صُدم الأميركيون بعد أن قام أحد المتشددين البيض بإطلاق النار وقتل عشرة أشخاص من السود في منطقة بوفالو في شمال ولاية نيويورك. وبعدها، قُتل على الأقل تسعة عشر طفلاً وراشدان على يد مسلح في الثامنة عشرة من عمره في مدرسة روب المتوسطة في منطقة أوفالدي، في ولاية تكساس.
كريس مورفي، عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كونيتيكيت، والذي أقسم اليمين لتوليه المنصب بعد عدة أسابيع على مجزرة ساندي هوك في 2012 في الولاية نفسها، يبدو وكأنه يجسد جميع مشاعر الديمقراطيين في خطاب ألقاه تحت قبة الكونغرس الأميركي.
وقال السيد مورفي، وهو السيناتور الذي أمضى أغلب وقته في المجلس محاولاً من دون طائل تمرير تشريعات تتعلق بالحد من تفلت السلاح، "ماذا ترانا فاعلين؟ أطفالنا يعيشون في خوف في كل يوم تطأ أقدامهم أرض فصولهم الدراسية لأنهم يظنون أنهم سيكونون الضحية المقبلة [لعمليات إطلاق النار في المدارس]".
في هذه الأثناء، وفي خطاب له ألقاه، ليل أمس، حض الرئيس جو بايدن بلاده على إيجاد الإرادة السياسية لبذل خطوة ما لمواجهة هذه القضية.
وقال بايدن، "بحق السماء أين عزيمتنا لنتحلى بالشجاعة للتعامل مع هذه الآفة، وأن نقف لنواجه لوبيات تجارة السلاح [في أميركا]؟ بايدن اسمياً هو أقوى رجل في العالم، وكسيناتور في تسعينيات القرن الماضي كان بايدن قد نجح في تمرير تشريع برلماني يحظر [بيع] الأسلحة التي تعتبر هجومية، ومن المدهش للغاية أن نسمعه [هذه الأيام] وهو يصدر الدعوة للتحرك من أجل الحد من الجرائم العنيفة المرتكبة بواسطة السلاح الناري، ولكن لكلامه صدى يحاكي الواقع الكئيب، إنه وعلى الرغم من منصبه في البيت الأبيض وقيادته أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ وتمتعه بدعم الرأي العام الأميركي، لا يبدو أن المشرعين من الحزب الديمقراطي يملكون العدد الكافي من الأصوات للمصادقة عملياً على مشروع قرار يسمح لهم بفعل ما يريدون بخصوص ملف الأسلحة النارية.
السيناتور تشاك شومر يخطط لطرح مشروع قرار على التصويت من شأنه تشديد إجراءات التحقيق في خلفيات الراغبين في اقتناء سلاح ناري، ولكننا نعرف مسبقاً كيفية انتهاء مثل هكذا طرح: فكل النواب التابعين للحزب الديمقراطي سيصوتون لصالح القرار- ما عدا السيناتور جو مانشين وربما أيضاً السيناتورة كريستن سينيما، وسيقوم جميع أعضاء الكونغرس الجمهوريين بالتصويت ضده. وحتى لو صوت جميع أعضاء مجلس الشيوخ الخمسين [الديمقراطيين] دعماً للتشريع، عندها سيقوم السيد مانشين والسيدة سينيما بإعاقة إدخال أي تعديلات على إجراءات (فيليباستر)filibuster [إجراءات تعطي أي سيناتور حقاً في تعطيل طرح أي مشروع للتصويت ما لم ينل 60 صوتاً من أصل 100 في الكونغرس]، وهي تعديلات تهدف للمصادقة على التشريع بتصويت 50 عضواً في مجلس الشيوخ لصالحه إضافة إلى صوت نائبة الرئيس كامالا هاريس المرجح في الكونغرس، مما يعني موت مشروع القرار [قبل رؤيته النور].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نحن نعلم ذلك لأنه كان قد وقع بالتحديد حادثة مشابهة في قضية مشروع القرار الخاص بحق الاقتراع، حتى وفيما يستمر تراجع التأييد لجو بايدن بين الناخبين السود ويواصل بالتزامن مع ذلك حكام الولايات ومجالسها التشريعية التابعين للحزب الجمهوري تمرير تشريعات يتخوف نواب الحزب الديمقراطي من أنه من شأنها أن تخنق عملية التصويت برمتها. نحن نعلم ذلك لأن الشيء نفسه قد تحقق عندما نشر موقع "بوليتيكو" Politico، مشروع رأي المحكمة العليا في وقت سابق من هذا الشهر وبدت المحكمة من خلاله وكأنها على وشك إلغاء قرارها السابق في حكم "رو ضد وايد" [الذي منح المرأة حق الإجهاض]، وفي تلك اللحظة الصادمة، قدم الديمقراطيون تصويتاً إجرائياً بحتاً على مشروع قرار من شأنه تقنين [تنظيمه وضبطه بسلسلة شروط] الحق في الإجهاض، وما كان من السيناتور مانشين إلا أن عارض التشريع الجديد في اللحظة الأخيرة وسلبه حتى الأغلبية البسيطة المؤيدة لذلك القرار.
على أعضاء الحزب الديمقراطي أن يتعاملوا مع حقيقة أنه حتى لو لديهم الأغلبية الاسمية، فإنه ليس لديهم العدد الكافي من الأصوات الذي يسمح في تغيير الواقع وفعل أي شيء يودون القيام به. فبإمكانهم أن يحشروا [مثلاً] الجمهوريين ووضعهم أمام مسؤولياتهم لمعرفة موقفهم ومدى تأييدهم من عدمه لمشروع قرار يطالب بحماية إجراءات التفتيش عن خلفيات الراغبين في اقتناء سلاح ناري، ولكن حالياً ينتمي معظم النواب التابعين للحزب الجمهوري إلى ولايات يعارض الناخبون فيها فرض أي إجراءات إضافية على عملية بيع الأسلحة النارية. والأمر نفسه يمكن قوله بخصوص مسودة قانون "حقوق التصويت" و"حق الإجهاض".
في الواقع،يعود قيام الديمقراطيين العام الماضي بإثارة الجلبة وشد حبال مع السيناتور مانشين حول مشروع قرار "بناء أميركا بشكل أفضل" Build Back Better، إلى معرفتهم المسبقة بأن الحزب الجمهوري سيقوم بإسقاط جميع المقترحات [باستخدام حق فيليباستر] التي كان يريدها الديمقراطيون. إذا وبدلاً من ذلك قاموا بحشد أكبر عدد من السياسات الممكنة في مشروع قرار واحد يمكنهم تمريره من خلال إجراءات المصالحة لتخطي مسألة ضرورة حصول التشريع على ستين صوتاً، ليعود السيناتور مانشين ويقوم بتصفية مشروع القرار بشكل تعسفي.
ومهما كان عدد الأشخاص الذين يطرحون مشروع القرار مجدداً ويسعون إلى إحيائه [استعادته]، يبدو أنه مقدر له أن يموت من جديد، فيوم الاثنين بدا السيناتور مانشين وكأنه يدرس إمكانية إعادة طرحه من جديد، لكن المؤشرات توحي بأنه قد يعيد طرحه لعدة أيام قبل أن يعود لإلغائه من جديد.
غياب القدرة على التأثير لا بد وأنه يضرب معنويات ناخبي الحزب الديمقراطي ويدفعهم للشعور بأنه لا قيمة لأصواتهم. والتوقيت هذا لا يمكن أن يكون إلا الأسوأ بالنسبة للحزب الديمقراطي الذي يواجه إمكانية خسارة أربعة مقاعد في مجلس الشيوخ [في الانتخابات النصفية المقبلة]، إضافة إلى إمكانية أن تلحق بهم هزيمة نكراء في مجلس النواب أيضاً- وذلك فيما تعم الغبطة الجمهوريين لنجاحهم العظيم في إزعاج الليبراليين أكثر من أي وقت آخر.
*نشر المقال في اندبندنت بتاريخ 26 مايو 2022
© The Independent