الخوف عاطفة إنسانية طبيعية وبدائية، لكنها قد تدفع أصحابها إلى القيام بأعمال تبدو للرائي على أنها شجاعة وجسورة، لكنها في حقيقة الأمر وسيلة دفاع يتبعها الخائف ليحمي نفسه.
التعريف العلمي للخوف يشير إلى أنه استجابة كيماوية حيوية، إضافة إلى كونه عاطفة مشتركة بين البشر، وينبه صاحبه إلى وجود خطر ما أو تهديد، ربما يكون حقيقياً، لكن ليس في كل الأحوال.
ويشير علماء الطب النفسي إلى أن الخوف يكون في بعض الأحيان دليلاً على حال صحية تنبئ باضطراب عقلي حقيقي.
خطر الاضطراب العقلي
منصات إعلامية في المعسكر الغربي تطرح احتمالات بين الوقت والآخر حول أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مضطرب عقلياً، وهذا الاضطراب هو ما دفعه إلى شن حرب على أوكرانيا. بعضهم يفسر ذلك في ضوء المصالح الاقتصادية والتوازنات السياسية التي تجعل من تحرك روسيا في أوكرانيا خطراً داهماً، لكن بعيداً من شبح السياسة والاقتصاد الذي يدفع المعسكرات المتناحرة أو المتناقضة إلى التراشق باتهامات الصحة العقلية والتي غالباً ما تكون بغرض التشهير والتشويه.
تشهير أو تشويه أو حتى توصيف قرار الرئيس بوتين في ضوء اعتلال الصحة العقلية امتد إلى وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد أوين، وهو طبيب أمراض نفسية في الأساس، قال في فبراير (شباط) الماضي إن سلوك بوتين "العدواني" تجاه أوكرانيا ربما يكون ناجماً عن تناول المنشطات، وضمن آثارها العكسية المحتملة اكتساب الشخص ما يعرف بـ "متلازمة الغطرسة والسلطة" وربما الميل للسلوك العدواني.
روسيا خائفة
لكن احتمال أن تكون روسيا خائفة لا يطرأ على بال كثيرين، وإن طرأ فغالباً لا يتم التطرق إليه، والاكتفاء بالتشهير عبر "الوصم" بالاضطراب العقلي والتشويه من خلال التلميح بالميل نحو العدوان والجنوح للغطرسة.
وعلى الرغم من أن التشهير والتشويه الحقيقيين يلحقان المصابين فعلياً باضطرابات عقلية جراء تأكيد أنها "وصمة"، فإن عملية التراشق بالاضطراب تعلو وتطغى ولا تلقي بالاً لمحاولات فهم ما يجري في ضوء نظرية الخوف.
الغرب خائف
روسيا خائفة، وكذلك المعسكر الغربي والـ "ناتو"، ودول في الشرقين الأدنى والأقصى تتجاذبها الرهبة والخشية. وإسرائيل قلقة وتركيا غير مطمئنة، أما أوكرانيا فمذعورة وفنلندا فزعة، وكذلك السويد وقائمة مفردات الخوف طويلة. والمتأمل في أحوال الكوكب خلال هذه الآونة يشم رائحة الخوف ضمن طبقات الغلاف الجوي، وكأن طبقة سابعة أضيفت إلى طبقاتها الست المعروفة. والمعروف، وليس بالضرورة المتداول، أن تحرك روسيا في أوكرانيا نابع من خوف ما.
وبحسب مقالة منشرة في الدورية الأميركية "جورنال أوف ديموكراسي" بعنوان "ما أكثر ما يخشاه بوتين؟" (فبراير 2022)، يرى المؤلفان روبرت برسون ومايكل مكفول أن بوتين خائف وقلق ومتوتر، لكن ليس بسبب الـ "ناتو" أو "النازيين الجدد" في أوكرانيا، ولكن بسبب الديمقراطية في أوكرانيا، فربما يكره بوتين الـ "ناتو" لكنه لا يخشاه، لأن روسيا تمتلك أكبر جيش في أوروبا، فيما يظل الـ "ناتو" تحالفاً دفاعياً، ولم يحدث من قبل أن هاجم الاتحاد السوفياتي السابق أو روسيا، وغالباً لن يفعل وبوتين يعرف ذلك، لكنه لا يستطيع أن يتسامح مع أوكرانيا ديمقراطية على حدوده، لا سيما حين تؤدي هذه الديمقراطية إلى ازدهار اقتصادي، لأن هذا يقوض نظام الكرملين وقواعد إدارة الدولة الاستبدادية.
وإذا كانت "الدولة الاستبدادية" خائفة من الديمقراطية والازدهار على حدودها، فإن خوف الدول الديمقراطية ليس أقل وطأة، وخوف الغرب "الديمقراطي" من روسيا ليس وليد الحرب في أوكرانيا ولا الحرب التي سبقتها، ولكنه خوف تاريخي متوارث منذ زمن العالم ثنائي القطب، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، وقد انتهى العالم ثنائي القطب وتفتت الاتحاد السوفياتي وبقي الخوف إرثاً.
ديمقراطية على حدود الاستبداد
إرث خوف الغرب "الديمقراطي" من روسيا أقوى، أكبر وأعتى أبناء الاتحاد السوفياتي، ربما توارى لكنه لم يختف أو ينضب، بل يمكن القول إن وصول الرئيس بوتين للحكم وبقاءه لم ينعشا الخوف فقط بل فاقماه، ويمزج بعضهم الجد بالهزل قائلاً إن الغرب يعاني "متلازمة القلق من روسيا"، فبين الأجيال الأصغر سناً من لم يعاصر التوترات العنيفة بين القطبين قبل عقود مضت، ولا يعلم عن روسيا سوى تلك المطاعم التي تقدم الأطباق الروسية الشهيرة في بلاده، ورجال الأعمال الروس الذين يأتون إليها لقضاء عطلات فاخرة، لكنهم يعرفون أيضاً أن نوعاً ما من القلق والوجل يحيط بكل ما هو روسي.
وجل غير مفهوم
هؤلاء الصغار الذين يشعرون بنوع من الوجل غير المفهوم تجاه كل ما هو روسي، بمن فيهم الجار في البيت المجاور، أو صاحب المطعم في الحي المتاخم، غالباً لا يعرفون يالطا ولم يسمعون عما جرى فيها قبل 77 عاماً، فهم حتماً سمعوا شيئاً عن ثلاثي كبار العالم حينئذ أو "الثلاثة الكبار" الذين كانت مقاليد الكوكب في أيديهم، لكن أصول عدم الثقة والخوف المتبادل اليوم تظل غائبة.
الثلاثة الكبار رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين حين اجتمعوا في يالطا الواقعة على الساحل الجنوبي لشبه جزيرة القرم وكانت جيوش الحلفاء قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، فالقوات السوفياتية تحيط ببرلين وقوات الحلفاء في طريقها إلى الحدود الغربية لألمانيا، والأميركية تتقدم صوب اليابان، وكان الغرض هو "منع تكرار الدمار والخراب اللذين حدثاً مجدداً"، لكن كلام اللقاءات تمحوه أرض الواقع، فسبل منع تكرار الدمار والخراب في مفهوم الاتحاد السوفياتي كانت تختلف تماماً عنه في المفهوم الأميركي، ولم يكن الاختلاف في وجهات النظر من تلك النوعية المصنفة بـ "خلاف لا يفسد للود قضية"، بل كان خلافاً أفسد للكوكب كل قضية على مدى عقود الحرب الباردة.
يالطا تعاود الظهور
جاء ستالين إلى يالطا وهو يهدف إلى النهوض بالاتحاد السوفياتي عقب الحرب وذلك ببسط نفوذ بلاده في أوروبا الشرقية والتعامل معها باعتبارها طبقة عازلة تحول دون تعرض الاتحاد السوفياتي إلى الخطر، فالخوف كان مسيطراً عليه، ووطنه في حاجة إلى إعادة بناء كاملة بعد خراب الحرب، وهذا لن يحدث إلا بألمانيا مقسمة وأوروبا مفتتة وقوى غربية موافقة على مخططه، أما روزفلت فلم تكن مخاوفه تجاه الاتحاد السوفياتي تقل عن مخازف ستالين تجاهه.
ذهب روزفلت إلى يالطا وهدفه جعل ستالين يوقع على ميثاق المنظمة الأممية الجديدة التي تدعى "الأمم المتحدة"، كما أراد روزفلت إنقاذ جيش بلاده من الخسائر الفادحة التي يتكبدها في اليابان، فأراد أن يقنع ستالين بإعلان الحرب على اليابان لعل ذلك ينقذ ما يمكن إنقاذه في الجيش الأميركي.
خائف من شيء ما
الخوف دفع الثلاثة الكبار إلى "الاتفاق" المرتكز على "خوف" كل منهم من شيء ما، فاتفقوا على كثير مثل تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق سيطرة، واحدة لكل من الدول المجتمعة والرابعة لفرنسا، واتفقوا كذلك على إجراء انتخابات "ديمقراطية في دول أوروبا التي تم تحريرها، لكن الأثر السوفياتي في تلك الدول جعل النتائج محسومة للأحزاب الشيوعية.
وفاة روزفلت بعد فترة وجيزة وقدوم هاري ترومان الذي حمل قدراً من الشك وعدم الثقة تجاه ستالين، ثم نجاح أميركا في تثبيت أقدام قوتها النووية (القنبلة النووية) وتحولها إلى اعتناق مبدأ سياسة خارجية لا تخلو من تلويح بورقة القوة العسكرية، وتعمق الشعور بعدم الثقة بين جميع الأطراف، أمور أدت جميعها إلى بدء مرحلة "الحرب الباردة"، وهي مرحلة كان عنوانها الفزع البارد المتبادل قلباً وقالباً.
هناك من أساتذة العلوم السياسية والكتاب الغربيين من رأى في فكرة "الفزع" مادة تسويقية أكثر من كونها مشاعر حقيقية، وفي مقالة عنوانها "الفزع الأحمر" (2010) بموقع "تاريخ" الأميركي، جاء أن الرعب الأحمر المرتبط بالاتحاد السوفياتي والمشتق من لون علم الاتحاد السوفياتي الأحمر كان سببه "التهديد المتصور الذي يشكله الشيوعيون على أميركا، وأدى الرعب الأحمر إلى تبرير إجراءات تضييق على الحريات، ناهيك بامتداد أثر الرعب الأحمر إلى الأفراد على المستوى الشخصي والخوف الرهيب تجاه كل ما هو شيوعي، لدرجة فصل وطرد أشخاص حامت حولهم شكوك انتمائهم أو تعاطفهم مع الشيوعية".
وتشير المقالة إلى أنه على الرغم من خفوت مناخ الخوف أواخر الخمسينيات، فإن الذعر الأحمر استمر كامناً وقوياً، ويدين حلف شمال الأطلسي (ناتو) للخوف باعتباره السبب الرئيس في خروجه إلى النور عام 1949 واستمراره حتى الوقت الراهن.
الخوف المتصور
"الخوف المتصور" فكرة أو وسيلة متكررة في السياسة، وفي كتاب عالم النفس ج. م. غيلبرت "يوميات نورمبرغ" (1947) الشهير، جاء على لسان الرجل الثاني في ألمانيا النازية والملقب بـ "ظل هتلر" هيرمان غورينغ قوله لغيلبرت، إنه "بطبيعة الحال لا يريد عامة الناس الحرب، لا في روسيا أو إنجلترا أو أميركا أو ألمانيا، هذا مفهوم، لكن قادة الدول هم من يحددون السياسة ويسهل جذب الناس إلى ما يحدده الساسة، سواء في النظم الديمقراطية أو الديكتاتورية أو الفاشية أو الشيوعية أو غيرها، وكل ما عليك فعله هو إخبارهم أنهم يتعرضون إلى الهجوم، واتهام دعاة السلام بأنهم غير وطنيين ويعرضون البلاد للخطر، فهذه طريقة مضمونة في كل الدول".
والـ "ناتو" خائف
تبقى هذه الافتراضية واردة في كل الأوقات بما فيها الوقت الراهن، لكن الجميع الآن منشغل بالذعر الذي يظلل الكوكب، والـ "ناتو" ليس بعيداً من هذه الظلال فهو يطل برأسه متأرجحاً بين جسارة مشكوك فيها ومهابة شبه مؤكدة، والـ "ناتو" تأسس في الأصل العام 1949 مرتكزاً على الخوف من تعرض الدول الأعضاء إلى هجوم هنا أو توغل هناك من قبل الاتحاد السوفياتي، فهو إذاً قائم على مبدأ توفير الدفاع الجماعي المتبادل بين الدول الأعضاء من خلال الوسائل العسكرية والسياسية حال تعرض أي من الدول الأعضاء إلى تهديد خارجي.
"تهديد" انضمام ألمانيا الغربية للـ "ناتو" عام 1954 والسماح بإعادة تسليحها دفع الاتحاد السوفياتي السابق إلى ترجمة خوفه هو الآخر بتأسيس "حلف وارسو" في العام التالي 1955، والحلف الذي مر الآن على تأسيسه 67 عاماً كان ترجمة فعلية لشعور الاتحاد السوفياتي بقدر من الخوف الممزوج بالشك في نيات الـ "ناتو"، وعلى الرغم من حل الحلف عام 1991 بسبب التحولات السياسية والأيديولوجية ومن ثم الأمنية والعسكرية الجذرية في شرق أوروبا، فإن الخوف لم يتم حله.
علاقة قائمة على الخوف
العلاقة بين روسيا والـ "ناتو" ظلت قائمة على الخوف، ولسنوات طويلة والساسة والقادة والمسؤولون الروس يصرحون ويشيرون إلى "تحضيرات الـ (ناتو) لعمل عسكري ضد روسيا أو تآمره على روسيا لتدميرها أو تعزيز وجوده العسكري على أبوابها".
وعلى أرض الواقع ظل الـ "ناتو" ينمو ويتوسع، ومشاعر "الدب الروسي" وهو يتابع نمو الحلف حوله ظلت أبعد ما يكون عن الطمأنينة والسكينة، فإضافة إلى دول الكتلة الغربية المنضمة للـ "ناتو" عقب تأسيسه، شهد العام 1999 انضمام التشيك والمجر وبولندا، وفي 2004 انضمت سبع دول هي بلغاريا ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا ورومانيا وسلوفينيا وإستونيا، تبعتها ألبانيا وكرواتيا في 2009، ثم الجبل الأسود في 2017 ومقدونيا الشمالية في 2020.
لا تخافوا واحذروا
الرئيس الروسي تحدث عن الخوف مراراً، لكنه خوف الآخرين "غير المبرر" من روسيا، ففي العام 2015 قال بوتين في حديث إلى صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، إن بعض الدول كانت تستغل مخاوف الناس تجاه روسيا كذريعة للحصول على دعم عسكري ومساعدات اقتصادية ومالية، وأضاف "مطمئناً" الخائفين، "لا داعي للخوف من روسيا، فلقد تغير العالم بشكل كبير ولا يمكن للناس الذين يتمتعون بحس سوي تخيل صراع عسكري على نطاق واسع اليوم، وأؤكد أن لدينا (روسيا) أموراً كثيرة أخرى نفكر فيها".
صدق بوتين، فقد كانت لديهم بالفعل أمور كثيرة يفكرون فيها، فبينما حرب تكسير عظام تدور رحاها بين روسيا الخائفة من النازيين الجدد، والـ "ناتو" و"الديموقراطية" ضمن قائمة خوف كبيرة من جهة، وبين أوكرانيا الخائفة من الآلة العسكرية الروسية ومحاولات القضاء على ديمقراطيتها وشعورها بالقزم أمام الدب الروسي، إذ بفنلندا والسويد المذعورتين تحاولان القفز من سفينة الحياد لتتجها صوب بر الـ "ناتو" خوفاً من تمدد أو توغل روسيين هنا أو هناك.
صراخ وطرق أوان
يرى بعضهم أن خوف السويد وفنلندا من نيات روسيا ربما يكون هرباً من مقلاة الحياد غير الآمن إلى نيران الـ "ناتو" المثيرة لغضب وعداء الدب، وانضمام الدولتين يقوي شوكة الـ "ناتو" ويثير غضب الدب، وعلماء الحيوانات يقترحون أن يقوم الشخص الذي يفاجأ بدب غاضب بإصدار أصوات عالية مع الإمعان في الصراخ وطرق الأواني المعدنية واستخدام الأبواق الهوائية، لكن أغلب الظن في هذه الحال أن الدب ربما يتجاهل كل هذا الصياح ويمضي قدماً في ما ينوي عمله.
إضافة دولتين عدوتين على حدود روسيا بانضمامهما إلى "ناتو العدو" قد لا يردع روسيا بالضرورة، بل قد يؤدي ذلك إلى مزيد من الخوف، وعلماء النفس وأطباء الأمراض النفسية والعقلية يقولون إن الخوف قد يتدخل في عمل الدماغ ويحد من قدرته على تنظيم المشاعر والتدقيق في الكلمات والمواقف، والخوف يؤثر سلباً في قدرة بعضهم على التفكير واتخاذ القرارات الحكيمة والمنطقية، ويدفع بعضهم الآخر إلى المبالغة في المشاعر المتأججة والإقبال على ردود فعل طائشة وخطرة.
الأكراد ومخاوف تركيا
خطورة توسع قاعدة الـ "ناتو" ربما لا تخيف تركيا كثيراً، وهي الدولة العضو في الحلف منذ العام 1952، لكن ما يخيف تركيا أو ضمن ما يخيفها هو ملف الأكراد، والموقف التركي المعارض لانضمام الدولتين إلى الـ "ناتو" يعكس رد الصاع بصاعين تجاه موقف البلدين غير الداعم لتركيا في صراعها ضد الجماعات الكردية المسلحة وعلى رأسها "حزب العمال الكردستاني" ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وذلك بالحيلولة دون انضمامهما تحت مظلة الـ "ناتو" الدفاعية، وهذه المظلة الدفاعية لا تشمل إسرائيل بحكم عدم وجود اسمها ضمن الدول الأعضاء، لكن إسرائيل "الخائفة" منذ تأسيسها عام 1948 لها وجود قوى في الحلف من باب التعاون والتفاهم والتواؤم، إضافة إلى كونها "حليفاً رئيساً خارج الـ "ناتو" للولايات المتحدة الأميركية التي يقول بعضهم إن التحالف معها "عن حب" خير من ألف "ناتو".
خوف إسرائيل المزمن
موقف إسرائيل في خضم الخوف العالمي الآني لا يخلو من خوف خاص بها، فروسيا تقول إن موقف إسرائيل من حربها ضد أوكرانيا كان ينبغي أن يكون أكثر توازناً، وبمعنى آخر "أكثر موضوعية" تجاه روسيا، وبشكل أوضح كان ينبغي أن يكون أكثر انحيازاً لروسيا ومعاداة لأوكرانيا، لكن إسرائيل تقدم مساعدات "إنسانية" لأوكرانيا ومعدات لا تخرج عن كونها بضع سترات وخوذات واقية، وأوكرانيا من جهة أخرى مصدومة من إسرائيل، فقد عبرت كييف غير مرة منذ بدء الحرب عن إحباطها، إذ كانت تتوقع مساعدات دفاعية أعتى من إسرائيل.
موقف إسرائيل "المطاطي" تجاه الدولتين المتصارعتين لا يمكن فهمه إلا في إطار نظرية الخوف المزمن، وهي النظرية التي لا تفسد للاعتداء قضية، إذ يصنف بعضهم الاعتداءات ضمن سبل الوقاية وطرق الدفاع، وروسيا أصبحت جارة منذ اندلاع الحرب في سوريا، لذا ينبغي حساب الشجب والإدانة بحرص، فما بالك بالانحياز أو الحياد؟
وعلى الرغم من أن إسرائيل ستستمر في مكانتها المميزة والمتفردة مع أميركا بما يعنيه ذلك من شعور بالأمان والحنان والاطمئنان، لا تميل أميركا نفسها إلى الضلوع مباشرة في الفوضى الحالية، باستثناء ما ينبغي اتخاذه من خطوات أو إجراءات أو تصريحات، وفي الوقت نفسه فإن جانباً من أمان إسرائيل يكمن في تحالفها أو تضامنها أو تقاربها مع دول مجاورة لها تكن العداء لإيران، وتعاطفها مع أوكرانيا باعتبارها الطرف المعتدى عليه يمكن أن يبقى حبيس بعض تظاهرات شبابية هنا أو مساعدات إنسانية هناك.
تسييس الخوف سيزدهر
رائحة الخوف في غلاف الكوكب الجوي في هذه الآونة متعددة النكهات، وعلى الرغم من أنها تعيد إحياء نظريات ثقافة الخوف التي تهيمن على السياسة، سواء كوسيلة للهيمنة على الشعوب وتحريكها في الاتجاه الذي يريده الحاكم أو الصالح العام للأمة أو الخاص لأفراد، أو كمهرب من معضلة عدم اليقين الأخلاقي التي دائماً تحوم في فلك السياسة، فإنها تدفع سكان الأرض إلى إعادة النظر في منظومة الخوف برمته.
منظومة الخوف التي تهيمن على أجواء الكوكب حالياً تعاود طرح نظرية الكاتب والأكاديمي الهنغاري الكندي فرانك فيرودي عن تسييس الخوف، والتي طرحها في كتابين هما "كيف يعمل الخوف؟" و"ثقافة الخوف في القرن الـ 21".
ويرى فيرودي أنه ما دامت المجتمعات لم تصل إلى توجهات وتفسيرات أكثر إيجابية في ما يختص بحال عدم اليقين في السياسة بشكل عام، فإن تسييس الخوف سيزدهر.
ويقول فيرودي إن الخوف أصبح مشكلة في حد ذاته، حتى إن كثيرين باتوا يستخدمون مصطلح "ثقافة الخوف" ضمن مفرداتهم اليومية، وأصبح الخوف اليوم وجهة نظر مقبولة عالمياً، ولم لا وقد اكتسب مكانة مهيمنة، فعلى عكس الخيارات السياسية الأخرى أثبت الخوف أنه الأكثر فاعلية وقدرة في التأثير على سلوك الأشخاص وتوجهات الدول، لكن يبدو أنه أغرق الجميع أو كاد.