أثار تداول خبر بيع خضار وفواكه ملوّثة معروضة في الأسواق والمحلات، هلع الجزائريين. وما زاد من المخاوف الانتشار اللافت لمختلف أنواع المنتوجات الزراعية بأسعار مناسبة، الأمر الذي حرّك السلطات التي هددت بإجراءات عقابية ضد كل من ثبت استعماله المياه الملوثة في سقي المحاصيل.
خطوة استباقية وتوعد
وكما جرت عليه العادة مع قدوم فصل الصيف واشتداد الحرارة، تنتشر حالات التسمم بين المواطنين، وإن اختلفت الأسباب فإن الذي بات متفقاً حوله في تفسير الأمر هو تناول خضراوات وفواكه مسقية بمياه ملوثة. لكن هذه المرة استبقت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية الأحداث، وأعلنت في خطوة تضع حداً لاتهامات تطاول في كل مرة الفلاحين، عن عقوبات ردعية ضد استعمال المياه الملوثة في ري المزارع والحقول.
وقال الوزير المسؤول عن القطاع، محمد عبد الحفيظ هني، خلال جلسة في مجلس الأمة، رداً على سؤال حول التدابير المتخذة لتفادي استعمال المياه الآثمة، إن الوزارة تتخذ إجراءات ردعية ضد الفلاحين الذين يستعملون المياه غير الصالحة، إذ ستتم مصادرة عتادهم وإتلاف كل المحاصيل التي تم سقيها بالمياه الملوثة غير المعالجة، فضلاً عن المتابعة القضائية، مشيراً إلى مرافقة الفلاحين ودعمهم للحصول على تراخيص لحفر الآبار، وذلك بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية والأمن المائي.
عقوبات ردعية وتوقيفات... ولكن
وكشفت تحقيقات وزارة الموارد المائية في مرات عدة، عن تورط زراعيين "مزيفين" ليست لهم علاقة بمهنة الفلاحة في ري الأراضي بمياه الصرف الصحي، بعد أن قام بعض الفلاحين "الحقيقيين" بكراء أراضيهم لهؤلاء الغرباء، وهو التصرف الذي يجرمه القانون ويفرض عقوبات صارمة تصل إلى السجن مدة سنتين، مع دفع غرامات مالية تتراوح بين 3000 إلى 6000 دولار.
وفي السياق ذاته، تمكنت منذ أيام، عناصر أمنية في منطقة بوقادير بمحافظة الشلف غرب الجزائر، من توقيف 3 فلاحين بتهمة سقي المحاصيل الزراعية بالمياه القذرة، وأشار بيان الجهاز الأمني، إلى أن أعمار الموقوفين تتراوح بين 28 و70 سنة، يقومون بري محاصيلهم بالمياه القذرة المتسربة من قناة الصرف الصحي لبلدية أولاد بن عبد القادر، والتي ينتهي مصبها بوادي أسلي، وأضاف أنه تم حجز محركين اثنين لضخ المياه، وإحالة المتهمين أمام وكيل الجمهورية للمحاكمة.
كما قامت المصالح ذاتها في منطقة بسيدي خطاب، في محافظة غليزان، بإتلاف 14 هكتاراً من المنتوجات المسقية بالمياه القذرة، وحجز 17 محركاً. وقالت إنه بعد تحليل عينات المياه المستعملة في الري تبيّن أنها مياه صرف صحي وغير صالحة.
وأدانت محكمة تيبازة في وسط البلاد، أربعة فلاحين بعقوبة تصل إلى 4 سنوات سجناً نافذاً لتورطهم في قضية السقي الفلاحي باستعمال المياه القذرة. وقال بيان لمصالح الأمن إنه تم إلقاء القبض على أربعة فلاحين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 سنة، مع حجز 3 محركات من الحجم الكبير، كانت تستعمل في ضخ مياه الصرف الصحي من الوادي مباشرة إلى مستثمرات تحتوي على أشجار حمضيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أرقام أممية
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن استخدام المياه الملوثة غير الصحية يؤدي إلى إصابة 3.35 مليار نسمة بأمراض متعددة، ووفاة حوالى 5.3 مليون شخص سنوياً في العالم، كما أن 80 في المئة من جملة الأمراض في الدول النامية تعود إلى تلوث المياه، وأن 50 في المئة من سكان الدول النامية يعانون من أمراض لها علاقة بالمياه. وكشفت أنه كل 8 ثوان يموت طفل نتيجة لمرض له علاقة بالمياه، مبينة أن الإسهال وحده يقضي على 4 ملايين طفل سنوياً.
قناطير من القوانين والممارسات مستمرة
وفي الشأن ذاته، أوضح المختص في الصحة العمومية، فتحي بن أشنهو، أن الماء المُلوث يحمل فضلات تضم أخطر أنواع البكتيريا ومنها الديدان، وهو ما يسبب أمراض "التفوئيد" و"الطاعون" و"الكوليرا". ولعل مخلفات المصانع والمستشفيات التي تصب جميعها في قنوات الصرف الصحي، تبقى أكبر خطر وتهديد على صحة الإنسان، مؤكداً أن وجود قناطير من القوانين التي تحدد كيفية صرف المياه القذرة، وطريقة استعمال المبيدات على المنتجات الفلاحية، لا جدوى منه في ظل عدم تطبيقها على أرض الواقع لأسباب مختلفة. وقال إن الحل في نشر التربية الصحية عن طريق تفعيل دور المعهد الجزائري للصحة العمومية الذي كان له دور بارز في السنوات الماضية.
من جانبه، أشار أستاذ العلوم الزراعية، محمد مقراني، إلى أن مياه الصرف الصحي يمكن استعمالها للسقي وحتى الشرب، ولكن بعد مرورها بمراحل تصفية عدة. وقال "إذا كانت مياه الصرف المستعملة في السقي تضم الفضلات البشرية فقط، فأضرارها لا تظهر على التربة والنبات ولكن على المحاصيل الزراعية، مثل الخس والبقدونس، ولا يزول تلوث هذه المنتجات حتى لو نقعناها في الخل، لأن البكتيريا تغلغلت إلى أنسجة النبات، والحل يكمن في طهيها على درجات حرارة عالية". أما أخطر أنواع مياه الصرف الصحي، فتلك المحتوية على كيماويات، تكون قاتلة للتربة والحيوان وحتى الإنسان، لاحتوائها على مواد مسرطنة.
رأي آخر
رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، له رأي آخر في الموضوع، حيث قلل من عدد المستثمرات المسقية بمياه الصرف الصحي، وهي لا تشكل إلا نسبة قليلة جداً جداً من الأراضي المسقية بمياه صالحة، منتقداً جعل هذا الأمر فزاعة لضرب المنتج المحلي. وقال إن ظاهرة السقي بالمياه القذرة موجودة منذ زمن، ويتجدد الحديث عنها كلما تم توقيف متورطين من قبل المصالح الأمنية، وإنه سبق لمنظمته التبليغ عن مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية، داعياً المواطنين إلى التبليغ لا سيما أن هذه التصرفات تظهر على ضفاف مجاري الصرف الصحي ومصباتها، ما يحتم على أهالي هذه المناطق التبليغ عن الفلاحين المخالفين.