بينما كانت أماني الليبيين معلقة على نجاح الاجتماع المخصص لمناقشة الموازنة الجديدة لحكومة فتحي باشاغا في سرت، بحضور ممثلين للمؤسسات التشريعية والتنفيذية والرقابية والاقتصادية، وتخفيف وطأة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، جاءت النتائج مخيبة للآمال، إذ تغيّب نصف المدعوين، ما عمق من فرقة الأطراف.
أول الغائبين عن حضور الاجتماع وأبرزهم، كان محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، الذي عزز شائعات اصطفافه مع معسكر رئيس الحكومة الموحدة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، والتكهنات باقتراب البلاد من انقسام مشابه لذلك الذي عاشته قبل اتفاق جنيف عام 2020.
مناقشة الموازنة
وقال الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق إن "اجتماع سرت الذي ضم المؤسسات التشريعية والتنفيذية والرقابية والمالية ناقش مشروع الموازنة وتعديله قبل بتّه من مجلس النواب خلال الأيام المقبلة"، وأضاف أنه "تم التأكيد للنائب العام على ضرورة اتخاذ إجراءات والتحقيق مع المتجاوزين في قضايا فساد أو إهدار المال العام أو إساءة استخدام السلطة، واتفق الحضور على دعم المؤسسة الوطنية للنفط وتوفير حاجاتها".
وأشادت الحكومة الليبية الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، في بيان، بـ"اجتماع سرت برعاية رئاسة مجلس النواب والحكومة الليبية والسلطات المالية والرقابية، الذي شدد على ضرورة امتثال السلطات المالية والرقابية التابعة لمجلس النواب لشرعية قرارات السلطة التشريعية وإنفاذ قراراتها وتنفيذ قوانينها الملزمة"، وأشارت إلى أنه "تم الاتفاق على ضرورة تقيّد جميع السلطات المالية والرقابية والقضائية بتشريعات وقرارات مجلس النواب بصفته التشريعية، وفقاً للقواعد الدستورية النافذة"، وقالت إن "المجتمعين اتفقوا على ضرورة الاهتمام بقطاع الطاقة والرفع من بنيته التحتية، بما يكفل زيادة الإنتاج واستئناف تصدير النفط وفق ضوابط قانونية وموضوعية، تضمن عدم إهدار العوائد النفطية أو استغلالها سياسياً، مع التشديد على إعمال مبادئ الشفافية والإفصاح بشأن الإيرادات النفطية وسبل صرفها، في ما يخدم الصالح العام للدولة والمواطن".
غيابات مثيرة للأسئلة
وشهد الاجتماع غيابات بارزة أثارت أسئلة كثيرة، فإضافة إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، اعتذر رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله عن حضور الاجتماع الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بحضور النائب الأول لرئيس البرلمان فوزي النويري ورئيس وأعضاء لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة بمجلس النواب.
ويتوقع أن يشعل رفض محافظ المصرف المركزي بالتحديد أزمة كبيرة قد تعرقل صرف الموازنة العامة للحكومة الجديدة، وتعيد البلاد إلى المربع القديم بوجود مصرفين مركزيين، خصوصاً أن محافظ المصرف الموازي في بنغازي علي الحبري، كان في مقدمة الحضور باجتماع سرت.
الأزمة المنتظرة بين البرلمان ورئيس المصرف المركزي بدأت فور انتهاء اجتماع سرت، فشنّ عقيلة صالح هجوماً شديداً عليه، قال فيه إن "المصرف المركزي يجب أن يُدار من قبل مجلس الإدارة وليس من المحافظ وحده، وما يقوم به الصديق الكبير يعتبر مخالفاً للقانون"، وأردف أن "ما يفعله الكبير قد يصل إلى جريمة إساءة استغلال السلطة واغتصابها ويجب التحقيق فيها، والأجهزة الرقابية تابعة لمجلس النواب ورؤساؤها غير الملتزمين قوانين المجلس يُعتبرون فاقدين لصفتهم".
ضد المصلحة العامة
ورأى المرشح الرئاسي السابق فضيل الأمين أن "غياب رئيس المصرف المركزي وديوان المحاسبة ومؤسسة النفط عن الاجتماع الذي دعا إليه مجلس النواب ليس في صالح ليبيا ولا في صالح الآلية المالية التي يقترحها البعض"، وخلص إلى أنه "لا يمكن الاستمرار في الاختباء خلف الأطراف الدولية. كنت أتمنى حضورهم وتحملهم المسؤولية الوطنية".
بينما انتقد عضو الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور سالم كشلاف كلمة عقيلة صالح خلال اجتماع سرت، قائلاً إن "صالح يريد أن يوهم الليبيين بأنه المتحكم في رسم العملية الدستورية والسياسية والاقتصادية، عكس الحقيقة تماماً".
انتقادات لحكومة الدبيبة
وشن رئيس مجلس النواب هجوماً آخر خلال كلمته التي افتتح بها اجتماع سرت، على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، متهماً إياها بأنها "صرفت 120 مليار دينار (25 مليار دولار) منذ انتهاء ولايتها في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، الموعد الذي كان مقرراً أن يشهد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرى تعليقها لأسباب قاهرة"، محملاً "مصرف ليبيا المركزي مسؤولية الحفاظ على أموال الليبيين".
وتساءل صالح، "أين ذهب مبلغ يتجاوز 120 مليار دينار صرفته حكومة السيد عبد الحميد الدبيبة، بخاصة بعد انتهاء ولايته في 24 ديسمبر 2021؟ وما معنى الترتيبات المالية؟ وما سندها من القانون؟ وما قمتم به حيالها؟".
واعتبر أن "صرف الأموال من الحكومة أو المصرف المركزي من دون موازنة معتمدة وبغير إذن من السلطة التشريعية يوضح لنا ما قمتم به من إجراءات بهذا الشأن لعرضها على مجلس النواب ولكي يعلمها الشعب الليبي".
باشاغا يساند صالح
أما باشاغا، فقال إن "ليبيا عانت طيلة الأعوام الماضية من آفة الانقسام السياسي والمؤسسي، وتفشي الفساد المالي والإداري في البلاد بسبب بقائها من دون موازنة معتمدة من السلطة التشريعية لسنوات عدة، وعدم التقيد برقابة السلطة التشريعية في بنود وأصول صرف الأموال العامة".
وأضاف أن "مشروع الموازنة المقترح من حكومته سيضمن توزيعاً عادلاً ومباشراً للموازنات المعتمدة للمجالس البلدية، للمساهمة والمشاركة مع الإدارة المركزية في النهضة بالدولة، والرفع من مستوى الخدمات التي تقدمها إلى المواطن الليبي في كل مكان، من دون أي مفاضلة أو تمييز بين الليبيين".
ومنح رئيس مجلس النواب، الضوء الأخضر رسمياً للحكومة الجديدة لمباشرة مهماتها من سرت، مشدداً على أن "خيار الاقتتال لم يعُد مقبولاً، وهو ما يدفع الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا إلى ممارسة أعمالها من سرت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "أمامنا أمران بعد رفض تسليم الحكومة المنتهية ولايتها مقارها، إما الاقتتال أو التسليم للمجموعات المسلحة المسيطرة على العاصمة، فتفقد الحكومة إرادتها"، معتبراً أن "رفض الحكومة المنتهية ولايتها تسليم مقارها وراءه أهداف أخطر، وهي استمرار الفوضى وتغول الفساد وعدم احترام مبدأ التداول السلمي للسلطة"، ورأى أن "عدم التداول السلمي للسلطة انتهاك للقانون، ويصبح هؤلاء معاول هدم داعمين للفساد والاختلاف، ويجب محاسبتهم وهو ما سيحدث، طال الزمن أو قصر".
الدبيبة يرد الهجوم
من جهتها، رفضت حكومة الوحدة تصريحات رئيس مجلس النواب التي اعتبرتها "دعوة لدخول طرابلس بالقتال والحرب"، في بيان للمتحدث باسم الحكومة محمد حمودة مضيفاً، "الحكومة تطمئن كل المواطنين الليبيين بأنها لن تسمح لأي طرف باستخدام القوة أو العنف من أجل الفوضى وتنفيذ الأجندات السياسية الخاصة وفرضها بالقوة"، وحذر من "مساعي بعض الأطراف لسحب أموال من إيداعات المواطنين في المصارف التجارية يُخشى أن تستخدم لتمويل الحروب".