في وقفة احتجاجية أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر داخل قطاع غزة، نظمت للمطالبة بالإفراج عن جثامين القتلى الفلسطينيين الذين تحتجزهم السلطات الإسرائيلية، اتهم أهالي القتلى تل أبيب بأنها تسرق أعضاء أبنائهم وتماطل في الإفراج عن جثثهم، في مخالفة واضحة لجميع المواثيق الدولية، وحتى القوانين والقرارات الإسرائيلية نفسها.
ولا يعد الحديث عن سرقة إسرائيل أعضاء جثامين القتلى المحتجزين مجرد اتهامات شعبية يطلقها ذووهم، بل أكدت هذه المعلومة تقارير عدة صدرت عن جهات فلسطينية رسمية وأخرى حقوقية دولية.
السلطات الفلسطينية وثّقت حالات
وجاء في تقرير رسمي صادر عن وزارة الإعلام الفلسطينية في أبريل (نيسان) الماضي، أن "السلطة الفلسطينية تملك دلائل تؤكد فقدان جثامين، أفرجت عنها السلطات الإسرائيلية بعد عملية احتجاز طويلة، أعضاء من أجسادها، وهذا يؤكد أن إسرائيل تسرق أعضاء جثامين الشهداء الفلسطينيين أثناء فترة الاحتجاز"، وبحسب التقرير الرسمي، فإن "السلطة الفلسطينية تملك صوراً لقتلى احتجزت إسرائيل جثامينهم لفترات متفاوتة في ثلاجات الموتى، ظهرت عليها خياطات جراحية توحي إلى أنه تم شقها لاستئصال أعضاء".
واعتمدت السلطة الفلسطينية في اتهامها هذا، على ثلاث حالات لجثامين، الأولى ظهرت على منطقة عين جثة القتيل مادة لاصقة لمنع فتحها، والحالة الثانية كان هناك هبوط واضح في منطقة الصدر، ما يعني أنها فارغة من الأعضاء، والثالثة برز في الجثة شق جراحي به خياطات طبية من منطقة الرقبة حتى أسفل البطن، وفقاً لحديث مديرة العلاقات العامة في وزارة الإعلام الفلسطينية نداء يونس التي تقول أيضاً، إن هناك بحوثاً ميدانية مطولة بهذا الشأن.
وفي غزة أيضاً، أفادت الجهات الصحية بأنها لاحظت بعد الفحص الأولى لجثة الأسير فضل شاهين الذي كان جثمانه محتجزاً لدى السلطات الإسرائيلية، أن هناك سرقة لقرنيات عينه، فضلاً عن وجود قطع طولي من رقبته حتى أسفل بطنه، الأمر الذي قد يوحي بسرقة أعضاء أخرى من جسده، لكن من دون إثبات ذلك بالتشريح.
وتحتجز إسرائيل جثامين نحو 305 قتلى فلسطينيين وعرب، وعادة تحتفظ بهم في ما يعرف في مقبرة الأرقام، أو ثلاجات الموتى داخل معهد الطب العدلي الإسرائيلي "أبو كبير"، ويقدر عدد المحتجزين في الثلاجات 105 حسب وزارة الإعلام الفلسطينية.
العائلات ترفض التشريح
في الواقع، لم تشرح السلطات الفلسطينية، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية جثمان أي قتيل سلمته إسرائيل بعد احتجازه لتثبت بشكل قطعي أن إسرائيل متورطة في سرقة أعضاء. ويقول منسق الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين حسين شجاعية إنه حتى اللحظة لا يوجد دليل قاطع حول قيام إسرائيل بسرقة أعضاء جثامين القتلى، لأن سلطاتها تفرض شروطاً صعبة لآليات التسليم والدفن.
وبحسب اللجنة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، ووزارة الصحة الفلسطينية، وعائلات القتلى، ومؤسسات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية، ومنظمة "بتسليم" الحقوقية الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل تشترط على عائلة القتيل عدم تشريح الجثة، ودفن الجثمان في الليلة ذاتها التي يتم تسلمه فيها، ويكون ذلك بحضور عدد محدود من أقارب القتيل ويجري تحديدهم مسبقاً، وتفرض غرامات مالية على مخالفين تقدر بقيمة 13 ألف دولار أميركي في حال جرى التشريح، وأكثر من خمسة آلاف دولار في حال تأخير عملية الدفن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح شجاعية أن الجثمان بحاجة ليومين أو ثلاثة حتى تتم عملية تشريحه، في وقت تفرض فيه إسرائيل دفنه مباشرة بعد التسليم، والأهالي يتخوفون من الموافقة على هذه الخطوة، لأنهم يعتقدون أن هناك احتمال اختطاف الجثمان من المستشفى. وأشار إلى أن إسرائيل تحتجز الجثمان قبل تسليمه لعائلته، أسابيع، في ثلاجات بدرجة حرارة تتراوح بين 60 و80 درجة مئوية تحت الصفر، حتى يصعب تشريحه ومعرفة إذا تمت سرقة أعضاء من جسده.
التشريح ضرورة وطنية
وبحسب السلطة الفلسطينية، فإن أهالي المحتجزة جثامينهم يرفضون الموافقة على تشريح الجثث المفرج عنها، وهذا يشكل عائقاً أمام إثبات جريمة سرقة إسرائيل أعضاء جثامين القتلى، ويوضح المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، ومتحدثها في رام الله، كمال الشخرة، أن الجثامين التي يتم تسلمها من إسرائيل يجري فحصها ظاهرياً، وهذا لا يكفي إثبات حالة واحدة لسرقة الأعضاء.
ويقول رئيس اتحاد المستشفيات والمراكز الصحية نظام نجيب، "يجب إقناع عائلات الشهداء التي تتسلم الجثامين عبر السلطة الفلسطينية بالموافقة على التشريح من جهات متخصصة، وهذه العملية ليست معقدة، إن أهمية تشريح الجثامين تعد ضرورة وطنية تهدف إلى الكشف عن أي استئصال أعضاء الشهداء من أجل رفع دعاوى قضائية في محاكم الاختصاص".
وعدم حصول السلطة الفلسطينية على معلومات ودلائل موثقة بأن إسرائيل تعمل على استئصال أعضاء من جثامين القتلى المحتجزين لديها، دفع وزارة الصحة الفلسطينية إلى مطالبة الأمم المتحدة بضرورة فتح تحقيق دولي حول "سرقة الأعضاء من جثامين القتلى الفلسطينيين".
الأمم المتحدة تلقت رسائل فلسطينية وإسرائيلية
وفي عام 2015، بعث مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، وكان آنذاك سفير بريطانيا ماثيو ريكروفت، كتب فيها، "بعد إعادة الجثث المحتجزة للفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، وفي أعقاب الفحص الطبي، تبين أن الجثث أعيدت من دون القرنيات وأعضاء أخرى، إن هذا يؤكد تقارير سابقة عن استئصال أعضاء قتلى فلسطينيين، نرجو منكم التحقيق الفعلي في هذا الملف"، فإن سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت داني دانون رد على ذلك برسالة، أرفقها إلى الأمين العام للأمم المتحدة حينها يان كي مون، وجاء في نصها، "التشهير الدموي من قبل المندوب الفلسطيني يكشف عن دوافعه المعادية للسامية وعن صورته الحقيقية، معاداة السامية ليست لها مكان في أروقة الأمم المتحدة ويجب التنديد بها، أدعوكم أن ترفضوا هذا الاتهام الخبيث والتنديد بالتحريض المتواصل من الزعماء الفلسطينيين".
اعترافات ونفي رسمي
بشكل رسمي، اعترفت إسرائيل مرة واحدة عام 2000، في مقابلة أجريت مع متحدث الجيش الإسرائيلي لصالح شبكة "سي أن أن" بأن أطباء فيها تورطوا في عملية استئصال أعضاء من جثامين قتلى فلسطينيين، مع الإشارة إلى أن تلك الممارسات توقفت بشكل نهائي، ولم تعد تتكرر، ومن حينها، تنفي إسرائيل دائماً أنها تقوم في أي أنشطة من هذا النوع، وتؤكد نفيها إلى جميع المنظمات الدولية والأممية. ويقول منسق أنشطتها في الأراضي الفلسطينية غسان عليان، إن ذلك فرية دموية على إسرائيل.
لكن، على الرغم من نفي إسرائيل الأمر، فإن المسؤول السابق عن الطب التشريحي والقضائي في معهد الطب العدلي الإسرائيلي يهودا هس كشف عن أنه أشرف شخصياً على انتزاع أعضاء من جثامين قتلى فلسطينيين، وبخاصة قرنية العين وأجزاء من الجلد، وكذلك، قالت مديرة بنك "الجلد الإسرائيلي" ملكا شاؤت في مقابلة صحافية مع القناة الثانية العبرية، إن نسبة المتبرعين الإسرائيليين بأعضائهم تعد قليلة جداً، في وقت تملك تل أبيب 170 متراً مربعاً من الجلد البشري، ويعد أكبر بنك في العالم، تاركة السؤال مفتوحاً حول مصدر هذه الكميات.
لكن النفي الإسرائيلي، والغموض في تقديم معلومات، دفع مديرة مركز الدفاع عن الفرد في إسرائيل (منظمة حقوقية غير حكومية) داليا كرشطاين، إلى اتهام المؤسسات الإسرائيلية بالانغلاق والتعامل بإهمال بكل ما يتعلق مع ملف جثامين الفلسطينيين، بخاصة المؤسسات الرسمية. وقالت إن الجيش والتأمين الوطني ومعهد الطب الجنائي، جميعهم يمتنعون عن توفير المعلومات اللازمة حول الملف.
الجثامين ورقة مساومة يرفضها القانون
في القانون الإسرائيلي، لا يحق للدولة أن تحتجز جثامين القتلى الفلسطينيين، وكذلك الأمر في القانون الدولي، إذ، إنه بحسب اتفاقية جنيف الرابعة في المادة 15، فإنها تجرم احتجاز الجثمان وأخذ أعضاء من الجثث إلا بعد موافقة أهل القتيل، سواء في المعارك أو داخل السجون، وعدم استخدام أعضائهم حتى لو بدافع إنساني، كما أن معاهدات لاهاي تحدثت عن عدم جواز احتجاز الجثث والكشف عن أماكن احتجازها، لكن "الكابينيت" (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر) أصدر عام 2020، قراراً يقضي باحتجاز جثمان كل قتيل فلسطيني بصرف النظر عن انتمائه السياسي، لاستخدامه ورقة مساومة في أي عملية تبادل مقبلة مع الفصائل في غزة.
ومباشرةً، رفضت حركة "حماس" الأمر، وقالت إنها لن تدمج هذا الملف مع أي صفقة تبادل. وأوضح القيادي فيها حسن يوسف أنهم على الرغم من ذلك، يعملون على تحرير جثامين القتلى الفلسطينيين المحتجزة لدى السلطات الإسرائيلية، بطرق مختلفة.