حين وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام كبار المسؤولين الأمنيين في مقر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بالقرب من الساحة الحمراء في العاصمة موسكو، 20 ديسمبر (كانون الأول) 1999، ليلقي على زملائه السابقين كلمة، اعتبرت لاحقاً مفصلية في مسيرة "قيصر البلاد الجديد"، كان لافتاً قوله حينها بطريقة ساخرة، "لقد تم إنجاز مهمة التسلل لأعلى مستويات الحكومة".
لم تكن تلك الكلمة التي جاءت قبل نحو أسبوعين فقط من صعود بوتين إلى رأس الكرملين، حيث كان يشغل حينها منصب رئيس الوزراء، عابرة في ذهن رجل الاستخبارات الروسية السابق، الذي طالما رأي في سقوط الاتحاد السوفياتي "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، فمهمة الرجل الرئيسة كانت تقوية الدولة لمواجهة فوضى رأسمالية ما بعد الاتحاد السوفياتي وإحلال البيروقراطية محل الشخصيات البارزة التي كانت تهيمن في السابق، لتعزيز سلطته وتثبيت حكمه.
ومن بين أدوات بوتين الرئيسة، وفق ما تقول مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، كانت طبقة ما يعرف بـ"الأوليغارشيين"، الذين بدأوا كمجموعة صغيرة من رجال الأعمال الأثرياء في عهد الرئيس بوريس يلتسين، ثم سرعان ما باتوا عشرات من البرلمانيين والعسكريين رفيعي المستوى وصحافيين بارزين وصناعيين وممولين من الصف الأول، استطاع الرئيس من خلالهم إدارة "السلطة والثورة" بعد أن شكل بهم مجموعة مستقرة ومتجانسة بشكل ملحوظ وقريبة منه شخصياً.
وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أعادت الحرب الروسية في أوكرانيا، التي انطلقت في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، هذه الطبقة التي ولدت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي إلى دائرة الضوء، وأصبحت مثار جدل دولي مع تصاعد الأزمة بين موسكو والغرب، بعد أن شدد الأوروبيون وحلفاؤهم العقوبات على عديد من هؤلاء الأفراد، الذين غالباً ما تصفهم دوائر الاستخبارات الأوروبية والأميركية ووسائل إعلامهم بـ"أصدقاء بوتين"، وعليه وبعد مرور 100 يوم من الحرب، تحاول "اندبندنت عربية" تقصي ما وصلت إليه "معركة الأوليغارشية الروسية"، مع رصد أهم العقوبات التي فرضت عليهم، ومدى تأثيرها في دورهم في المنظومة السياسية الروسية القائمة.
من هنا ظهر الأوليغارشيون
لغوياً، تعرف "الأوليغارشية"، أو الأوليغاركية وفق اللغة اليونانية، بأنها حكم الأقلية، وتشير الموسوعة البريطانية إلى أنها (مجموعة صغيرة من الأشخاص ذوى سلطات استبدادية تمارسها تلك المجموعة لأغراض فاسدة أو أنانية)، مشيرة إلى أن الأوليغارشين يمكن أن يكونوا أعضاء في طبقة اجتماعية حاكمة متفوقة أو مميزة بشكل أو بآخر عن بقية المجتمع، وهذا التميز مرده الدين أو صلات قرابتهم أو مكانتهم ووضعهم الاقتصادي أو حتى لغتهم، كما أن هذه النخب تميل إلى الحكم بما يخدم مصالحها الخاصة، وغالباً باستخدام "وسائل مشبوهة".
وعلى الرغم من تاريخ الكلمة، فإنها اكتسبت في عصرنا هذا معنى أكثر تحديداً، إذ باتت تستخدم بصورة أكثر شيوعاً للإشارة إلى مجموعة من الروس فائقي الثراء الذين برزوا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وامتلكوا قوى سياسية متفاوتة.
وفق مجلة "فوربس" الأميركية، "ظهرت طبقة الأوليغارش الروسية بين عامي 1992 و1994، عندما أنشأ الاتحاد الروسي المستقل حديثاً نظام خصخصة الأسهم، إذ تم توفير أسهم نحو 15 ألف شركة مملوكة للدولة بموجب البرنامج لصالح مشترين من القطاع الخاص"، وكان هذا "البرنامج يهدف إلى السماح للروس العاديين بشراء الأسهم، لكن بدلاً من ذلك، حصل رجال الأعمال الذين يتمتعون بعلاقات مع الدولة على حصص كبيرة من الأسهم، ما منحهم السيطرة على الشركات"، وعليه أدى البرنامج إلى امتلاك أشخاص من داخل الشركات ثلثي الأسهم المخصخصة، وفقاً لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 1999.
ونقلت المجلة الأميركية عن ستانيسلاف ماركوس، أستاذ الأعمال الدولية بجامعة ساوث كارولينا الأميركية، قوله، إن الأوليغارشية "ظهروا في الدولة الروسية عبر موجتين، تزامنت الأولى مع عملية خصخصة أكبر للشركات المملوكة للدولة بعد عام 1995، التي شابها فساد هائل، إذ جرى نقل حصص ملكية شركات روسية عاملة في قطاعات النفط والغاز والمعادن والتعدين والسكك الحديدية والنقل والمنتجات الزراعية والصناعات الأساسية الأخرى من الحكومة إلى مجموعة مختارة ومنتقاة من كبار رجال الأعمال، في مقابل قروض تهدف إلى دعم الميزانية الفيدرالية للبلاد، وعندما تخلفت الحكومة عن سداد قروضها بشكل متعمد، سمح ذلك لدائنيها، الذين أصبحوا في ما بعد أوليغارشيين، ببيع حصص الشركات العملاقة لأنفسهم بالمزاد ضمن عملية بدت فيها إدارة الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين وكأنها تثري مجموعة صغيرة من كبار رجال الأعمال من خلال بيع الأصول الأكثر قيمة في الاقتصاد السوفياتي السابق بخصم كبير أو بأسعار بخسة".
ويتابع ماركوس، "بعد وصول بوتين إلى السلطة عام 2000، عمل الرئيس الجديد على تسهيل ظهور الموجة الثانية من الأوليغارشية من خلال إبرام الدولة عقوداً مع موردين من القطاع الخاص في عديد من القطاعات المختلفة، مثل البنية التحتية والدفاع والرعاية الصحية، وتحصيل عوائد ورسوم مرتفعة الأثمان على الحكومة بأسعار تزيد على أضعاف سعر السوق، ما وفر عمولات لمسؤولي الدولة المنخرطين في هذه العقود، وعليه أثرى بوتين فئة جديدة من الأوليغارشية الذين أصبحوا يدينون له حتى الآن بثرواتهم الهائلة".
وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية، استطاع الأولغارشيون مراكمة الثروات بسرعة خلال تسعينيات القرن الماضي، بعد أن منحتهم الدولة أسهماً كبيرة في شركاتها التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفياتي، في مقابل دعم حملة بوريس يلتسين الرئاسية كجزء من خطة لإعادة الهيكلة الاقتصادية التي أجراها، المعروفة باسم "العلاج بالصدمة"، وسرعان ما تحولت الصفقة في عهد بوتين، وأصبحت تركز بالأساس على السماح لهذه النخبة بالثراء مقابل أن تبقى بعيداً من الرئيس.
وفي حين تشير المحاضرة في قسم العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، المتخصصة في الشؤون الروسية ما بعد الاتحاد السوفياتي، إليز جوليانو، إلى أن الأوليغارش هم "رجال أعمال أثرياء مؤثرون سياسياً واجتماعاً، وغالباً ما يكونون مرتبطين شخصياً بكبار القادة السياسيين في الدولة"، كتب أناتول ليفين، المؤلف والمحلل السياسي الإنجليزي، في صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية قائلاً، "على الرغم من قدرة الأوليغارش على جمع القوة والثروة الهائلة في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فإنه ومع نمو ميول بوتين الاستبدادية، صارت القوة الحقيقية (في مقابل الثروة) داخل النظام تعتمد أكثر فأكثر على الوصول الشخصي المستمر إلى الرئيس، وتقلص عدد أولئك الذين لديهم مثل هذا الوصول إلى حفنة من المقربين".
تدريجاً، برزت ثلاثة أنواع من الأوليغارشية القريبة من السلطة، أولها أصدقاء بوتين المرتبطين شخصياً بالرئيس، الذين شهدت ثرواتهم صعوداً سريعاً، وجميعهم فرضت عليهم عقوبات من الولايات المتحدة والغرب، وثانيها قادة الأجهزة الأمنية الروسية والشرطة والجيش المعروفون باسم "سيلوفيكي" (النخبة العسكرية والأمنية)، الذين استفادوا من شبكاتهم لتكديس ثروة شخصية هائلة، وبعضهم كان من أعضاء الاستخبارات السوفياتية السابقة "كي جي بي" أو عمل تحت قيادة بوتين في سانت بطرسبرج بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأخيراً العدد الأكبر من المقيمين في الخارج وتربطهم صلات متفاوتة بالمؤسسات الروسية.
وفق تقديرات "فوربس"، فإنه في عام 2001 كان لدى روسيا ثمانية مليارديرات تبلغ ثرواتهم الإجمالية 12.4 مليار دولار، وبعد عشر سنوات، كان هناك 101 مليارديراً يبلغ مجموع ثرواتهم 432.7 مليار دولار، بينما يقول روبرت بارينغتون، الأستاذ في مركز "الدراسات حول الفساد" بجامعة ساسكس البريطانية، إن الشخصيات الثرية المقربة من السلطات الروسية يضاف إليها "صف خلفي إذا صح التعبير يضم من ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص هم أيضاً أثرياء جداً وجميعهم مرتبطون ومدعومون من نظام فلاديمير بوتين"، وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي تقرير سابق، في عام 2020، لمركز الأبحاث "أتلانتيك كاونسل" الأميركي، ذكر أن الروس لديهم نحو تريليون دولار مما يطلق عليه اسم "الأموال السوداء" المخبأة في الخارج. مقدراً أن ربع هذا المبلغ يتحكم فيه الرئيس بوتين وحاشيته المقربة، وهم الأثرياء الروس المعروفون بـ"الأوليغارش"، ورجح أن هذه الأموال "تستخدم وتوجه من قبل الكرملين في أنشطة للتجسس والإرهاب والرشوة والتلاعب السياسي والتضليل وعدد من الأغراض الشائنة الأخرى".
في قلب المعركة
لم يكن دخول الأوليغارشيين الروس في قلب المعركة الدائرة بين روسيا والغرب، وشمول بعضهم بأشد العقوبات الاقتصادية التي يتم فرضها في العصر الحديث، وليد الحرب الدائرة في أوكرانيا، إذ طالما حذرهم بوتين، وفق ما تقول هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، لسنوات عدة من أنه ينبغي عليهم حماية أنفسهم من مثل هذه الإجراءات، لا سيما في ظل توتر العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، لكن بينما أخذ بعض المقربين منه بنصيحته وواصلوا الاستثمار في روسيا، احتفظ آخرون بأموالهم في شكل ممتلكات فخمة في الخارج ونوادي كرة قدم، وظلت شركاتهم مدرجة في البورصات الأجنبية.
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، فقد شملت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا ثروات نحو 900 شخص من كبار السياسيين ورجال الأعمال، إضافة إلى عدد من أصحاب الثروات المرتبطين بالرئيس بوتين. وبحسب رصد لـ"اندبندنت عربية" فقد جاءت أبرز الأسماء التي تعرضت لعقوبات من الغرب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، رجل الأعمال الروسي الأوزباكستاني علي شير عثمانوف الذي يقال إنه "أحد الأوليغارشيين المفضلين لدى بوتين"، ورامون إبراموفيتش مالك نادي تشيلسي السابق، وأحد أكثر المليارديرات الروس شهرة، وأوليغ ديريباسكا، الذي تقدر ثروته بـ3 مليارات دولار، وإيغور سيشين، صاحب الصلات الطويلة والعميقة مع بوتين، إضافة إلى كل من بيوتر أفين، الذي يصفه الاتحاد الأوروبي بأنه أحد أقرب الأوليغارشيين للرئيس، وميخائيل فريدمان، الذي يوصف بأنه يد القيصر الضاربة في الدائرة المقربة من الرئاسة، وكذلك يأتي نيكولاي توكاريف رئيس شركة "ترانسنيفت" للنفط والغاز الذي وصفه الاتحاد الأوروبي بأنه "صديق قديم" للرئيس الروسي، وإيغور تشوفالوف، رئيس مصرف التنمية الروسي، وغيرهم العشرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد علي شير عثمانوف- الذي تقدر ثروته بنحو 17.6 مليار دولار، وفق مجلة "فوربس"، وبات يخضع لعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا قال إنها "غير عادلة وتستند إلى مزاعم باطلة"- واحداً من أغنى أعضاء الأوليغارشية المحظوظين لدى بوتين، ويصفه الاتحاد الأوروبي بأنه "رجل أعمال مسؤول" يساعد الرئيس الروسي في حل مشكلات عمله. ويدير عثمانوف شركة "يو أس أم هولدينغ"، وهي تكتل ضخم ينشط في مجالي التعدين والاتصالات التي تشمل "ميغافون"، ثاني أكبر شبكة للهاتف المحمول في روسيا.
أما عن رومان أبراموفيتش، أحد أشهر الأوليغارشية الروسية في المملكة المتحدة، المالك السابق لنادي تشيلسي الإنجليزي، فتقدر ثروته بنحو 12.4 مليار دولار، وفق "فوربس"، ويرجح أنه جمعها من خلال بيع أصول كانت مملوكة سابقاً للدولة الروسية، التي حصل عليها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
ويعد حجم النفوذ الذي يتمتع به أبراموفيتش في الكرملين محل جدل كبير، حيث يشير البعض إلى أن الرئيس بوتين يتسامح معه فقط، بينما يقول آخرون، إن العلاقة أوثق بكثير من ذلك. في المقابل، دائماً ما ينفي الملياردير الروسي بشدة وجود علاقات وثيقة مع بوتين أو الكرملين، إلا أن ظهوره في إحدى جولات التفاوض السياسية بين كييف وموسكو، التي استضافتها تركيا ضمن جهود دولية لمحاولة وقف الحرب، كان مؤشراً على نفوذه في الأوساط الروسية.
وكان أبراموفيتش قد جنى أمواله في التسعينيات، كما كان أحد أعضاء الأوليغارشية الأصلية خلال رئاسة بوريس يلتسين، وأكبر مكاسبه شراء شركة النفط "سيبنفت" بسعر غير معروف.
هناك شخص آخر يعد من أبرز الأوليغارشية وهو ألكسندر ليبيديف، المصرفي والضابط السابق في الاستخبارات السوفياتية، وقد كان ابنه يفغيني مالكاً لصحيفة "إيفنينغ ستاندرد" اللندنية. ويحمل يفغيني الجنسية البريطانية، وقد عين عضواً في مجلس اللوردات.
أما عن الثري أوليغ ديريباسكا، الذي تقدر ثروته بثلاثة مليارات دولار، وفق "فوربس"، فقد شق طريقه نحو الثروة في تسعينيات القرن الماضي، حيث صعد إلى القمة في معركة شرسة في مجال صناعة الألمنيوم، وقد وصفه تقرير "مولر"، وهو تحقيق أميركي في الجهود الروسية للتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، بأنه "متحالف بشكل وثيق" مع الرئيس بوتين، وقد وصف العقوبات الغربية الموقعة عليه أخيراً بأنها "بلا أساس من الصحة، ومثيرة للسخرية، وعبثية".
أما إيغور سيشين، صاحب الصلات الطويلة والعميقة مع بوتين، فيمتلك ثروة غير معروفة الحجم، وفي معرض فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضده في أواخر فبراير (شباط) الماضي، قال إنه "أحد مستشاري بوتين الأكثر ثقة وقرباً، إضافة إلى أنه صديق شخصي، ويُعتقد أن الاثنين على اتصال يومي". وقد وصل إلى وضعه هذا من خلال إبعاد المعارضين بلا رحمة، ولقبه في الصحافة الروسية هو "دارث فيدر". ووصفته برقية مسربة من السفارة الأميركية عام 2008 بأنه "غامض للغاية لدرجة القول إنه قد لا يكون موجوداً بالفعل، لكنه وحش اخترعه الكرملين لبث الخوف".
قضى سيشين حياته المهنية بالتناوب بين الوظائف في مجالي السياسة والتجارة، وفي بعض الأحيان شغل وظائف عليا في المجالين في الوقت نفسه. وعندما كان بوتين رئيساً للوزراء، كان هو نائباً له، ويدير الآن شركة النفط الحكومية العملاقة "روسنفت". كما عمل سيشين مع بوتين في مكتب رئيس البلدية في سان بطرسبرج في التسعينيات، ويعتقد على نطاق واسع أنه كان يعمل في جهاز الاستخبارات المرهوب للغاية "كي جي بي"، على الرغم من أنه لم يعترف بذلك علناً.
كذلك، يأتي أليكسي ميلر، صديق بوتين القديم، ونظراً إلى كونه رجلاً غير واضح، فقد بنى أيضاً حياته المهنية على الولاء للرئيس بداية من تولي منصب نائب بوتين في لجنة العلاقات الخارجية بمكتب رئيس بلدية سانت بطرسبرغ في التسعينيات.
يدير ميلر، غير المعروف حجم ثروته، شركة الغاز الضخمة المملوكة للدولة "غازبروم" منذ عام 2001، وكان تعيينه مفاجئاً، ويعتقد على نطاق واسع أنه ينفذ أوامر رئيسه القديم. ووصف سفير الولايات المتحدة في موسكو عام 2009 شركة "غازبروم" بأنها "غير فعالة، وذات أغراض سياسية، وفاسدة". لم يعاقب ميلر بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014، لكن عندما أضيف إلى القائمة الأميركية في 2018، قال إنه فخور بذلك. وأضاف، "عندما لم يتم إدراجي في القائمة الأولى كانت لدي بعض الشكوك، فربما يكون هناك خطأ ما، لكن تم تضميني أخيراً، وهذا يعني أننا نفعل كل شيء بشكل صحيح".
أما عن بيوتر أفين وميخائيل فريدمان، اللذين تقدر ثروتاهما معاً بأكثر من 17 مليار دولار، فيصف الاتحاد الأوروبي الأول، بأنه أحد أقرب الأوليغارشيين للرئيس بوتين، بينما يقول عن فريدمان، إنه يد بوتين الضاربة في الدائرة المقربة من الرئيس. وقد أنشأ الرجلان معاً "ألفا بنك" وهو أكبر بنك خاص في روسيا. وقال تقرير "مولر"، إن أفين يلتقي بوتين في الكرملين نحو 4 مرات في السنة، مشيراً إلى أنه "يفهم أي اقتراحات أو انتقادات يوجهها الرئيس خلال هذه الاجتماعات باعتبارها توجيهات ضمنية، وستكون هناك عواقب على أفين إذا لم ينفذها". وبعد فرض عقوبات أوروبية عليهم جراء الحرب في أوكرانيا، قال الرجلان "إنهما سيطعنان بقوة في المزاعم التي لا أساس لها لفرض تلك العقوبات، وبكل الوسائل المتاحة لهما".
هل ينتهي الأوليغارشيون؟
على وقع توسيع موجة العقوبات الغربية القاسية التي طالت عديداً من أعضاء الأوليغارشيين الروس، وشملت أوامر بمصادرة الممتلكات وتجميد الأصول وحظر السفر على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا بهدف "وقف تمويل أدوات حرب النظام الروسي" وفق تبريرات المسؤولين في الغرب، تتباين آراء المعنيين والمراقبين في شأن تداعيات تلك العقوبات على هذه الطبقة، ومدى تأثيرها في علاقتها بالنظام الروسي.
بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فـ"بعد موجات العقوبات الغربية عليهم بدأ الأوليغارش الروس يشعرون بالقلق حيال الخسائر الاقتصادية التي تكبدوها، حتى وإن كانت أغلب استطلاعات الرأي تشير إلى وجود دعم شعبي ساحق لحملة بوتين على أوكرانيا". وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادر لم تسمها، أن بعض رجال الأعمال الروس الأثرياء أثاروا خلال لقاء جمعهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كيف أن الحرب وتداعياتها "دمرت ما تم بناؤه على مدى سنوات".
من جانبه، ووفق ستيف هول، رئيس العمليات الروسية السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية، "سي آي إيه"، "بات أغلب الأوليغارشيين القريبين من بوتين في موقف صعب لتأثرهم اقتصادياً جراء العقوبات التي طالتهم"، موضحاً، وفق ما نقلت عنه شبكة "سي أن أن" الأميركية، أنه "على الرغم من أن عدد الدول التي يمكن اعتبارها ملاذات آمنة للنخبة الروسية قد تضاءل، فإنه لا يزال أمام هؤلاء المقربين من بوتين خيارات كثيرة لإخفاء أصولهم المنقولة، والإفلات من العقوبات". وأضاف، "في ظل موجة التضخم العالمية وارتفاع الأسعار حول العالم، وتأزم الاقتصادات ستكون هناك دائماً دول ومؤسسات مالية للترحيب بثرواتهم".
وفي أبريل (نيسان) الماضي، ذكرت وكالة "رويترز" أن فريق المحققين من وزارة العدل الأميركية وجدوا أدلة على أن الأوليغارشيين الروس يحاولون التهرب من العقوبات المفروضة على بلادهم، وفي بعض الحالات حاول الأوليغارشيون الذين لم تفرض عليهم بعد عقوبات نقل الأصول تحسباً لعقوبات مستقبلية محتملة"، لكن "حتى في أثناء محاولتهم إخفاء اليخوت أو الطائرات أو غيرها من الممتلكات المحمولة في البلدان التي يعتقدون أنها سرية، فإنهم يواجهون مستوى مرتفعاً من التعاون الدولي لتتبع المكاسب غير المشروعة من النخب الروسية".
وتابعت "رويترز" أنه "على الرغم من فرض الولايات المتحدة وحلفائها جولات عدة من العقوبات التي تستهدف الرئيس الروسي، وعديد من أصدقائه الأثرياء، وعشرات من الشركات والوكالات الحكومية الروسية، فإن تعقب أصول الأوليغارشية غالباً ما يكون صعباً لأنها مخبأة وراء طبقات من الشركات الوهمية المنتشرة في جميع أنحاء العالم".