شرود، خبير الزلازل المتخصص في "الجيوديناميكا"، الإيقاعات المتواصلة للهزات الأرضية في منطقة الريف تحديداً، بأن القشرة الأرضية تحاول تفريغ وتحرير طاقتها الداخلية المخزنة عبر عدد من الفوالق.
ويستطرد علي شرود، في حديث مع "اندبندنت عربية"، بالقول، إن الزلزال حرك فوالق شرق غرب ذات حركة مُيامنة (أي يمينية) في اتجاه عقارب الساعة، بالموازاة مع فوالق شمال غرب، وفالق "النكور" النشيط دائم الحركة، وذي حركة مُياسرة (أي يسارية)، الذي يعد أخطر فالق في المغرب.
ووفق التعريف الجيولوجي، الفالق أو الصدع هو تصدع أو تشقق يقع في صخور القشرة الأرضية مصحوباً بحركة انزلاق نسبية للكتل المتاخمة من طبقات الصخور، جراء الضغط الشديد الذي تسببه حركات القشرة الأرضية.
ويتابع الخبير المغربي كلامه بأن "هذه الهزات الأرضية تنتج عندما تلتقي الفوالق وسط قشرة أرضية هشة تضم صفائح تكتونية أوراسية وأفريقية".
والصفيحة الأوراسية، وفق التعريف الجيولوجي، هي "الصفيحة التكتونية التي تضم معظم أوراسيا، باستثناء شبه القارة الهندية وشبه الجزيرة العربية وشرق سيبيريا".
مؤشر مطمئن
ويرى شرود أن منطقة الدريوش تحديداً تعرف هزات ضعيفة مستمرة تصل درجتها بين 2 و3 درجات، لأنها توجد فوق صفيحة هشة تفرغ ضغطها الداخلي وتحرره عبر منطقة الضعف، متمثلة في فوالق غرانادا، وفوالق الريق، وفوالق الجزائر العاصمة، وبومرداس التي شهدت زلزالاً مدمراً في مايو 2003.
واسترسل المتخصص ذاته بأن منطقة الريف جاءت جيولوجياً محاطة بمثلث فوالق النكور وبومرداس على شكل كتلة متحركة، شبهها شرود بقطعة فلين فوق سطح ماء، ما يعني أنها منطقة هشة من جميع الاتجاهات، كما أنها متحركة دائماً مع تقارب القارات.
وبخصوص توقعاته بالزلازل المقبلة في الريف، قال شرود، إن فوالق هذه المنطقة في المغرب تتحرك وستظل تتحرك، بالتالي لا يمكن التئامها، فهي فوالق تتوسع وتتحرك أكثر فأكثر، بالتالي لابد أن تحصل هزات أرضية بإيقاعات مستمرة.
وبخصوص توقع حصول زلزال مدمر مثل زلزال الحسيمة أو أغادير، شدد شرود على أنه علمياً عندما تقع الزلازل بوتيرة متواصلة ومستمرة، هذا يعني أن القشرة الأرضية تفرغ طاقتها الداخلية تدريجاً، وهذا مؤشر مطمئن، لأن الأفضل أن تفرغ القشرة الأرضية طاقتها يومياً بهزات ضعيفة، بدلاً من حصول هزة عنيفة ومدمرة مثل ما حصل في الحسيمة سنة 2004.
وخلص الخبير عينه إلى أن الزلازل في حد ذاتها ليست كوارث طبيعية موسمية، مثل الحرائق والفيضانات التي يمكن توقعها، مردفاً أن الزلازل كوارث طبيعية غير موسمية يمكن توقع المنطقة التي تقع فيها، لكن لا يمكن أبداً توقع الحركة التي ستنتج عنها هزات أرضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
زلزال الحسيمة
هذه الهزات الأرضية الجديدة في المغرب كانت كفيلة باستحضار شبح الزلزال الذي حول قرى وأحياء الحسيمة إلى ركام، عندما كان عديد من السكان نياماً، ليخلف خسائر فادحة في العمران والبنى التحتية، كما أسفر عن مصرع مئات الأشخاص، وجرح الآلاف.
ومباشرة، بعد زلزال الحسيمة، زار العاهل المغربي الملك محمد السادس المنطقة، ليعلن بعدها حزمة مشاريع تنموية وعمرانية وبرامج اجتماعية بهدف تضميد جراح سكان الحسيمة جراء الزلزال المدمر.
وعلى الرغم من إقرار عديد من المشاريع التنموية في الحسيمة، بعد الزلزال المدمر، غير أن بعضاً منها لم ينفذ بعد، بسبب اختلالات في التدبير والتسيير، وعلى رأسها مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" الذي تسبب تعثره في إسقاط وزراء ومسؤولين ورؤساء مؤسسات عمومية.
توعية الاحتماء
ويقول عزيز أفغالي، ناشط جمعوي في منطقة الريف، لـ"اندبندنت عربية"، إن الزلازل التي تتربص بالريف المغربي لا يمكن مواجهتها إلا بالتوعية، وأيضاً بإنشاء مبان ومنشآت تحتية متينة وقوية.
ويشرح المتحدث بأن التوعية تتضمن إعلام السكان، بخاصة الفئات المهمشة، بطرق الاحتماء من الزلازل إذا وقعت، وكيفية تفادي مخاطر الهزات الأرضية، وأيضاً معرفة الإسعافات الذاتية الأولية، مبرزاً أيضاً ضرورة أن تكون المنطقة متوفرة على منشآت متينة من حيث التشييد، حتى لا تسقط بمجرد هزة أرضية بسيطة.
وقبل زلزال الحسيمة، لا ينسى المغاربة شبح زلزال أغادير في سنة 1960، الذي أفضى إلى مقتل زهاء 15 ألف شخص، قدروا بثلث سكان المدينة حينها، وجرح أكثر من 12 ألفاً، وتشرد أكثر من 35 ألفاً.
ومن اللافت في زلزال أغادير أنه كان مدمراً على الرغم من أن درجة قوته لم تبلغ سوى 5.8 درجات على مقياس ريختر، وهي درجة متوسطة بمعايير رصد قوة الزلازل الحديثة وقياسها، لكن الهزة كانت مدمرة بسبب نوعية الأبنية في هذه المدينة، والمشكلة أساساً من الطين.
وبعد أن شهدت أغادير هذا الزلزال الذي يوصف بكونه الأعنف والأكثر دموية في تاريخ المغرب، استطاعت المدينة أن تخرج من "رماد الفاجعة"، لتصبح بعد سنوات أحد أكبر المدن السياحية في المملكة والعالم.