منذ أيام صدر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أعلنت فيه أن إيران تقترب من صنع أسلحة نووية، وأن طهران لم ترد على أسئلة الوكالة بشأن مصدر آثار يورانيوم عثر عليها بثلاثة مواقع غير معلنة، كما زاد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 18 ضعف الكمية المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة. هنا يطرح التساؤل حول مدى تأثير تقارير الوكالة، لا سيما مع تنديد إيران بالتقرير، واعتباره عقبة في طريق الوصول لاتفاق، وهل هناك فرص للوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران؟
من المعروف أن انتهاكات إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي بدأت بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منه في 2018 وإعادة تطبيق العقوبات، فتخلت طهران عن بعض التزاماتها، وبررت انتهاكاتها بأنها تأتي رداً على تصرفات الأطراف الأخرى، فبدأت في زيادة تخصيب اليورانيوم إلى المستويات التي قيل إنها تضعها في غضون بضعة أشهر قريبة من تصنيع سلاح نووي، حيث تجاوزت الحدود المتفق عليها لمخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب في عام 2019، وبدأت في التخصيب إلى تركيزات أعلى، كما بدأت في تطوير أجهزة طرد مركزي جديدة لتسريع تخصيب اليورانيوم، واستئناف إنتاج الماء الثقيل في منشأة أراك، وتخصيب اليورانيوم في فوردو.
من جهة أخرى، أعلنت إيران قيوداً على قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تفتيش منشآتها، وبعد فترة وجيزة أنهت اتفاقية المراقبة مع الوكالة تماماً، ووافق البرلمان الإيراني، الذي يسيطر عليه المتشددون، على مشروع قانون من شأنه تعليق جزء من عمليات التفتيش، التي تقوم بها الأمم المتحدة لمنشآتها النووية، إذا لم يقدم الموقعون الأوروبيون إعفاء من العقوبات المفروضة على النفط والمصارف. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران انتهكت اتفاقية الضمانات الخاصة بها من خلال امتلاك ومعالجة معدن اليورانيوم.
عكس عدم وجود متابعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعوبة التعامل، بخاصة مع عدم تعاون إيران وإخفاء الإجراءات المتعلقة ببرنامج الأسلحة النووية، وأصبحت هذه هي المشكلة المستمرة في الظهور بين الوكالة وإيران حتى التقرير الأخير.
فقد منعت إيران دخول المفتشين لموقع تجميع أجهزة الطرد المركزي في كرج، بعد عدة أشهر من حادثة التخريب في المنشأة، والذي ألقت طهران باللوم فيه على إسرائيل. كما حاول مفتشو الوكالة استبدال وإصلاح الكاميرات بالموقع كجزء من صفقة أبرمت في وقت سابق مع طهران، لكن كشف تقرير سري للوكالة قال إن إحدى كاميرات المراقبة قد دمرت، وإن الثانية تعرضت لأضرار بالغة بعد إزالتها من موقع تصنيع أجهزة الطرد المركزي، وبعد أيام اعترفت إيران بأنها أزالت كاميرات عدة تابعة للوكالة من الموقع.
التقرير الأخير لم يأت بجديد في ما يخص تأكيده على استمرار إيران في انتهاكاتها للاتفاق النووي، لكن توقيت صدوره قبيل اجتماع مجلس محافظي الوكالة قد يكون مهماً، ومن المتوقع، مثل كل مرة، أن تبدي طهران بعض المرونة تجاه الوكالة، سواء من خلال لقاء مديرها، أو إعطاء وعود بالتعاون مع مفتشيها، أو تقديم إجابات حول القضايا المتعلقة بالمواقع غير المعلنة، أو أن تجري لقاءات مع مسؤولين غربيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كل ما سبق صور للمرونة التي تبديها إيران في كل مرة يقترب مجلس محافظي الوكالة من الاجتماع، حيث تحاول تجنب صدور تقرير يصدق عليه المجلس يدين تجاوزها لالتزاماتها في الاتفاق، ومن ثم إرساله لمجلس الأمن. ومن ثم اعتادت الوكالة إصدار التقرير الذي يقر بانتهاكات طهران، واعتادت طهران تقديم بعض المرونة قرب اجتماع مجلس محافظي الوكالة، ولكن في ظل هذا السلوك المناور، ما الآفاق المستقبلية للاتفاق النووي مع إيران؟
لا يزال مصير الاتفاق النووي الإيراني غير مؤكد، في أبريل (نيسان) 2021، بدأ الموقعون على الاتفاق النووي أو ما يسمى رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة، محادثات لإعادة واشنطن وطهران إلى الاتفاقية، لكن المفاوضات توقفت بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً في يونيو (حزيران)، وحينما استأنفوا العمل في وقت لاحق، دفع الفريق المفاوض الإيراني الجديد إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً.
تركت جولات المحادثات على مدار نحو 11 شهراً الجميع يتوقعون إبرام صفقة في أوائل عام 2022، لكن المحادثات توقفت مرة أخرى بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ولا تزال طهران وواشنطن تختلفان حول العديد من القضايا، بما في ذلك تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. وحذر المسؤولون الأميركيون من مزيد من التأخير، معتبرين أنه إذا استمرت إيران في ارتكاب المزيد من الانتهاكات النووية، فقد يجعل ذلك العودة إلى الصفقة الأصلية مستحيلة.
لكن بالنظر إلى مسار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومتابعة إيران للدروس المستفادة منها، قد تعمل طهران على تحقيق مزيد من الانتهاكات لالتزاماتها في الاتفاق للوصول إلى عتبة نووية، ثم الشروع في التوصل لاتفاق لرفع العقوبات الأميركية لتتمكن من المضي في خططها الاقتصادية، لكنها لن تتوقف عن تعزيز قدراتها النووية، لا سيما أنها تعتبر أن إحدى نقاط ضعف أوكرانيا كان تخلصها من ترسانتها النووية، التي جعلتها في موقف أضعف خلال حربها مع روسيا. ومن ثم ستسعى إيران لرفع العقوبات عنها، لكنها لن تتنازل عن قدراتها النووية وستواصل تجاوزاتها في هذا الملف.