ما إن أصدر قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في الـ 29 من مايو (أيار) قرار إلغاء أمر الطوارئ بعد أكثر من سبعة أشهر من تطبيقه على إثر انقلابه على الحكم المدني الانتقالي في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بحجة عدم التوافق السياسي بين المكونات السياسية، حتى بدأ الحديث والنقاش بشكل مستفيض في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات العامة والخاصة حول مدى الفرص المتاحة لعودة الديمقراطية من جديد، وما الآليات التي ستقود لذلك، وما العقبات التي تحول دون ذلك؟
مطالب الحوار
وقال رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي في حزب "الأمة" القومي السوداني إمام الحلو، "يمثل رفع حال الطوارئ أحد مطالب تهيئة الحوار السوداني - السوداني حتى يدخل جميع الأطراف في حوار مباشر، وكان إعلان الطوارئ نكسة أصابت الشعب السوداني في مقتل لما سببته من ضرر بالغ وصل إلى قتل قرابة 100 متظاهر سلمي نتيجة العنف المفرط باستخدام الرصاص الحي، فنحن كقوى سياسية دعاة حوار، وحتى يكون هذا الحوار مجدياً وضعنا خمسة شروط له هي إلغاء حال الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين ووقف العنف ضد المتظاهرين السلميين والتحقيق الشفاف في جرائم القتل التي حدثت خلال التظاهرات منذ الـ 25 من أكتوبر، ومحاكمة المدانين في جرائم القتل والعنف، ومن بعد ذلك الدخول في المفاوضات بين المكونين المدني والعسكري لحل الأزمة السياسية التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار".
وأضاف الحلو، "في تقديري أن هذه الخطوة ستفتح الباب للشروع في تنفيذ بقية المطالب من أجل تسريع عملية الحوار بين المكونين المدني والعسكري، وبالتالي يبقى على السلطة العسكرية العمل على إكمال باقي الإجراءات المطلوبة لتهيئة الأجواء الكاملة للحوار، بخاصة وأن معظم القوى السياسية مائلة للحوار من أجل استعادة الشرعية الدستورية التي انقض عليها انقلاب البرهان، وإنهاء الفترة الانتقالية بسلام وصولاً إلى حكومة مدنية منتخبة بشكل مباشر من قبل الشعب".
ورأى أن الأيام ستثبت مدى جدية العسكر ونياتهم تجاه بسط الحريات من خلال إلغاء حال الطوارئ فعلاً وعملاً، إذ إن الحراك الجماهيري لن يتوقف حتى يشرع الانقلابيون في تسريع خطواتهم تجاه مدنية الدولة بشكل كامل، لكن إذا استمرت عمليات العنف والقتل فمن المؤكد أن دعاة الحريات، وهم معظم الشعب السوداني، سيتجهون إلى خيارات أخرى، مؤكداً أن انقلاب الـ 25 من أكتوبر وصل إلى نهاياته، فلم يحقق شيئاً يذكر لمصلحة المواطن بل أدخله في نفق مظلم وعزلة خارجية زادت معاناته الاقتصادية لدرجة يصعب وصفها، ناهيك عن انتشار الجريمة بشكل مقلق في وضح النهار وأمام مرأى ومسمع السلطة العسكرية.
وبيّن رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي في حزب "الأمة" القومي أن قرار رفع الطوارئ لم يكن نتيجة قناعة من قبل العسكريين، بل جاء نتيجة ضغوط داخلية وخارجية، وأجبرت المواجهات والاحتجاجات التي قادها الشارع أكثر من سبعة أشهر متواصلة المجتمع الدولي على الضغط على منفذي الانقلاب بضرورة الرجوع لصوابهم بإنهائه، موضحاً أن الأحزاب السياسية السودانية التي ناهضت هذا الانقلاب توصلت إلى اتفاق ورؤية واحدة تجاه الحل السلمي واستعادة السلطة المدنية حتى لا يفرض على البلاد قرار من خارج الإرادة، مما يعقد الأزمة السياسية ويدخل الوطن في مستنقع يصعب الخروج منه.
مجرد أقوال
في السياق، قال المتحدث الرسمي باسم حزب "المؤتمر" السوداني نور الدين بابكر إن "الطوارئ هو في الأساس قانون استثنائي ديكتاتوري يهدف إلى البطش وتقييد الحريات، وفي اعتقادنا أن عودة الوضع الطبيعي إلى ما قبل انقلاب الـ 25 من أكتوبر لم يحدث بعد، فما زال قرار رفع الطوارئ مجرد أقوال ولا بد من أن تتبعه أفعال على أرض الواقع، وذلك بعدم بطش المواكب ووقف الاعتقالات وإتاحة الحريات كاملة، لكن بشكل عام هي خطوة (رفع الطوارئ) مهمة يجب أن تتبعها خطوات على الأرض".
وتابع بابكر، "لا أعتقد أننا محتاجون إلى اختبار مدى جدية العسكريين تجاه عودة الديمقراطية، فهم أصلاً اتخذوا هذه الخطوة مرغمين لا مقتنعين، فما زال لدى العسكريين الرغبة في الانفراد بالسلطة، فكل أقوالهم التي كانوا يطلقونها في المناسبات المختلفة ويؤكدون فيها أنهم زاهدون في السلطة كانت مجرد مناورات، والدليل على ذلك الانتهاكات الوحشية التي ارتكبوها ضد المتظاهرين السلميين، لذلك فإن إجراءاتهم الأخيرة بإعلان رفع حال الطوارئ وإطلاق عدد من المعتقلين جاءت نتيجة نضالات الشعب وليس بإرادتهم". ولفت إلى أن اتجاه العسكر نحو رفع الطوارئ هو تأكيد على فشل انقلابهم، وقد لعبت قوى الحرية والتغيير دوراً كبيراً في ذلك من خلال التواصل مع المجتمع الدولي الذي اتخذ اجراءات مشددة أسهمت في عزلته خارجياً وتضييق الخناق عليه من كل الاتجاهات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح المتحدث الرسمي باسم حزب "المؤتمر" السوداني أيضاً أنه "نتيجة هذه الضغوط والوضع المتردي بدأت محاولات العسكر في خلق انفراج سياسي، لكن صدقيتهم ستنكشف قريباً مع أول موكب يخرج إلى الشارع، وعموماً فالعودة للانتقال الديمقراطي مرهونة بإنهاء الانقلاب من خلال إلغاء كل ما هو مقيد للحريات، بخاصة حصانات جهاز الأمن التي تتيح له ممارسة كل أنواع البطش من دون مساءلة قانونية، فضلاً عن شطب البلاغات الكيدية ضد الناشطين وشباب لجان المقاومة، ولا بد من أن يعلم الجميع أن الضامن الوحيد للاستقرار السياسي في البلاد هو ابتعاد العسكر من المشهد كلياً".
رسالة للخارج
في المقابل، أشار القيادي في حركة "الإصلاح الآن" (إحدى مكونات التيارات الإسلامية) أسامة توفيق إلى أن "رفع حال الطوارئ لن تقدم ولن تضيف شيئاً على الوضع الراهن، فما زالت السلطة في يد العسكر، وبالتالي فلن يتوقف العنف، وبحسب قراءتي فإن أي تظاهرة أو وضع متاريس (أحجار) لإغلاق الشوارع والطرقات سيواجه بالعنف، ومعلوم أن المواكب الاحتجاجية التي تخرج إلى الشارع من حين لآخر القصد منها استفزاز قوات الأمن".
وتابع توفيق، "رفع حال الطوارئ رسالة إلى الخارج أكثر منها للداخل، فالغرب يريد دولة وسلطة قوية في السودان، لكن هناك موانع وعوائق تحول دون دعمه أي سلطة، مثل تطبيق الطوارئ وممارسة الاعتقالات التعسفية وغيرها من الانتهاكات". ونوه إلى أن القوى المدنية الحزبية هي الأكثر حرصاً على وجود العسكر في السلطة، لأن الأخير ربط عودته لثكناته بشرطين، الأول إحداث توافق سياسي شامل، والثاني إقامة انتخابات عامة، وقد رفضت هذه القوى المدنية هذين الشرطين لأنها غير جاهزة للانتخابات وغير قادرة على إحداث اختراق في شأن التوافق السياسي الشامل.
وأكد القيادي في حركة "الإصلاح الآن" أن التظاهرات أصبحت غير مؤثرة لقلة حجمها، والمخرج لعودة الديمقراطية يكون عبر الانتخابات، وأي قوى سياسية ترفض صندوق الانتخابات تغامر بمستقبلها السياسي، مما يعني أنه ليس لديها ثقل جماهيري.