يتجدد الجدل في تونس كل عام مع دخول فصل الصيف بشأن منع المحجبات اللائي يرتدين "البوركيني" من السباحة، خصوصاً عندما تكون المسابح تابعة لبعض النزل السياحية.
"البوركيني" نوع من ملابس السباحة، عبارة عن بذلة تغطي الجسم كاملاً ما عدا الوجه واليدين والقدمين، وهو مطاطي بما يكفي للمساعدة في الحركة داخل المياه، ولاقى رواجاً كبيراً لدى مسلمات العالم لما له من خصائص تجمع بين الجمالية ومواكبة الموضة، لكن كل هذا لم يشفع للمحجبات في تونس أن يدخلن به إلى بعض مسابح النزل السياحية.
هذا المنع أثار حفيظة بعض الحقوقيين والنسويات، ففي حين يراه البعض ضرورياً لفرض قواعد النظافة، تركت الجامعة التونسية للنزل والفنادق والمسابح حرية التصرف الداخلي.
حريات شخصية
الشابة التونسية مريم قالت إنها قبل ذهابها إلى أي نزل تتثبت من موقعهم الرسمي أو عبر التواصل المباشر من السماح لها بارتداء "البوركيني". أضافت أنها منعت من النزول إلى المسبح قبل عامين وشعرت بإحراج كبير أمام السياح وأمام أصدقائها، ما جعلها تشعر بالغضب الشديد وتغادر المكان بعد أن نشب خصام بين العاملين في النزل وبينها.
وتواصل مريم حديثها "حقيقة لا أفهم كيف يمنعوننا من السباحة بحجة أن لباسنا الطويل ونوعية القماش لا يتلاءمان وقواعد النظافة، في حين أن القماش ذاته الذي يخاط منه لباس غير المحجبات تخاط منه بعض ملابس السباحة الأخرى لغيرهن".
وتعتقد مريم أن "النزل التونسية يهمها النزيل الأجنبي أكثر من التونسي، فهي تخاف على مشاعرهم وتحاول إرضاءهم حتى على كرامة أصحاب البلد".
حرية وقانون
من جانبها، دعت بثينة أصحاب النزل إلى احترام الحرية الشخصية لكل فرد، مضيفة أنه "على الرغم من أنني أسبح بالبيكيني، لكن أحترم أختي التي تسبح معي وفي المكان ذاته بالبوركيني لأنها محجبة".
أما سندرا، فترى عكس هذا تماماً، وتقول إن "على كل شخص التزام قواعد النظافة التي يضعها النزل"، معتبرة أن "البوركيني" نظراً إلى طول قماشه قد يجلب معه الأوساخ ورمال الشواطئ، التي عادة ما تكون قريبة من النزل، كما أن هذا لا علاقة له بالتمييز ضد المحجبات، بل هو نوع من أنواع القانون الداخلي، وتستغرب إثارة هذا الموضوع مع كل موسم صيف.
احترام الاختلاف
وفي هذا الصدد، استنكرت الممثلة وعارضة الأزياء التونسية عزة سليماني، إقدام أصحاب بعض النزل على منع المحجبات من ارتداء "البوركيني" في المسابح الخاصة بهم.
وقالت عبر حسابها في موقع "إنستغرام"، إنه من غير المعقول منع "البوركيني" والمحجبات من السباحة مقابل السماح بـ"البيكيني"، وترى أن اللباس حرية شخصية طالما أن كل شخص ملتزم قواعد النظافة في المسابح.
واستغربت سليماني بعض المبررات التي تعطى لمنع المحجبات من السباحة، مثل أنهن لا يلتزمن قواعد النظافة ويعمدن إلى السباحة بملابس طويلة تحمل الأوساخ ورمال الشواطئ، ودعت الممثلة الشابة إلى ضرورة احترام الاختلاف وحرية اللباس.
لا قانون للمنع
ومن جهتها، تعتقد الصحافية والنسوية نعيمة الشرميطي، أنه لا يوجد قانون يمنع "البوركيني" في حمامات السباحة، معتبرة أن منعه من طرف بعض النزل السياحية نوعاً من التمييز ضد المحجبات.
وربطت الشرميطي ما يحصل في تونس بالجدل الحاصل في فرنسا، بعد تصريح مارين لوبن ضد لباس المحجبات في البحر وسماح محكمة غرونوبل لهن بالسباحة بـ"البوركيني" على الرغم من محاولة متضايقتهن.
يذكر أن وزير الداخلية الفرنسي أعرب قبل أيام عن سعيه لمنع ارتداء "البوركيني"، عقب إصدار مدينة غرونوبل قراراً يسمح للنساء بارتدائه في المسابح البلدية.
ويثير لباس "البوركيني"، الذي ترتديه بعض النساء المسلمات لتغطية أجسادهن وشعرهن أثناء السباحة، جدلاً كبيراً في فرنسا، حيث كان أحد محاور الحملة الانتخابية الرئاسية الماضية.
ومن الجانب الجمالي، ترى الشرميطي باعتبارها متخصصة في صحافة الموضة أن "صناع الموضة في العالم يشتغلون على البوركيني كما يشتغلون على البيكيني، وأن النساء المحجبات في تونس والعالم العربي يحرصن على ارتداء آخر الصيحات ليظهرن جميلات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرية التصرف الداخلي
لمعرفة رأي جامعة النزل في منع بعض النزل لمرتديات "البوركيني" من السباحة، أكدت الجامعة في تصريح خاص أن كل فندق له حرية التصرف الداخلي، وله بالتالي كامل الصلاحيات لتحديد مقاييس قبول النزلاء.
وتعتبر الجامعة أن أصحاب الفنادق لهم الحق في فرض شروط يعلمها النزيل قبل الحجز لإقامته، من ذلك أن بعض الفنادق لا تقبل إقامة الأطفال دون سن الـ16، فيما يفضل البعض الآخر عدم قبول غير المتزوجين، وذلك وفقاً لمقاييس محددة مسبقاً كما هو معمول به في جميع أنحاء العالم.
وجددت الجامعة التونسية للنزل ترحيبها بجميع النزلاء التونسيين والعرب والأجانب، خصوصاً بعد اتهام النزل بترحيبها بالنزيل الأوروبي على حساب التونسي.
غير قانوني
يرى ناشطون أن منع بعض النزل لباس المحجبات قرار غير دستوري وغير قانوني، معتبرين إياه يمس بالحرية الخاصة للمواطنين والسياح الأجانب، إضافة إلى أن فيه تمييزاً يمارس مع مواطنات تونسيات، وسائحات من بلدان عربية، خصوصاً من الجنسيتين الجزائرية والليبية.
وفي هذا السياق وخلال عام 2018، سبق أن أثير هذا الموضوع في تونس قبل أن يتدخل البرلمان، الذي كان يحكمه الإسلاميون، وراسل وزيرة السياحة آنذاك سلمى اللومي بمساءلتها حول الموضوع، فأجابت أنه من "حق التونسيات المحجبات السباحة بالنزل من دون إزعاج، ومن دون تقييدهن بلباس محدد".