توصلت "هيئة الجمعيات الخيرية" البريطانية الحكومية في تقريرها عن تحقيق موسع أجرته حول منظمة أوكسفام بريطانيا، إلى أن المنظمة الخيرية لم تتخذ أي إجراءات حيال تقارير زعمت أنّ عمّالها في هايتي قاموا باغتصاب أولادٍ عام 2011 وذلك لأنها " لم تأخذها على محمل الجد".
وخلُص التقرير الذي تعهدت "الهيئة" بوضعه حول أوكسفام في بريطانيا، في أعقاب الكشف في العام الماضي عن أن عمال الإغاثة لديها كانوا يستغلون مدنيين استغلالاً جنسيا، إلى أنّ سلامة الضحايا المحتملين جاءت في "المرتبة الثانية" من حيث الأهمية بالنسبة لأوكسفام.
وكشف التقرير عن سلسلة من الرسائل الالكترونية التي تلقتها المنظمة الخيرية غير الحكومية عام 2011، وتشتمل على مزاعم بأن بعض عمّالها كانوا يقيمون علاقاتٍ جنسية مع نساء وفتيات بمن فيهنّ قاصرات، في مخيّمات اللاجئين بعد أن دُمّرت منازلهنّ جرّاء الزلزال الذي ضرب البلاد عام 2010.
إلا أن أوكسفام شكّكت في أن تكون تلك الرسائل الالكترونية صادقة ولم تُبلغ الشرطة المحلية بورودها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إحدى الحالات، ذكرت رسالتان الكترونيّتان، وصلتا بتاريخ 18 يوليو (تموز) 2011 و20 أغسطس (آب) 2011 وقيل أنّهما أُرسلتا من فتاةٍ هايتية تبلغ 13 عاماً، أنّ المرسلة وصديقة لها، 12 عاماً، عانتا من الإيذاء الجسدي وسوء المعاملة على أيدي عمال لدى أوكسفام.
وأشارت الرسالتان إلى أن الفتاتيتن كانتا تمارسان الدعارة، وأنّ الكاتبة قد "تعرّضت للضرب والاستغلال من قبل رجلين أعرف أنّهما يعملان لديكم". وتابعت الرسالة "وأعرف أن لهما مديراً يعمل أيضاً عندكم ولكنني لم ألتقِ به، لكن صديقتي الصغيرة، وتبلغ 12 عاماً، التقته ومارست الجنس معه."
وأثبت التحقيق أن موضوع رسائل البريد الإلكتروني لم يُناقش حينئذ مع أي من السلطات المعنية بتطبيق القانون في ذلك الوقت، كما أكد أعضاء سابقون في مجلس أمناء أوكسفام، أنهم لم يسمعوا شيئاً عن تلك الرسائل.
وبعد أخذها "جديّة المزاعم" التي وردت في الرسالتين الالكترونيّتين بعين الاعتبار، إلى جانب "المخاطر الواضحة على سلامة هؤلاء القاصرين وأمنهم" في حال كانت المزاعم صحيحة، قالت "هيئة الجمعيات الخيرية" في بريطانيا إنه كان يجب على أوكسفام "أن تبذل جهداً أكبر" وتتخذ المزيد من الخطوات حينذاك لتحديد مصدر المخاوف ومتابعة المزاعم.
وجاء في التقرير أنه "كان يتوجّب على أوكسفام بريطانيا ألا تخاطر بسلامة القاصرين. بل كان عليها أن تبلّغ السلطات المسؤولة عن تطبيق القانون بشأن احتمال وجود الفتاتين في خطر... ويبدو أنّ المخاطر التي تعرّض لها الضحايا جاءت في المركز الثاني من حيث الأهمية ولم تُؤخذ على محمل الجدّ."
وأكدت "الهيئة" الحكومية إنه بالنظر إلى مرور بعض الوقت، لن يكون ممكناً الاستنتاج بما يكفي من اليقين ما إذا كان هناك قاصرون بين الضحايا أو في عداد من تعرضوا للخطر.
غير أنّها أعربت عن القلق لأنّ تعامل أوكسفام مع هذه المسائل قد تأثّر بـ "رغبة لحماية سمعة المنظمة الخيرية وحماية علاقاتها بالمانحين وأصحاب المصالح".
وأقرّ الرئيس التنفيذي لأوكسفام، في الفترة التي وقعت فيها هذه الاعتداءات المزعومة عام 2011، علناً بأنه كان بالإمكان اتخاذ المزيد من الخطوات لتحديد ما إذا كان هناك قاصرون بين الضحايا.
وأتت النتائج بعد عامٍ تقريباً في أعقاب الكشف عن أنّ كبار عمّال الإغاثة العاملين لدى أوكسفام عاشروا بائعات الهوى في هايتي. ونتيجةً لذلك، تمّ طرد أربعة من أعضاء طاقم العمل فيما استقال ثلاثة بينهم مدير المنطقة في المنظمة.
كما وجد التقرير أن الحوادث التي شهدتها هايتي عام 2011 لم تكن عابرة من النوع الذي يحصل "لمرة واحدة" وأنّ أمثلة على سوء سلوك الموظفين والقضايا المسلكيّة تعود إلى يونيو (تموز) 2010.
ولفت التقرير إلى أنّ الإخفاق في مساءلة الاشخاص بانتظام عن سوء السلوك، والفشل في ضمان اتخاذ تدابير قويّة ومنسجمة مع بعضها البعض على الأرض، قد أدّيا إلى انتشار "ثقافة التسامح مع السلوك المسيء" ممّا "أفضى إلى التزام الضحايا الصمت". وأفاد "بدا أنّ المجازفة التي تعرض لها الضحايا، وأثرها عليهم، لم يشكّلا أولويّة في تلك الفترات ولم يؤخذا بجديّة كافية؛ هذا وتمّ خذل كلّ من الضحايا والمخبرين والموظّفين الذي حاولوا إثارة المخاوف."
وفيما أورد التحقيق أنّ المنظمة غير الحكومية قامت منذ ذلك الحين "بتقدّمٍ ملحوظ" في معالجة مواضع الخلل فيها على مستوى الحماية، قال إنّ "المزيد من التغيير الثقافي والمنهجي الملحوظ" مطلوب للعثور على حلول ناجعة للمسائل ذات العلاقة.
وفي ضوء النتائج، مارست "الهيئة" صلاحيتها القانونية فأصدرت تحذيراً لأوكسفام بسبب وجود بعض جوانب سوء الإدارة في أداء المنظمة بما يتعلق بهايتي وبعمليات حوكمة الحماية قبل عام 2018.
وقالت كارولين تومسون، رئيسة مجلس الأمناء، إنّ أوكسفام "تعرب عن أسفها العميق لفشلها في منع حصول الاستغلال الجنسي على يد طاقم عملها السابق في هايتي" وهي تقرّ بأنّه كان يتوجّب عليها تحسين إجراءات الحماية لديها "بشكلٍ أوسع وأسرع." وأضافت أن " ما حدث في هايتي مخزٍ ونشعر بالأسف الشديد لذلك. كان الأمر عبارة عن سوء استغلالٍ رهيب للسلطة، وإهانة للقيم التي تحملها أوكسفام".
وتابعت تومسون موضحة أن" النتائج التي توصلت إليها الهيئة غير مريحة أبداً لأوكسفام بريطانيا ولكننا نقرّ بها. نحن نعلم الآن أن تحقيق العام 2011 والإبلاغ عما حدث في هايتي كانا يعانيان من الخلل؛ كان يتوجّب اتخاذ المزيد من الخطوات لتحديد ما إذا كان هناك قاصرون بين الضحايا."
ومن جهته، قال روري ستيوارت وزير التنمية الدولية البريطاني، أن "ما تمّ الكشف عنه العام الماضي كان مرعباً وسلّط الضوء على مشاكل جوهريّة. توافق وزارة التنمية الدولية أنّه يتوجّب علينا دائماً أن نضع الناس في المقام الأول.. لقد قادت الوزارة عمليّة الإصلاح وتبقى أولويّتنا في مساعدة أكثر السكّان فقراً وضعفاً حول العالم مع إبقاء الأشخاص بمأمن عن الأذى".
واضاف أن "أوكسفام هي مؤسسة بريطانية مهمّة تنقذ الأرواح في بعض أكثر الأماكن صعوبةً في العالم. إنّها عمليّة طويلة الأمد حيث إجابات سهلة ولا مجال للتهاون. سنعمل عن كثب مع كلّ من أوكسفام وهيئة الجمعيات الخيرية خلال الأسابيع القادمة."
© The Independent