نشطت خلال الأيام الماضية، وبشكل لافت العلاقات بين الخرطوم وأسمرة، بعد أن كانت الأخيرة الأقرب إلى أديس أبابا، التي تمر علاقاتها مع السودان بحالة من الفتور بسبب خلافات سد النهضة، فضلاً عن الخلاف الحدودي حول أراضي "الفشقة".
وتحاول إريتريا، في مساعيها لتعزيز علاقاتها مع السودان، أن يكون لها يد في حل الأزمة السياسية التي يشهدها الأخير منذ انقلاب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، إذ سبق أن طرحت أسمرة، خلال استقبال الخرطوم في أبريل (نيسان) وفداً إريترياً ضم وزير الخارجية عثمان صالح ومستشار الرئيس الإريتري، مبادرة لمعالجة الأزمة وتقريب وجهات النظر بين جميع أطراف الصراع، كما سلم السفير الإريتري في الخرطوم عيسى أحمد عيسى، الثلاثاء، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان رسالة خطية من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي تؤكد اهتمام الأخير البالغ بتطورات الأوضاع في السودان، وضرورة توحيد الجهود والعمل الجاد للوصول إلى رؤية موحدة تضمن الخروج الآمن من الأزمة.
لكن، ما الدوافع الحقيقية وراء تطورات العلاقات بين الخرطوم وأسمرة، وسر هذا التقارب المفاجئ ومآلاته ومستقبله وأثره على علاقات كلتا الدولتين مع الجارة إثيوبيا؟
تحولات ديناميكية
يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم، المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، عبد الوهاب الطيب البشير، أن "دوافع التقارب السوداني الإريتري مرتبطة بجملة تحولات بين إريتريا وإثيوبيا، فمن الواضح أن العلاقات بين قيادة البلدين ممثلة في الرئيس الإريتري أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ليست على ما يرام، بخاصة بعد توقيع الاتفاق الإثيوبي الإريتري في جدة عام 2018 برعاية القيادة السعودية، فقد جرت تحولات عدة أدت إلى سوء العلاقات بين الدولتين، منها عدم تفعيل اتفاق جدة الذي يرى أفورقي أنه لا يخدم مصالحه لأنه يمنح (تيغراي) فرصاً أكبر في إريتريا من ناحية فتح الحدود، بالتالي يعطي هذا الاتفاق شعب (تيغراي) متنفساً كبيراً ويخدم مصالحه من كل النواحي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف البشير، "من هذا المنطلق شعر الرئيس الإريتري أن اتفاق جدة للسلام مع إثيوبيا، والذي طوى صفحة أطول نزاع في القارة الأفريقية، يمثل خسارة كبيرة له، وأنه يخدم أديس أبابا، وكذلك (تيغراي) أكثر من إريتريا". وتابع، "الشيء الثاني أن الضغوط الدولية على الحكومة الإثيوبية جعل رئيس وزرائها يتجه لتصفية المشكلات مع (تيغراي) جراء الحرب، لذلك ما جرى من حوار وطني إثيوبي يقوم على ضرورة إجراء مصالحة مع (تيغراي)، وهو ما لا يرغبه أفورقي، بالتالي غضب من هذه الخطوة، وساءت العلاقات بين البلدين، ما انعكس على جملة خطوات أمنية وعسكرية وتبعات سياسية، ويمكن القول إن العلاقات الإثيوبية الإريترية تمر الآن بأسوأ حالاتها، وتشير المعلومات إلى وجود معارك على الحدود بين البلدين، فضلاً عن انسحاب القوات الإريترية من مناطق كانت تخدم الجانب الإثيوبي، وهناك حشود إثيوبية على الحدود الإريترية والسودانية، وكلها تحولات في الوضع الأمني والعسكري تؤثر على طبيعة العلاقات السياسية".
قضايا شائكة
أستاذ العلوم السياسية لفت إلى أن "كل هذه الأسباب مجتمعة، بخاصة سوء العلاقات الإثيوبية الإريترية أدى إلى تحرك إريتريا تجاه السودان وفق خطين: الأول التفاوض بشأن العلاقات بين البلدين، والثاني نقاشات تجري بخصوص العلاقات السودانية - الإثيوبية، وهناك أيضاً نقاشات تختص بمسألة (تيغراي)، لكن ليست مجرد زيارة يجريها وزير الخارجية الإريتري ومستشار الرئيس أفورقي إلى الخرطوم يمكنها إنجاز المهمة، والأفضل لوصف ما يجري هو أنه تفاهمات إريترية - سودانية".
البشير أشار إلى أنه "قد تبدو هناك مجموعة قضايا ترتبط بشرق السودان، وكذلك قضايا تخص الداخل الإريتري متعلقة بأمور اقتصادية، وأخرى أمنية وعسكرية تتصل بطبيعة المشكلات القائمة في منطقة (الفشقة) الحدودية المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا، فضلاً عن مشكلة (تيغراي). وكل هذه المسائل تحتاج بالفعل إلى تفاهمات في ظل التحولات التي جرت في العلاقات الإريترية الإثيوبية، لكن يلوح في الأفق تساؤل مهم هو: هل السودان مستعد للتقارب مع إريتريا؟ أو إذا صح التعبير: هل الخرطوم ترغب في تفاهمات مع أسمرة تخدم هذه الأشياء؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة من خلال تحركات فعلية، أو وجود مؤشرات حقيقة على الأرض، تتمثل في الزيارات المتبادلة بين الدولتين، أو تعديل بعض الأوضاع على الحدود السودانية - الإريترية، أو ما يمكن أن يحدث من تطورات إريترية إيجابية في منطقة (الفشقة)، فضلاً عن أية جهود من جانب أسمرة تجاه قضايا شرق السودان الملتهب".
تهيئة المسرح
كان الكاتب السوداني، عمار العركي، أشار في مقال له، إلى أن "الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي ينطلق من مخاوف الخطر والتهديد الذي تمثله له جبهة (تيغراي)، عدوه اللدود والتاريخي، في ظل ما تتمتع به من إمكانات قتالية عالية، ففي حال حدوث تسوية وتصالح بين (تيغراي) والحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد فقد يقود ذلك إلى تحالف بينهما، بالتالي سيكون هذا بمثابة بداية النهاية لأفورقي ونظامه".
وواصل، "كذلك يقع أفورقي تحت ضغط تلويح (تيغراي) بتسليم أسرى الحرب لديها إلى الأمم المتحدة التي طردها الأول من بلاده تزامناً مع فرض العقوبات الأميركية، بيد أن (تيغراي) لديهم عدد يفوق الألفين من أسرى الحرب، أغلبهم من الشباب الإريتري المجبرين على القتال تحت بند الخدمة الإلزامية، وهم على استعداد لتقديم شهاداتهم وإثبات الاتهامات الدولية واعترافهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بإيعاز وأوامر مباشرة من الرئيس الإريتري، حال قيام (تيغراي) فعلاً بتسليمهم للأمم المتحدة".
وبيّن العركي أنه "في ضوء هذا المشهد، بدأ أفورقي في الاستعداد وتحصين دفاعاته وتهيئة المسرح وكسب الدعم الإقليمي والدولي، بخاصة السودان الذي خصه بزيارات ورسائل متوالية، وكذلك روسيا التي غازلها بالتصويت لصالحها في مجلس الأمن وعدم الممانعة من إقامة قاعدة عسكرية روسية في إريتريا، لمواجهة السيناريوهات المتوقعة حال وصول الخلافات مع آبي أحمد وجبهة (تيغراي) إلى نقطة المواجهة العسكرية".
ولفت إلى أن ذاكرة التاريخ السياسي حيال العلاقات الثلاثية بين السودان وإثيوبيا وإريتريا، على مدار العقود الثلاثة الماضية التي شهدت العداء والاحتراب بين إثيوبيا وإريتريا تشير إلى أن أي تقارب وتحسين للعلاقات بين السودان وأحد الأطراف يُعد تآمراً على الطرف الثالث، وقد ظلت الخرطوم رهينة هذا الاعتقاد طيلة هذه الفترة حتى إعلان اتفاق السلام الإثيوبي - الإريتري 2018، والآن بعد سقوط ورقة توت الاتفاق عاد الاعتقاد القديم إلى الضوء ليصنع الحدث من جديد".
ورأى الكاتب السوداني أن "على السودان في ظل هذا المشهد المعقد بين الحلف الثلاثي، التوقف والتأمل وعدم إبداء رد فعل يُحسب عليه ويُوقعه في المحظور، بالنظر إلى تسارع الجانب الإريتري لإحداث تقارب يعيد مجرى العلاقات إلى وضع متميز".