بات الإرهاب المتزايد في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى يلقي بظلاله القاتمة على أمن بلدان شمال أفريقيا واستقرارها، بخاصة دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
ولم يعُد البعد الجغرافي بين دولة "ساحلستان" في الصحراء الكبرى وحدود البلدان المغاربية، عائقاً صعباً أمام تمدد الخطر الإرهابي والتهديد الأمني، فبات على مقربة من بوابة "المغرب العربي"، عبر سواحل البحر الأبيض المتوسط، بخاصة مع اتساع الصحراء وسهولة تسرب المتطرفين والإرهابيين والمهربين والمتورطين في الجرائم عابرة الحدود.
وكان وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس، أول من أطلق على منطقة الساحل الأفريقي اسم دولة "ساحلستان"، لتشبيهها بمناطق أفغانستان، وهي منطقة تمتد من السنغال والرأس الأخضر وموريتانيا غرباً، إلى السودان وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا شرقاً، مروراً بمالي والنيجر وتشاد.
خطر داهم على أفريقيا
وعادت منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى إلى دائرة الاهتمام في الآونة الأخيرة، بعد أن سلطت الأضواء عليها أكثر من 80 دولة شاركت أخيراً في مؤتمر مناهضة تنظيم "داعش" الإرهابي، المنعقد قبل أيام خلت في مدينة مراكش المغربية، وأوصى بضرورة مواجهة الإرهاب المتنامي في القارة السمراء.
ووفق أرقام رسمية تداولها المؤتمر، فإن 27 كياناً إرهابياً يتمركز في أفريقيا، غالبيتها في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، وسجلت القارة السمراء خلال العام الماضي قرابة نصف (48 في المئة) الوفيات الناتجة من الإرهاب، أي 3.461 ضحية خلال عام واحد فقط.
وتورد الإحصاءات ذاتها أن عدد القتلى الذين سقطوا جراء هجمات إرهابية في القارة تجاوز 30 ألف قتيل خلال 15 عاماً، أي بمعدل 2000 ضحية كل عام، وهي أحداث إرهابية كبدت القارة السمراء زهاء 171 مليار دولار خلال 10 أعوام، وهو ما أفضى إلى اختلالات اقتصادية واجتماعية في المنطقة.
وفي السياق ذاته، سلطت تحليلات إعلامية دولية، آخرها ما نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية المعروفة، الضوء على مكامن الخطر الإرهابي الداهم الآتي من منطقة "ساحلستان" على القارة الأفريقية عموماً، وبالأخص على منطقة "المغرب العربي".
ووفق المجلة الفرنسية، فإن هذه المنطقة الساخنة ينشط فيها كل من جماعة "أنصار الدين" وتنظيم "داعش"، وهما تنظيمان لا يزالان يثيران الرعب في دول من قبيل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لكن التوجهات الجيوسياسية تبدو في طريقها إلى التحول بسبب تداعيات الجائحة والحرب الروسية على أوكرانيا، ليتم التركيز على منطقة "المغرب العربي"، لتكون البوابة المقبلة لمخاطر الإرهاب وعمليات التهريب الكبرى.
بؤرة أزمات
عبد الواحد أولاد مولود، الباحث في العلاقات الدولية المتخصص في الشؤون الأفريقية، يرى أن التهديدات الأمنية الحديثة الوافدة من منطقة الساحل والصحراء الكبرى تعتبر بمثابة ثقل أمني كبير على الدول المغاربية، بالنظر إلى اعتبارات عدة، أبرزها كون "ساحلستان" بؤرة للأزمات التي تجمع بين الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية الوافدة من تلك المنطقة.
ويضيف أولاد مولود لـ"اندبندنت عربية" أن منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى تحولت إلى قبلة للجماعات المتطرفة، مثل تنظيم "بلاد القاعدة في المغرب الإسلامي" وحلفائها في منطقة الساحل، مشيراً إلى تأثير المقاتلين الذين هاجروا من قبل إلى تنظيم "داعش" في العراق والشام، وبعد تراجع نفوذه وقوته بسبب الضربات الموجعة التي تلقاها، أصبحت الوجهة هي منطقة الساحل الأفريقي.
ويرى مراقبون أن الدول المغاربية تواجه هذه التهديدات الوافدة من منطقة الساحل الأفريقي بشكل انفرادي، وهو ما يفسره أولاد مولود بغياب تنسيق ومقاربة مشتركة لمواجهة الخطر الإرهابي بين البلدان الخمسة، بسبب النزاع الدائر في ليبيا التي أضحت عنصر جذب للجماعات الإرهابية، ومشكلة العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، الأمر الذي يزيد من إمكانية زحف الإرهاب والجريمة المنظمة إلى المنطقة المغاربية.
وتوقف الباحث المتخصص عند إرهاب "داعش" في أفريقيا، وهو ما يعني ـ وفقه - تغيّراً في بوصلة الإرهاب من منطقة الشرق الأوسط ومنطقة خراسان إلى منطقة أفريقيا، بخاصة الساحل والصحراء، مشيراً إلى ما خلص إليه المؤتمرون في لقاء مراكش بشأن تحول أفريقيا إلى أرض خصبة ومرتع للجماعات الراديكالية والمتطرفة.
ويرى أولاد مولود أنه يتعين تضافر الجهود الدولية والإقليمية، وتجاوز الخلافات الثنائية في المنطقة المغاربية، والتركيز على المشترك بين هذه البلدان، من أجل دحر أطروحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، مبدياً خشيته من بروز تنظيمات متطرفة جديدة في المستقبل وتنامي نشاطها، بالتالي وصول هذا الخطر إلى القارة الأوروبية.
نقطة التقاء المخاطر
من جهته، يصف أحمد نور الدين، المتخصص في القضايا الدولية والاستراتيجية، منطقة الساحل والصحراء بـ"نقطة التقاء لكل المخاطر التي تهدد الأمن والسلام والاستقرار في العالم وليس في أفريقيا وحدها، ففيها تتقاطع الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة التي تعمل في تجارة المخدرات العابرة للقارات، وتهريب السلاح والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، والاقتتال العرقي الذي يغذّي الحركات الانفصالية المسلحة، ثم دخول المرتزقة الأجانب على الخط، من قبيل عناصر (فاغنر) الروسية التي يقدر عدد أفرادها في أفريقيا بما لا يقل عن ثلاثة آلاف بحسب بعض التقديرات".
ويستعرض نور الدين في حديث إلى "اندبندنت عربية"، منحى التطور النوعي للهجمات الإرهابية، فخلال فترة وجيزة تمتد ما بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) 2021، استهدف هجومان مسلحان قوات حفظ السلام الأممية في مالي المعروفة باسم "مينوسما" في يونيو 2021. وفي الشهر ذاته، نفذ هجوم دموي على بوركينا فاسو راح ضحيته 160 مدنياً في المنطقة المعروفة بالمثلث الحدودي، وفي سبتمبر 2021، تعرضت قاعدة عسكرية في نيجيريا لعملية راح ضحيتها 12 جندياً. كما أعلنت مالي مقتل خمسة جنود وسط البلاد، في كمين نفذته جماعات مسلحة في 13 سبتمبر، وقبلها بأسبوع شنّت جماعة "بوكو حرام" هجوماً على قاعدة عسكرية في النيجر خلف 16 قتيلاً وتسعة مفقودين أخذوا كرهائن.
عوامل تدهور الوضع
وكنتيجة مباشرة لتدهور الوضع الأمني، تزايد عدد النازحين الذين تركوا موطنهم الأصلي فراراً من جحيم الحرب، وبحسب تقرير الأمم المتحدة في سبتمبر 2019، بلغ عدد النازحين في مالي وحدها أكثر من خمسة آلاف شخص فروا من بؤر القتال، ما سيعزز صفوف الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا على وجه التحديد، كما سيجعل من هؤلاء النازحين فريسة سهلة للتجنيد في صفوف الجماعات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة والمجموعات الانفصالية المسلحة.
ويتابع نور الدين "هناك دول باتت إما في حكم الدول الفاشلة بسبب الانقلابات المتكررة وانهيار الدولة المركزية منذ 2012 مثل مالي، أو في حكم البلدان التي تعاني الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية"، مردفاً أن الوضع السيئ تفاقم بسبب ظهور أزمة كورونا من جهة والتغيرات المناخية من جهة أخرى، وهي عوامل مرشحة للتفاقم على المدى المنظور في معظم دول منطقة الساحل وجوارها المباشر.
وختم أن "صراع القوى العالمية على النفوذ والمصالح الاقتصادية سيفاقم تلك المخاطر، بدليل الصراع الحالي بين فرنسا وروسيا في مالي، الذي أدى إلى إنهاء عملية برخان وطرد السفير الفرنسي وخروج مالي من مجموعة الدول الخمس المعروفة بـ(جي 5)، ما سينعكس لاحقاً على الأمن في أوروبا."