كان كريستيان دايد يعلم أن الحركة التي أقدم عليها لدوافع سياسية بإرسال مغلفات مغلقة تحتوي على منتجات قنب هندي اشتراها بشكل قانوني إلى مكتب المدعي العام الروماني، سوف تثير رد فعل في النهاية.
وتمثّل الهدف الأساسي من هذه الحركة في فتح نقاش حول ما يصفه دايد بأنه العبثية والتناقض في مجموعة القوانين التي عفا عليها الزمن، التي تحكم مبيع واستخدام مختلف منتجات القنب، سواء داخل المتاجر أو على شبكة الإنترنت في الاتحاد الأوروبي ورومانيا.
لكن الناشط ورجل الأعمال البالغ من العمر 36 سنة، لم يتوقع أن تتعقبه القوات الأمنية التي كانت تتجسس عليه من خلال هاتفه الذكي، أو أن تجرّه "المديرية الرومانية الخاصة للتحقيق في الجريمة المنظمة والإرهاب" في منتصف الليل، ولا أن يُعتقل 30 يوماً العام الماضي. وبات الآن بانتظار الخضوع للمحاكمة بتهمة الإتجار بالمخدرات. لكنه لا يزال يجاهر برأيه حول عبثية قوانين القنب في أوروبا ولا يقبل بالتنازل عنه.
وقال لي خلال مقابلة داخل متجر لبيع منتجات القنب في بوخارست إن "القانون اعتباطي. هناك تناقض بين بيع المنتجات داخل المؤسسات التجارية الرومانية والأوروبية من جهة، وطريقة تعامل السلطات مع هذه المنتجات من جهة أخرى. وأنا أحاول أن أرغمها إما على تعديل القانون أو تطبيقه بشكل متساوٍ. فإذا أرادت إغلاق المتاجر كافة، فلتفعل ذلك، أو عليها تغيير القانون".
يكمن أصل المشكلة في الالتباس بشأن تعريف منتجات الحشيشة والماريجوانا، وهما من عائلة نبتة القنب الهندي. ولكن الإطار الأوسع يتمثّل في التقبل الجماهيري لاستخدام الماريجوانا لأغراض استجمامية في الغرب، ما لم يعبّر عنه القانون حتى الآن. وهذا يؤدي إلى الارتباك، وأحياناً إلى دمار حياة الأفراد.
في حين سنّت عشرات من الولايات الأميركية قوانين متساهلة جداً بشأن استخدام الماريجوانا لأغراض استجمامية، لا يزال الاتحاد الأوروبي متأخراً عنها. إلى الآن، لم تشرّع سوى دولة مالطا الجزيرية استخدام حشيشة الكيف، فيما أعلنت ألمانيا ولوكسمبورغ عن نيتهما سنّ قوانين أكثر تساهلاً في مسألة الماريجوانا، ويتزايد الضغط الشعبي في إيطاليا من أجل إجراء استفتاء على تشريعها.
التقيت بدايد الذي بدت عليه السعادة على الرغم من مشكلاته القانونية، في مقهى يبيع منتجات القنب في وسط مدينة بوخارست. وتشمل بضاعة المتجر المسمّى "كانابيس أمستردام"، الزيوت والحلوى والبسكويت ومجموعة متنوعة من المساحيق التي تعتبر جميعها قانونية إلى أبعد الحدود طالما أنها لا تحتوي أي نسبة تُذكر من مادة "رباعي هايدرو كانابينول" THC الكيماوية الموجودة في الماريجوانا، التي تمتلك خصائص التأثير النفسي وتجعل الإنسان يشعر بالنشوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك ظهرت متاجر الصحة والرفاه مماثلة لذلك المتجر في كل أنحاء أوروبا، سواء على الشوارع التجارية الرئيسة أو في المراكز التجارية. ولكن لكل دولة قانون يختلف عن الدول الأخرى في ما يعني تحديد النسبة القليلة من "رباعي هايدرو كانابينول" التي يمكن أن يحتويها كل منتج. بالتالي، إذا اشتريت منتجاً قانونياً في بلد معين، فقد يتسبب لك إما بغرامة أو باعتقال في بلد آخر مجاور ينتمي إلى الكتلة التجارية ذاتها.
إذا عثرت الشرطة معك على كمية قليلة من حشيشة الكيف في جمهورية التشيك مثلاً، فهذه ليست مشكلة. في المقابل، إذا عبرت الحدود ودخلت سلوفينيا، التي كانت تعتبر جزءاً من البلد ذاته طيلة معظم القرن العشرين، يمكن أن تُسجن.
من وجهة نظر الناشطين في مجال حقوق القنب، ليس حل المسائل العالقة والتناقضات في القانون مجرد طريقة لإيجاد سبيل قانوني من أجل الانتشاء. وفي الواقع، يشير دايد إلى أنه لم يدخن الحشيشة في حياته. لكنه يرى أن وجود الثغرات القانونية، إضافة إلى التشدد في ضبط الأمن، دمرا حياة الناس.
ويتكلم عن صديق كان يعاني من الإيدز ويتناول زيت القنب ليساعده في تخفيف الأعراض الجانبية لأدوية ذلك المرض. ثم بدأ بزراعة مخزونه الخاص من النبتة، لكن السلطات الرومانية أوقفته وادّعت عليه بتهمة الإتجار بالمخدرات.
لم يتوافر أي دليل على أنه باع أي شيء في حياته، لكن المدعين العامين افترضوا بأن كيلو القنب الذي زرعه واحتفظ به داخل بيته لا بد من أنه مُعدّ للتوزيع على نطاق أوسع. ووافق قاضٍ على هذا الرأي، فحكم عليه بالإقامة الجبرية لمدة عامين. لكنهم تجاهلوا حجته بأن كيلو الحشيشة لا يكفي سوى لإنتاج 140 ملليلتر من الزيت الذي يحتاج إليه.
ومن ناحية أخرى، انتحر مواطن روماني آخر، ألكساندرو كلاوديو رادوليسكو، العام الماضي أثناء محاكمته بتهمة هائلة هي تهريب المخدرات دولياً، لأنه كان يبيع منتجات قنب شرعية وقانونية اشتراها من سويسرا. ويعتقد دايد أن سخطه جراء وفاة رادوليسكو هو ما دفعه إلى التحرك.
ويضيف دايد "إذا عُثر على نصف سيجارة حشيشة مع فتى، يُقتاد ليمثل أمام أعلى مكاتب المدعين العامين في البلاد. إننا نتحدث عن مشكلة في أحكام القانون".
في ذلك الصدد، تستند الحكومات الأوروبية إلى "اتفاق الأمم المتحدة حول المخدرات" الذي وضع عام 1961، وينص وفق تفسير واضعي السياسات على أن تفرض الدول عقوبات جنائية كجزاء لتوفير المخدرات لغير الغايات الطبية. في المقابل، يرى كثيرون أن هذا المبدأ التوجيهي عفا عليه الزمن، لا سيما مع شروع مزيد من الهيئات التشريعية في تخفيف قوانينها. الشهر الماضي، أظهرت دراسة أن أكثر من نصف مواطني الاتحاد الأوروبي يؤيدون تشريع استخدام الماريجوانا لأغراض ترفيهية.
كخلاصة، سوف يمثل دايد أمام القاضي يوم الخميس. وسوف يحاجج محاميه بأن المدعي العام انتهك حقوقه، بالتالي يجب رفض القضية المرفوعة ضده. حتى لو كانت الحركة التي قام بها دايد طائشة، على الرغم من نواياه الجيدة، فقد دفع بالفعل ثمناً كبيراً لقاءها. إضافة إلى سجنه أسابيع عدة، وصلت النفقات القانونية التي دفعها إلى حوالى 14 ألف جنيه استرليني. ويُعتبر ذلك ثمناً شخصياً هائلاً لقاء المبادرة إلى طرح موضوع على واضعي السياسات في بروكسل ولندن وغيرهما من العواصم، كي يحلّوه من تلقاء أنفسهم.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 30 مايو 2022
© The Independent