ألمح رئيس حكومة الوحدة الليبية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة إلى صعوبة تنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها الذي حدده سابقاً، في شهر يونيو (حزيران) المقبل، واقترح تنظيمها نهاية العام، متوقعاً أن تعلن أطراف سياسية كثيرة "حرباً شعواء" ضده، بعد إعلان تواريخ خريطة العملية الانتخابية المرتقبة.
وجاءت تصريحات الدبيبة في وقت يشهد صفه الداخلي انقساماً واضحاً، بعد استقالة أعضاء لجنة "عودة الأمانة" التي كلفها بوضع خريطة طريق جديدة تقود إلى عملية انتخابية آمنة، واتهامها له بعدم الرغبة في التوجه بالبلاد إلى صناديق الاقتراع.
لكن الدبيبة اتهم، في كلمة بأحد المناشط السياسية في طرابلس، مجلسي النواب والدولة بالسعي لعرقلة الانتخابات، معتبراً أن "سبب توجههما لتشكيل حكومة جديدة هو إبعاد الأنظار عن الانتخابات البرلمانية". ورأى أن "الحل في ليبيا يبدأ بإجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام، وأن نعلن عنها ونبدأ تسجيل الناخبين خلال الشهر المقبل، باعتبارها الحل الأنسب في ظل الظروف الحالية".
وطالب رئيس الحكومة الموحدة "المفوضية الوطنية العليا للانتخابات" بضرورة الوقوف مع الشعب وتمكينه من اختيار ممثليه في السلطة التشريعية، قائلاً إنه "في حال رفضت المفوضية الوقوف مع الشعب، فلا بد أن نبحث عن بديل منها".
الحكومة المتناقضة
وفي تناقض واضح وغريب مع كل ما ورد في كلمة رئيس الوزراء، قال المتحدث باسم حكومة الوحدة المؤقتة محمد حمودة، بعد ساعات من هذه الكلمة، إن "الحكومة تؤكد جاهزيتها لتنفيذ الانتخابات الشهر المقبل، كما أكدت ذلك في وقت سابق وبشكل مستمر طوال الأشهر الأخيرة". وأضاف حمودة، في بيان على مواقع التواصل، أن "الحكومة مستعدة لتوفير كل الإمكانات لإنجاح الانتخابات، سواء في ما يتعلق بالموارد المالية أو ما يرتبط بتأمين العملية الانتخابية في كل مراحلها".
وتابع، "نشدد على ضرورة تحلي جميع الأطراف السياسية بالمسؤولية والشعور بمعاناة المواطنين وتقديم التنازلات من أجل إنجاز القاعدة الدستورية للانتخابات، التي وقف عدم التوافق حولها نتيجة التركيز على المصالح الضيقة حائلاً أمام طموحات وأحلام الليبيين في اختيار ممثليهم بنزاهة وشفافية، والوصول إلى استقرار سياسي يساعد على تحقيق التنمية وبناء مستقبل أفضل لليبيين، بعيداً من الحروب وخسائر الأرواح والأموال".
تشبث بالسلطة
خطاب رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة تسبب في انتقادات كبيرة له من شخصيات سياسية بارزة، إذ قال المرشح الرئاسي سليمان البيوضي، إن "ملخص ما يفهم من خطاب الدبيبة أنه مستمر إلى أجل غير مسمى". وأضاف، "يبدو أنه سيعمل على إفشال أية انتخابات مهما كلفه ذلك، أما حديثه عن القوانين والقاعدة الدستورية والانتخابات البلدية وانتخابات التقسيط فهو من باب الكساد، ولن أقول غياب الإدراك لوجود أساس قانوني سيتم استكمال العملية الانتخابية من خلاله".
وأشار إلى أن "هناك بطئاً وتلكؤاً واضحاً، لكن الانتخابات كحل سلمي باتت أقرب الحلول أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل ملمح دولي واضح لدى الجميع (بما في ذلك السلطة التنفيذية البديلة) لواقع الانقسام والاصطفاف السياسي الذي تعيشه ليبيا حالياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقع وكيل وزارة الخارجية الأسبق، حسن الصغير، "عدم حدوث أي تغير مهم قبل حلول موعد انتهاء خريطة الطريق أو بعد تجاوزه". ورأى أن "الانتخابات مستبعدة بسبب الانقسام السياسي، واجتماعات القاهرة لم تقترب من النقاط الملغمة التي تتفجر عندها التوافقات". ونوه بأن "رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج استمر خمس سنوات في الحكم، على الرغم من أنه لم يحظَ بتنسيق كبير مع التشكيلات المسلحة بالعاصمة على غرار ما يحظى به الدبيبة حالياً، ما يتوقع معه بقاء الرجل لأمد طويل".
في السياق نفسه، رأى عضو مجلس الدولة، أحمد لنقي، أن "غياب توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية يمنع إجراء الانتخابات في الوقت الحالي". وأضاف، "توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية الضامن القوي لإجراء انتخابات تشريعية متزامنة مع انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة، كما أن تنظيم الانتخابات يتوقف كذلك على التوصل إلى توافق حول الأساس الدستوري الذي ستجرى عليه، وهو ما يفتقد اليوم على الرغم من التقدم الحاصل في هذا المجال باجتماعات القاهرة".
استقالة جماعية
احتجاجاً على تعقد الأوضاع السياسية في البلاد وصعوبة تنفيذ أي التزام يقود إلى انتخابات شاملة قدم أربعة أعضاء من لجنة "عودة الأمانة"، المكلفة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بوضع خريطة طريق سياسية جديدة للبلاد، استقالتهم بشكل جماعي. وقال الأعضاء الأربعة في نص الاستقالة إنها "أتت رداً على سيطرة (قوى انتهازية وفاسدة وشريرة)، داخلية وخارجية، متربصة بمشروع بناء الدولة، ولا تبالي بمعاناة الشعب، وهو ما حتم مواجهتها بعد أن ضربت بفسادها في كل مفاصل البلاد، ليصل الأمر حد مواجهة مسلحة في أكثر من مناسبة آخرها مع حكومة الاستقرار".
وأضاف الأعضاء أن "استقالاتهم تسعى لتصحيح المسارات والعودة للقواعد الشعبية للعمل معها، مع الأمنيات في القدرة على مساهمة أفضل في بناء دولة ليبيا المدنية الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات واحترام الحقوق والحريات، للتقدم بها نحو التقدم والازدهار مثل باقي دول العالم الحديثة".
مخاطر على وحدة البلاد
عضو اللجنة، سامي الأطرش، قال إن "هذه الاستقالات تعود إلى استمرار تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووصولها إلى نقطة باتت تشكل خطراً كبيراً على استمرار وحدة الوطن وشعبه". وبحسب الأطرش، فإن الاستقالة وقع عليها هو وفيروز عبد الرحيم النعاس وعبد الرحمن حسين قدوع وعبد الحميد الكزة، وتم تقديمها رسمياً إلى رئيس اللجنة أشرف بلها ورئيس حكومة الوحدة الوطنية.
وعلقت القيادية بحزب الجبهة الوطنية، فيروز النعاس، على استقالتها من لجنة "مبادرة إعادة الأمانة" قائلة، "عندما قبلنا العمل في اللجنة اتفقنا في لقاء مع وزير الدولة وليد اللافي على أن عملها سيكون مكثفاً لوضع حلول متكاملة للأزمة الليبية، وأننا سنقبل المشاركة في اللجنة، لكن عندما نجد أنها لن تحقق الهدف وهو الوصول للانتخابات سنعلن استقالتنا على وسائل الإعلام".
وبينت أن "الخلافات بدأت منذ بداية عمل اللجنة، إذ تمت دعوتنا بعدها بأسبوعين لجلسة مع رئيس الوزراء، ولم نكن نعلم ما دواعيها، وفوجئنا أنها كانت لتوقيع القرار، ولم يتل علينا هذا القرار، وحينما خرجنا طالبنا بنصه لنفاجأ أنه يختلف تماماً عما اتفقنا عليه".
المحلل السياسي إسماعيل السنوسي، قال إن "اللجنة التي وضعها الدبيبة أصبح واضحاً منذ مدة وجود انشقاقات فيها، ولدينا فرصة تتمثل في المسار الدستوري الذي يمثله التقارب بين مجلسي النواب والدولة، وهناك خطوات تم الاتفاق عليها في ما يخص تعديل مشروع الدستور الذي أنجزته الهيئة التأسيسية، وهذا المسار الذي انطلق في القاهرة وصل إلى مرحلة إيجابية وتوافقية بين المجلسين، وربما يتم حسم النقاط الخلافية خلال الجلسة التي حددت في يونيو المقبل".