شرع قضاة تونسيون، اليوم الاثنين، في إضراب عام بالمحاكم يستمر أسبوعاً، تعبيراً عن رفضهم قرارات الرئيس قيس سعيد إعفاء نحو 60 منهم. لكن تم استثناء النظر في القضايا "الإرهابية" من الإضراب.
والأسبوع الماضي، عزز الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي يحتكر السلطات في البلاد، بموجب مرسوم، صلاحياته القضائية بتعديل قانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء عزل بموجبه نحو 60 قاضياً.
ووجه سعيد للقضاة المعزولين، وعددهم 57 قاضياً، تهمة "التستر على قضايا إرهابية" و"الفساد" و"التحرش الجنسي" و"الموالاة لأحزاب سياسية" و"تعطيل مسار قضايا"، وستتم ملاحقتهم قضائياً، على ما أكد في اجتماع وزاري.
وقال رئيس "جمعية القضاة الشبان"، مراد المسعودي، إن "الإضراب انطلق اليوم في جميع محاكم البلاد، وهناك أنباء عن نجاح كبير للتحرك الاحتجاجي".
ودعت "جمعية القضاة التونسيين" ومنظمات أخرى تابعة لسلك القضاء إلى "الإضراب لمدة أسبوع قابل للتجديد" في جميع المحاكم، وذلك "للتداعيات الخطيرة" لقرار العزل.
وقالت الجمعية، في بيان يوم السبت، إثر الاجتماع الذي حضرته أربعة هياكل نقابية قضائية أخرى، إن القضاة "يستنكرون بشدة مواصلة رئيس الجمهورية التدخل في السلطة القضائية، وفي الصلاحيات الموكولة لها".
ومن بين القضاة الذين تم فصلهم يوسف بوزاخر، الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى، الذي استبدل سعيد أعضاءه هذا العام بمجلس مؤقت. وكان المجلس بمثابة ضامن لاستقلال القضاء منذ ثورة 2011 في تونس، التي جلبت الديمقراطية، لكنه واجه انتقادات بأن مسؤوليه على علاقة وطيدة بأحزاب سياسية.
وفي جلسة حضرها مئات القضاة، قال بعض القضاة الذين عزلهم سعيد، إن عملية التطهير جاءت بعد أن رفضوا تدخلات من وزيرة العدل، وفي بعض الحالات من المحيطين بالرئيس.
وأثار عزل القضاة غضباً دولياً. وقالت واشنطن، إن هذه الخطوة تقوض المؤسسات الديمقراطية في تونس. كما دعا راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب المحلول في بيان "القوى الوطنية والأحزاب والمجتمع المدني للوقوف إلى جانب القضاة في مقاومة الديكتاتورية حفاظاً على استقلال القضاء".
أسبوع ساخن
شهدت عطلة الأسبوع في تونس أحداثاً ساخنة، فقد انطلق الحوار الوطني، السبت، الرابع من يونيو، وأعلن القضاة عن إضرابهم، ووقعت صدامات بين الشرطة ونحو مئة متظاهر احتجوا في تونس العاصمة على الاستفتاء، الذي يعتزم سعيد تنظيمه في يوليو المقبل بعد عام من إجراءاته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنعت الشرطة متظاهرين من الاقتراب من مقر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي غير سعيد طريقة اختيار أعضائها، وعين رئيسها بنفسه، وهو إجراء يعتبرون أن هدفه بسط سيطرته على المؤسسة.
ورفع بعض المشاركين في الاحتجاج، الذي نظمته خمسة أحزاب صغيرة، لافتات كتب عليها "هيئة الرئيس = هيئة التزوير".
الحوار الوطني
وعقدت الجولة الأولى لجلسات الحوار الوطني في تونس، السبت، وقد اتفق المشاركون على وضع مقترحات حلول للأزمة الاقتصادية، التي تعيشها البلاد وتصورات لدستور جديد للبلاد.
وقال الرئيس المنسق لـ"الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" صادق بلعيد، في تصريح للصحافة، إنه طلب من المشاركين في الجلسة الأولى من الحوار الوطني تقديم مقترحاتهم وتصوراتهم بخصوص الاقتصاد الوطني للسنوات الـ40 المقبلة.
وأضاف أنه سيتم، بعد ورود مقترحات المشاركين في الجلسة، دمج مختلف النقاط والتصورات المقترحة في مسودة واحدة في شكل رؤوس أقلام، لتكون منطلقاً للجلسة الثانية المرتقب عقدها يوم السبت المقبل.
موقف سعيد
أقر الرئيس التونسي خريطة طريق سياسية بدأت باستشارة إلكترونية ثم استفتاء شعبي مقرر في 25 يوليو (تموز) المقبل حول دستور جديد، وصولاً إلى انتخابات تشريعية نهاية العام الحالي. ويريد سعيد تعديل النظام السياسي في البلاد من برلماني معدل إلى رئاسي.
وتوجه انتقادات شديدة لقرارات سعيد والمسار الذي يعتمده، سواء من حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية، الذي كانت له أكبر الكتل البرلمانية، ويعتبر إجراءات الرئيس "انقلاباً على الدستور والثورة"، أو من كثير من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية التي تنبه من "انحراف سلطوي" في تونس، التي شهدت ثورة أطاحت نظام زين العابدين بن على في 2011.
ويقول سعيد إنه يتخذ إجراءات لصالح البلاد في مواجهة التعطيل السياسي والاقتصادي، وقد احتكر منذ 25 يوليو 2021 السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبات يقود البلاد بمراسيم وأوامر رئاسية، ما يثير مخاوف من النزوع الاستبدادي في مهد "الربيع العربي".
وكان الرئيس سعيد قد منح نفسه في 22 أبريل (نيسان) الماضي سلطة تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة الانتخابات السبعة من بينهم رئيسها، ثم عين في 9 مايو (أيار) عضو الهيئة فاروق بوعسكر رئيساً لها محل نبيل بافون الذي انتقد قرارات يوليو 2021.
الانحراف بالبلاد
وتتهم المعارضة رئيس الجمهورية بالانحراف بالبلاد نحو الاستبداد والرغبة في تشكيل هيئة انتخابية طيعة قبل الاستفتاء والانتخابات التشريعية. لكن كثيراً من التونسيين يدعمون تدابيره بشأن مؤسسات يرون أنها لم تفعل شيئاً يذكر لتحسين حياتهم في العقد الذي أعقب انتفاضة 2011 التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وإضافة إلى الأزمة السياسية، تعاني تونس صعوبات اقتصادية خطيرة أبرزها التضخم المتسارع، والبطالة المرتفعة. وتحاول البلاد المثقلة بالديون الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة لا تقل عن أربعة مليارات دولار.