بعد أن استنفدت صدمة التضخم إجمالي الدعم المقدم للاقتصاد، سيتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يمهد الخميس المقبل، 9 يونيو (حزيران) 2022، للخروج من سياسة أسعار الفائدة السلبية المثيرة للجدل، بدءاً من التخلي عن أحدث أدواته المتمثلة في إعادة شراء الديون.
ومن المتوقع أن يمثل اجتماع مجلس المحافظين، الذي تم نقله بشكل استثنائي إلى أمستردام، نقطة تحول تاريخية بعد سنوات من السياسات المالية المتدنية التكلفة والوفيرة. كما أنه من المؤكد أن أقلية من "الصقور"، أعضاء هيئات صنع القرار في البنك المركزي الأوروبي المؤيدين لتشديد سياسة الاقتراض، نجحوا أخيراً في فرض وجهة نظرهم بشأن الحاجة إلى التصرف بحزم ضد التضخم المرتفع.
ولا شك أن التوقيت صعب في خضم ارتفاع الأسعار، الذي تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا، ويقوض القدرة الشرائية على خلفية النمو البطيء، في فرنسا كما في ألمانيا، لكن هذا السياق من عدم اليقين يضع البنك المركزي الأوروبي أمام خيار صعب، حيث إن الفشل في رفع معدلات الفائدة سيخاطر بتغذية الاتجاهات التضخمية، لا سيما من خلال زيادة الأجور. أما زيادتها بسرعة كبيرة فقد تؤدي إلى تعجيل الركود، من خلال التأثير في قدرة الاقتراض لدى الأسر والشركات.
تضخم مستمر لفترة طويلة
في الوقت نفسه، وحتى وإن لم تكن صدمة التضخم بالشدة نفسها في جميع دول منطقة اليورو، فقد أجمع حكام البنوك المركزية على استخدام سلاح أسعار الفائدة، حيث يستحيل الوقوف مكتوفي الأيدي في مواجهة التضخم، الذي وصل بالفعل إلى مستوى 8.1 في المئة خلال عام واحد في شهر مايو (أيار) الماضي بمنطقة اليورو. وهذا لم يحدث منذ اعتماد العملة الموحدة، كما أنه أعلى بأربع مرات من هدف البنك المركزي الأوروبي المحدد عند مستوى اثنين في المئة.
ووفق وكالة "الصحافة الفرنسية"، فإن النقاش في الوقت الحالي لا يتعلق سوى بمدى اتساع دورة الزيادة، في حين أن المعدلات الخاصة بأسعار الفائدة لم يتم تحريكها منذ عام 2011.
وبدأت البنوك المركزية الأخرى، التي تواجه تضخماً مرتفعاً، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا، دورة رفع أسعار الفائدة. أما من ناحية البنك المركزي الأوروبي، فقد أوضحت رئيسته كريستين لاغارد، في نهاية الشهر الماضي، أن "من المناسب أن تعود السياسة (النقدية) إلى معايير أكثر طبيعية" في مواجهة تضخم من المتوقع أن يستمر فترة طويلة.
كما أنها رسمت خريطة الطريق للأشهر المقبلة. وكتبت حينها أن اجتماع يوم الخميس يجب أن يمثل "في بداية الربع الثالث"، أي في بداية يوليو (تموز)، نهاية عمليات إعادة شراء الديون في السوق.
ولم يعد من سبب للإبقاء على هذا السلاح غير التقليدي المستخدم منذ عام 2015. فمن خلال شراء الأصول (خصوصاً سندات الدين العام) من الأسواق، حافظ البنك المركزي الأوروبي على معدلات فائدة دنيا في السنوات الأخيرة، مما سمح للأسر والشركات والحكومات بالاقتراض بشروط جيدة.
وأوضحت "لاغارد" أن الإجراء الثاني لعودة الأمور إلى طبيعتها سيعتمد في يوليو لتقرير نهاية أسعار الفائدة السلبية "بنهاية الربع الثالث"، لكن وفقاً لهذه السياسة التي بدأت في عام 2014 وأثارت فيضاً من الانتقادات، بخاصة في ألمانيا، ما زالت حتى الآن تفرض على البنوك رسوماً بنسبة 0.5 في المئة سلبية على ودائعها لدى البنوك المركزية، وذلك لتشجيعها على توزيعها في شكل قروض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما الزيادات المتوقعة؟
لإعادة معدل الفائدة إلى مستوى "صفر"، فمن المرجح إقرار زيادة في يوليو المقبل بنسبة 0.25 في المئة متبوعة بأخرى مماثلة في سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو ما يعتبره فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، السيناريو "المرجعي". وقد يرى بعض "الصقور" أن على البنك المركزي الأوروبي أن يبدأ بداية قوية، مع رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في يوليو المقبل.
وعلى أي حال، ستساعد التوقعات الاقتصادية الجديدة، التي ستنشر الخميس، مع أخذ تبعات الحرب في أوكرانيا في الاعتبار، على تحديد التوجه النقدي، فقد حذرت جين فريزر، رئيسة بنك سيتي غروب الأميركي في فرانكفورت، من أن أوروبا، الأكثر تعرضاً لعواقب الحرب في أوكرانيا، معرضة على نحو "كبير جداً" للدخول في "ركود".
وهو ركود قالت إنه "يمكن السيطرة عليه"، لأنه ليس هيكلياً. وأضافت أن البنك المركزي الأوروبي محق في رفع أسعار الفائدة لمنع التضخم من أن يتحول "إلى دوامة" بين الأسعار والأجور.