طيلة أكثر من أربعة عقود، توخت الولايات المتحدة الحذر بشأن ملف تايوان، تاركةً موقفها ضبابياً بشأن استعدادها للتمادي في دعم الجزيرة المنشقة إن حاولت الصين السيطرة عليها عسكرياً، ولكن خلال السنوات الماضية، بدأ ذلك التوازن الدقيق والحذر بالتلاشي. وربما تكون حرب روسيا في أوكرانيا قد أطاحته كلياً.
يبدو أن الرئيس جو بايدن قد وضع جانباً عقوداً من السياسة الأميركية المدروسة بدقة عندما تعهد وبشكل لا لبس فيه بالدفاع عن الدولة الجزرية التي تضم 24 مليون نسمة في حال شنت بكين عملية عسكرية لإعادة ضم ما تعتبره أراضي منشقة إلى البر الرئيس.
كان بايدن يجيب عن أسئلة مراسل صحافي خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده في طوكيو مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في إطار الجولة الأولى التي يقوم بها في آسيا بصفته رئيساً للجمهورية. وقد سئل إن كانت الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان بالدرجة نفسها التي تدافع فيها عن أوكرانيا. وأجاب: "نعم، هذا هو التعهد الذي قطعناه على أنفسنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع بايدن بقوله إنه فيما تؤيد الولايات المتحدة عودة تايوان للانضمام إلى البر الصيني في نهاية المطاف، "إلا أن فكرة ضمها بالقوة، هكذا وبكل بساطة، غير مقبولة فحسب".
ربما كل ما في الأمر أن بايدن الميال إلى ارتكاب الهفوات المتكررة قد أخطأ القول، كما فعل حين دعا لإطاحة فلاديمير بوتين خلال زيارته لبولندا في مارس (آذار)، ولكن الرئيس أدلى بتصريحات مشابهة بشأن تايوان في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه آنذاك لم يكن على أبواب الصين. ومع أن مستشاريه تفاجأوا من تصريحاته بشأن تايوان، لم يتراجعوا عنها بشكل لا لبس فيه بعد، كما فعلوا بسرعة بشأن تصريحاته عن الزعيم الروسي. وقال أحد المسؤولين لشبكة "سي أن أن" "سياستنا لم تتغير".
من المرجح أن تكون الحرب الروسية الجارية ضد أوكرانيا قد دفعت بالأميركيين، بدءاً بالرئيس، إلى إعادة النظر في بعض قواعدهم الراسخة في البروتوكول الدبلوماسي. بعد أوكرانيا، تريد الولايات المتحدة أن توضح للقوى العالمية الأخرى بأنه لا يجب اعتبار الكلام الناعم خجلاً من استخدام القوة.
فالهدف الأساسي من الصياغة الدقيقة والحذرة لمواقف مبهمة بشأن النزاعات المجمدة مثل أوكرانيا أو تايوان هي إفساح بعض المجال للتحرك، يمكن البلدان من حل خلافاتها، وربما مد بعض الروابط التجارية والثقافية، والتوصل إلى حلول سلمية ترضي جميع الأطراف.
ولكن إن كانت البلدان ستبدأ بالاستيلاء على الأراضي، على النمط الإمبريالي السائد في القرن التاسع عشر، فلا نفع من هذه التهدئة الدقيقة، بل على العكس، قد يؤدي هذا الأسلوب إلى بعض الأذى.
من المرجح أن يكون ما لحظته موسكو من تردد في الغرب بشأن أوكرانيا قد أسهم في توصل بوتين إلى قراره الكارثي بغزو البلاد في 24 فبراير (شباط). إضافة إلى آلاف قطع السلاح التي أرسلها الغرب، أقرت الولايات المتحدة لتوها حزمة مساعدات بقيمة 40 مليار دولار (نحو 32 مليار جنيه استرليني)، وهو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لتونس، لدعم أوكرانيا في محاولتها صد الحرب الروسية.
لو عبر الغرب بقوة في السابق عن مدى استعداده للدفاع عن أوكرانيا، بدلاً من المحاولات الملتوية لتهدئة روسيا، ربما كانت حسابات بوتين لتختلف.
يشبه تاريخ تايوان إلى حد ما تاريخ أوكرانيا، هذه الأراضي التابعة للإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي بشكل متقطع، التي حاولت منذ زمن بعيد شق مسارها الخاص.
أما تايوان، المرتبطة تاريخياً ببر الصين الأساس، إنما المنفصلة عنه إلى حد ما، على مر القرون، فقد برزت أواخر أربعينيات القرن الماضي باعتبارها ديكتاتورية يمينية همجية يديرها قوميون صينيون مناهضون للشيوعية هربوا من الجيش الأحمر المنتصر التابع للرئيس ماو تسي تونغ.
إنما على غرار أوكرانيا كذلك، خرجت تايوان من عقود من الديكتاتورية لتتحول إلى ديمقراطية نابضة تحترم فيها حقوق الإنسان والحريات الفردية. في عام 2016، أي السنة نفسها التي هزم فيها دونالد ترمب هيلاري كلينتون، انتخبت تايوان لأول مرة سيدة في منصب الرئاسة، وهي أستاذة الحقوق السابقة تساي إنغ وين. ومن المذهل أن تايوان أصبحت من بين أكثر عشر دول ديمقراطية في العالم العام الماضي، وفقاً لوحدة المعلومات التابعة لمجلة "إيكونوميست".
على غرار الدفاع عن أوكرانيا الذي يعتبر تأكيداً لالتزام الغرب بمبادئ السيادة والحرية الأساسيتين، فإن الدفاع عن تايوان لا يتعلق فقط بمواجهة قوى عالمية أخرى على رقعة شطرنج عالمية، ولكن بحماية ديمقراطية مزدهرة.
في الوقت الحالي، غضبت بكين من كلام واشنطن الصريح بشأن تايوان.
وقال وانغ وينبين، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية في رد على تصريحات بايدن "في القضايا المتعلقة بسيادة الصين ووحدة أراضيها وغيرها من المصالح الجوهرية، لا مجال للتسوية. توخوا الحذر قولاً وفعلاً في قضية تايوان، و(لا) تبعثوا أي إشارة خاطئة".
على المدى البعيد، يمكن أن يسهم حديث بايدن المباشر في تبديد أي التباس داخل المؤتمر الشعبي الوطني الصيني، وفي صفوف قيادة البلاد. والدرس الذي تقدمه أوكرانيا هو أن أي غموض دبلوماسي بشأن إمكانية وكيفية استجابة واشنطن والغرب لتعرض شريك ثمين للغزو سيؤذي أكثر مما يساعد على الأرجح [أضراره تفوق حسناته المرجوة].
نشرت اندبندنت هذا المقال في 24 مايو 2022
© The Independent