لبى موظفو وزارة الخارجية الفرنسية الذين يشعرون بـ"التعب والقلق والتهميش" دعوة غير مسبوقة إلى إضراب، ضد سلسلة من الإصلاحات تهدد برأيهم كفاءة الدبلوماسية الفرنسية ومكانتها.
ودعت إلى الإضراب النادر في قطاع يعتمد التكتم تقليدياً ولا يميل إلى الاحتجاج، ست نقابات وتجمع يضم 500 دبلوماسي شاب.
وتجمع عشرات من هؤلاء الموظفين أمام المبنى العريق لمقر وزارة الخارجية في باريس رافعين لافتات كتب عليها "الدبلوماسية تنقرض" و"الخدمة العامة في خطر" و"دبلوماسيون مضربون".
وشكل إصلاح الإدارة المدنية العليا الذي يريد الرئيس إيمانويل ماكرون تحقيقه وسيكون له تأثير على الحياة المهنية الدبلوماسية، الشرارة التي أطلقت هذه الحركة، لكن في الواقع يتصاعد الاستياء منذ سنوات.
ويثير هذا الإصلاح مخاوف من أن يؤدي إلى إنشاء سلك جديد من مسؤولي الدولة ويقضي بعدم بقاء كبار موظفي الخدمة المدنية مرتبطين بإدارة معينة، بل على العكس، سيدعون إلى تغييرها طوال مسيرتهم المهنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد المضربون أنهم "غير قابلين لعملية تبديل مهامهم ويخشون انتهاء الطابع الاحترافي للدبلوماسية الفرنسية ثالث أكبر شبكة في العالم بعد الولايات المتحدة".
وقال السفير مارسيل إسكور الذي يعمل منذ 35 عاماً في الوزارة، "لا يمكن لأحد أن يصبح دبلوماسياً بين ليلة وضحاها". وإسكور واحد من قلائل ذكروا أسماءهم خلال التجمع أمام الوزارة.
ويوضح الدبلوماسي والنقابي في "الكونفيدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين" (سي أف تي سي) أوليفييه دا سيلفا أن "تراكم الإصلاحات والانخفاض المستمر في الموارد يؤديان إلى إرهاق وقلق بين الموظفين"، مشيراً إلى أن "الغضب كبير بشكل خاص" في هذا القطاع.
وقال جان باتيست (28 عاماً) المحرر في إدارة الأمم المتحدة "لدينا عبء كبير جداً في العمل، ولا نحسب ساعات عملنا لأننا فخورون جداً بما نعمله، لكن هناك شعوراً بعدم الارتياح، ولدينا انطباع أنه لا يصغى إلينا بدرجة كافية".
وهذا الرأي كرره دبلوماسيون شباب آخرون طلبوا عدم كشف هوياتهم بذريعة الاحتياط، بعد أن استثمروا كثيراً في تعلم اللغة التركية أو الصينية أو العمل "ليلاً ونهاراً" على منطقة أوكرانيا وروسيا.
وفي حدث غير مسبوق، يعبر عدد من الدبلوماسيين والسفراء والمديرون الإقليميين عن دعمهم الحركة في تغريدات على "تويتر" خلال الأيام القليلة الماضية، تحت وسم #دبلو2ميتييه.
وأعلن بعضهم مثل سفيرة البلاد لدى الكويت، كلير لو فليشيه، أو في سلطنة عمان فيرونيك أولانيون، أنهم سيضربون عن العمل، بينما أعاد آخرون، وبينهم مدير الشؤون السياسية بالوزارة فيليب إيريرا، تغريد عمود نشرته أخيراً مجموعة الدبلوماسيين الشباب.
ويملك السفراء والموظفون القنصليون الحق في الإضراب، لكن "بالطبع لن نهدد أبداً حماية مواطنينا ومصالحنا"، بحسب دا سيلفا الذي أكد "ندعو إلى وقف العمل طالما أن ذلك لا يهدد استمرارية الدفاع عن مصالحنا".
وأضاف، أن "الإضراب في ذاته هو حدث"، معتبراً أنه "صرخة تحذير". وتابع، أن "وزارتنا تلفت ويجب إصلاحها". وتطالب النقابات والمجموعة بتنظيم لقاءات دبلوماسية.
ويعود آخر إضراب شهدته وزارة الخارجية الفرنسية إلى 2003.
وبالنسبة للدبلوماسيين، يطال الإصلاح نحو 700 منهم بشكل مباشر، وهذا سيؤدي إلى اندماج ثم "اضمحلال" تدريجي بحلول 2023 للهيئتين التاريخيتين للدبلوماسية الفرنسية، السفراء فوق العادة، ومستشاري وزارة الخارجية.
وقال سفير طالباً عدم كشف هويته "مع هذا الإصلاح سيتم تمثيل الفرنسيين بأشخاص غير مدربين أو غير مستعدين لقواعد الدبلوماسية".
وأضاف، أن "منصب قنصل ليس دوراً فخرياً كما سمعت، بل الذهاب إلى المشرحة للتعرف على جثمان مواطن، أو إعلان وفاة أحدهم"، مؤكداً أنه "يجب أن نحافظ على مهنية دبلوماسيتنا".
وقال دبلوماسي آخر رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه أيضاً، إنه قلق جداً من "إجهاد الموظفين في مواجهة الضغط المستمر المتزامن مع تراجع الموارد".
وتؤكد الوزارة التي عينت على رأسها الدبلوماسية كاترين كولونا في خطوة فسرت على أنها "رسالة" للموظفين، أنها "أقامت حواراً جيداً" مع جميع النقابات العمالية.
واعترف مصدر مطلع على الملف بأن "القلق حقيقي والموظفين متعبون"، مشيراً إلى أن الحركة الاجتماعية تأتي في "وضع صعب جداً".
ويشير بذلك إلى وباء "كوفيد" الذي استمر أكثر من عامين وتعاقب الأزمات وعمليات الإجلاء من كابول بعد انتصار طالبان في أغسطس (آب) 2021 والحرب في أوكرانيا وطرد دبلوماسيين من روسيا والأزمة مع مالي.
وتفيد أرقام رسمية أن نحو 13 ألفاً و500 موظف (دائمون ومتعاقدون وغيرهم) يعملون في وزارة الخارجية الفرنسية.