منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، أعلن الرئيس بوتين أنه يحارب النازيين الجدد، وهو ما استنكره الغرب كون الرئيس الأوكراني يهودياً، لكن وثيقة أصدرتها وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، وكشفت عنها مجموعة شفافية مستقلة، حذرت من خطر مشاركة المتطوعين البيض العنصريين في الصراع داخل أوكرانيا، الذي تبين أن عدداً منهم انضموا إلى كتيبة آزوف القومية الأوكرانية، التي أثير حولها جدل واسع، بسبب استخدامها شعار القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، وما يثير قلق إدارة الرئيس بايدن هو ما قد يحمله العنصريون البيض عندما يعودون إلى الولايات المتحدة بخبرة قتالية واسعة اكتسبوها في ساحة المعارك.
فيديو ووثيقة رسمية
قبل أيام قليلة، كشف مقطع فيديو جنوداً متطوعين أميركيين يطلقون صاروخاً على مركبة مدرعة روسية في أوكرانيا، وهي لقطات تأتي في أعقاب كشف مجموعة شفافية أميركية مستقلة تدعى "بروبيتيز أوف ذي بيبول"، وتعني "ممتلكات الشعب"، عن وثيقة أصدرتها وزارة الأمن الداخلي، تحذر من زيادة مشاركة المتطوعين الأميركيين في صراعات خارجية، وتأثير ذلك في التطرف داخل الولايات المتحدة، بخاصة لدى مجموعات اليمين العنصري، الأمر الذي دق جرس إنذار في الصحافة الأميركية بشكل عام، واليسارية منها على وجه التحديد.
وبينما تشير وثيقة وزارة الأمن الداخلي التي جرى الكشف عنها بموجب قانون حرية المعلومات الأميركي، إلى أن السفارة الأوكرانية في واشنطن تلقت أكثر من 3000 طلب من مواطنين أميركيين للقتال في أوكرانيا منذ 3 مارس (آذار) الماضي، فإنها لم تذكر عدد الأميركيين الذين انضموا بالفعل إلى كتائب النازيين الجدد في أوكرانيا، ولم ترد الوزارة على طلبات الصحافيين بالتعليق على فحوى الوثيقة، فيما قالت وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة "ذي إيبوش تايمز"، إنها أصدرت تحذيراً من المستوى الرابع يحذر الأميركيين من السفر لأوكرانيا.
وفي حين ليس من الواضح عدد الأميركيين الذين يقاتلون حالياً في أوكرانيا، فإن تقريراً نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في مارس الماضي، أشار إلى أن الآلاف قد اشتركوا، غير أنه من غير الواضح عدد الذين جرى استجوابهم في المطارات الأميركية خلال خروجهم من البلاد، بينما تقول وزارة الأمن الداخلي أنها استندت في تقييمها إلى معلومات مفتوحة المصدر، إضافة إلى لقاءات أجراها مسؤولو الجمارك وحماية الحدود مع الأميركيين المغادرين إلى أوكرانيا.
اتهامات وجدل
ومع تأكيد الوثيقة الرسمية الأميركية، تجنيد بعض الأميركيين من قبل كتيبة آزوف القومية الأوكرانية، تصاعد الجدل حول هذه المجموعة التي يتهمها الروس بالنازية والتطرف منذ فترة طويلة وقبل اندلاع الحرب، بخاصة أنها تستخدم رمز "وولفسانغل" الذي كان شعاراً للقوات النازية في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وما يزيد من الجدل أن كتيبة آزوف تعمل بنشاط على تجنيد المتطرفين ذوي البشرة البيضاء الذين يستخدمون العنف بدوافع عنصرية أو عرقية للانضمام إليهم في الحرب ضد روسيا، وفقاً للوثيقة.
وفيما يقول موقع "بوليتيكو" إن وزارة العدل الأميركية لم تذكر ما إذا كان القانون يسمح للأميركيين بالانضمام إلى نزاع أوكرانيا، فإنه من غير المعروف حتى الآن أن أي أميركي يواجه اتهامات جنائية لمجرد السفر إلى أوكرانيا لمحاربة روسيا، ومع ذلك فإن وثيقة وزارة الأمن الداخلي توضح أنه إذا أراد مسؤولو إنفاذ القانون توجيه الاتهامات، فقد تتوافر لديهم كثير من الفرص.
غير أن موقع "غراي زوون" اليساري، اعتبر أن هناك شيئاً واحداً مؤكداً في هذه القصة، وهو أن إدارة الرئيس بايدن تسمح للحكومة الأوكرانية بتجنيد الأميركيين، بمن في ذلك المتطرفون العنيفون في سفارتها في واشنطن العاصمة، وفي القنصليات في جميع أنحاء البلاد، في الوقت الذي تروج فيه عديد من وسائل الإعلام الأميركية لهؤلاء المقاتلين السابقين من اليمين المتطرف وتظهر بعضهم كالأبطال على الرغم من سمعتهم السيئة وسجلهم العنيف.
فجوات استخباراتية
وإلى جانب الأميركيين الذين انتقلوا إلى أوكرانيا للقتال أو أولئك الذين يخططون للسفر إلى أوكرانيا، تعبر وثيقة وزارة الأمن الداخلي عن القلق في شأن ما وصفته "فجوات استخباراتية" نظراً إلى أن الوزارة لا تعرف عدد المقاتلين الأميركيين المحتملين الذين يسافرون بوثائق غير أميركية إلى أوكرانيا، وما التعليمات التي يتلقاها الأميركيون عند وصولهم إلى أوكرانيا، وما المجموعات الأخرى من الأجانب الذين يحاولون الانضمام إلى الحرب في أوكرانيا، وما الاستراتيجيات التي يمكن أن يستخدمونها لتجنب اكتشافهم من قبل سلطات إنفاذ القانون، وما نوع التدريب الذي يتلقاه المقاتلون الأجانب في أوكرانيا، الذي يمكن أن ينتشر في الميليشيات المتمركزة في الولايات المتحدة والجماعات القومية البيضاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينبع قلق الحكومة الأميركية من الاستجوابات الرسمية التي أجريت مع بعض المغادرين الأميركيين إلى أوكرانيا، ففي إحدى الحالات، قام ضباط الجمارك وحماية الحدود بتفتيش أحد المقاتلين السابقين في مشاة البحرية الأميركية، وهو ضابط شرطة حالياً خلال مغادرته مطار جون كينيدي الدولي إلى بولندا في 2 مارس، حيث وجد بحوزته هاتف شخصي تبين بعد فحصه أنه يخطط للانضمام إلى كتيبة آزوف.
وتذكر نشرة وزارة الأمن الداخلي أن أحد المقاتلين الأميركيين السابقين الذين غادروا إلى أوكرانيا كان زعيم "حركة بوغالو" في ولاية فرجينيا، وهي حركة يمينية متطرفة تستعد لحرب أهلية أميركية ثانية، وكشف البحث في حقائبه عن معدات عسكرية تشمل طلاءً للوجه، وأصفاداً، وقناع غاز، وسكيناً ذا نصل ثابت.
نماذج مقلقة
ويشير موقع "غراي زوون" اليساري، إلى أحد أبرز القوميين البيض الأميركيين الذين يخدمون حالياً في صفوف الجيش الأوكراني، وهو "بول غراي" الجندي السابق في الفرقة الأميركية 101 المحمولة جواً والحائز وسام القلب الأرغواني، وشارك في عمليات نشر متعددة في العراق، وكان حريصاً على نقل دروس المعركة والتدريب للأوكرانيين المشاركين في الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة ضد روسيا، وأنه أمضى نحو شهرين في القتال بين صفوف الفيلق الوطني الجورجي، وهو جماعة عسكرية أوكرانية ارتكبت جرائم حرب متعددة وفقاً للموقع.
ويشير الموقع إلى أن غراي الذي وصفته وسائل الإعلام الليبرالية في السابق بأنه فاشي، كان قد انخرط في عديد من المشاجرات ضد الجماعات اليسارية في الولايات المتحدة، وهو عضو سابق في عديد من الجماعات الفاشية القوية، بما في ذلك حزب العمال التقليدي المنحل الآن، وجماعة الطليعة الأميركية، والجبهة الوطنية، ويعد غراي من بين 30 أميركياً على الأقل يقاتلون حالياً مع الفيلق الوطني الجورجي، الذي يتولى نقل الأسلحة الأميركية والمقاتلين الأجانب إلى الجيش الأوكراني، بحسب ما يقول الموقع اليساري في تقرير مطول له.
ومن بين أبرز النماذج للعناصر المتطرفة من القوميين البيض الأميركيين، كريغ لانغ، وهو مقاتل سابق في الجيش الأميركي قاتل في العراق وأفغانستان، لكن جرى تسريحه من الخدمة بسبب سلوكياته وارتكابه جرائم منها محاولة قتل زوجته، وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حققت معه وزارة العدل الأميركية في ارتكابه جرائم حرب في فنزويلا، بحسب ما أفاد موقع "باز فييد نيوز"، لكنه تمكن من الخروج من الولايات المتحدة، ويقاتل مرة أخرى في ساحة المعركة الأوكرانية، وشارك في معركة هوستوميل، وهي مدينة استراتيجية شمال غربي كييف، ونشر على موقع "تويتر" صورة جديدة لنفسه، وهو يرتدي زياً عسكرياً أوكرانياً، ويلوح بسلاح مضاد للدبابات.
قانون الحياد
وعلى الرغم من أن متحدث البنتاغون حث الأميركيين على عدم الذهاب إلى أوكرانيا، وقتل جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية قد انضم إلى القتال، فإن السؤال عما إذا كان من الممكن أن يواجه هؤلاء تهماً جنائية، يظل سؤالاً مفتوحاً، إذ يوجد قانون الحياد، وهو قانون يعود تاريخه إلى رئاسة جورج واشنطن، ويحظر على الأميركيين الموجودين في الولايات المتحدة الانضمام إلى الجيوش الأجنبية، وفي حين أن القانون قديم، لكنه ليس بالياً كما أوضح موقع "لوفيير" المتخصص في قوانين الحرب، فقد استخدمته وزارة العدل عام 2019 لتوجيه اتهام إلى اثنين من الأميركيين يزعم أنهما خططاً للقتال لإطاحة حكومة فنزويلا.
ومع ذلك تقول داكوتا روديسيل، الأستاذة في كلية موريتز للقانون بجامعة ولاية أوهايو، إن هناك نوعاً من الغموض المحيط بتطبيق قانون الحياد، في إشارة إلى حقيقة قيام مكتب الجمارك وحماية الحدود باستجواب الأميركيين في المطارات، الأمر الذي لا يوضح الموقف، ومع ذلك فقد يأتي رئيس آخر عام 2024، ويقرر محاكمة الأميركيين الذين قاتلوا في أوكرانيا.
أصداء الكرملين
في المقابل، ظهرت بعض أصوات المنتقدين الذين يقولون إن التركيز على المتطرفين العنيفين من العنصريين البيض يردد أصداء إحدى أهم نقاط الدعاية للكرملين، وهي أن دعم أوكرانيا يعني أيضاً دعم النازيين الجدد، حيث اعتبر دانيال فاغديتش، رئيس يوركتاون سوليوشنز، وهي إحدى جماعات الضغط من أجل صناعة الطاقة المملوكة للدولة في أوكرانيا، لموقع بوليتيكو أن الكرملين سيرحب بما احتوته وثيقة وزارة الأمن الداخلي، وأشارتها الصريحة إلى مجموعات النازيين الجدد المفترضة في أوكرانيا، ما سيكون بمثابة موسيقى تطرب آذان الكرملين وآلة الدعاية الروسية.
وتقول مارتا فاريون، التي تعبر عن المجتمع الأميركي الأوكراني، إنه لا شك في وجود متطرفين بيض في أوكرانيا، لكن النسبة المئوية للسكان من اليمين والمتطرفين، وتفوق العرق الأبيض، والأنواع النازية الأخرى، هي أقل بكثير من النسبة المئوية لأمثالهم في الولايات المتحدة أو في ألمانيا أو في أي بلد آخر. وأشارت إلى أنه بسبب المخاوف في شأن كتيبة آزوف، حظر قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018 تقديم المساعدة العسكرية الأميركية للكتيبة، كما حظر "فيسبوك" صفحتها، كما جرى دمج المجموعة في الحرس الوطني الأوكراني في أواخر عام 2014.
خطر ماثل
ومع ذلك، فقد دعا فوج آزوف الأجانب للانضمام إليه في اليوم التالي لشن روسيا هجومها الشامل، كما أوضحت ريتا كاتز من مجموعة "سايت أنتيليجينس"، وهي مؤسسة أمنية أميركية، فقد أعرب النازيون الجدد في جميع أنحاء العالم عن حماسهم للقتال، وانضم عديد منهم إلى مجموعات النازيين الجدد.
وطالبت كاتز أن تفهم الحكومات نشاط كتيبة آزوف بين المتطرفين الغربيين هو مصدر قلق مادي للغاية، لأن غض الطرف عن المتعصبين البيض الذين يقاتلون إلى جانب آزوف في أوكرانيا سيكون متهوراً بنفس القدر مثل فعل الشيء نفسه مع المتطرفين الغربيين الذين يغادرون للقتال في الشرق الأوسط.