على الرغم مما قد تبدو عليه العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة من تراجع ملحوظ، إلا أن التحالف بين البلدين خلال العقود السبعة الماضية، أثبت قدرته على الصمود بشكل ملحوظ في مواجهة تحديات عدة بسبب وجود رؤية استراتيجية شاملة، يمكن من خلالها متابعة المصالح المشتركة وحل الأزمات.
في مقال له نُشر بموقع "ذا ناشيونال إنتريست" الأميركي، يستعرض الدكتور سعد السبيعي، الباحث في الأمن الدولي وعضو المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية، أسباب تراجع تلك الرؤية الاستراتيجية خلال العقد الماضي.
يقول السبيعي إنه وصولاً إلى فهم الوضع الحالي، يتعين استيعاب طبيعة الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية، فعلى الرغم من الاختلافات بينهما، أقام البلدان شراكة دائمة قائمة على الاهتمام المشترك بالأمن الإقليمي واستقرار سوق النفط والتنمية المستدامة.
ويرى أن اختصار العلاقة على أنها صفقة "النفط مقابل الحماية" يُعدّ أمراً مضللاً، نظراً إلى أن الولايات المتحدة نادراً ما تتدخل لحماية السعودية. علاوة على ذلك، فإن هناك تعاوناً بين البلدين بشكل فاعل في مجموعة واسعة من القضايا غير الأمنية الحاسمة.
يضيف السبيعي "على الرغم من توقيع البلدين اتفاقية الدفاع المتبادل عام 1951، امتنعت الولايات المتحدة عن التدخل عسكرياً خلال النزاعات الحدودية التي واجهتها السعودية خلال الخمسينيات والستينيات. ففي عام 1952، رفض الرئيس هاري ترومان استخدام القوة لإنهاء نزاع السعودية على الحدود الشرقية مع بريطانيا العظمى".
وتابع "لم تتأثر العلاقات الأميركية السعودية بهذه البراغماتية. ففي عام 1957، كان الملك سعود أول زعيم عربي يستقبله الرئيس دوايت أيزنهاور في البيت الأبيض. وتزامنت زيارته مع الكشف عن مبدأ أيزنهاور، الذي أعلن أن الولايات المتحدة ستلتزم القوة الاقتصادية والعسكرية لحماية أي دولة في الشرق الأوسط ضد العدوان المسلح العلني من أي دولة تسيطر عليها الشيوعية الدولية. ومع ذلك، عندما هددت الجمهورية العربية اليمنية المدعومة من الاتحاد السوفياتي الحدود الجنوبية للسعودية عام 1962، أعلنت أميركا أنها لن تشارك بشكل مباشر في المساعدة العسكرية".
في المقابل، اتبعت الرياض سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصالحها الوطنية والاعتبارات الاستراتيجية للاستقرار الإقليمي. فعلى الرغم من علاقاتها المتنامية مع الولايات المتحدة، شاركت المملكة في الحظر النفطي العربي بعد تورط أميركا في حربَي 1967 و1973 بين العرب وإسرائيل.
كبح النفوذ الشيوعي
يقول السبيعي إنه "على الرغم من هذه التحديات، تحركت الولايات المتحدة والسعودية للتغلب على خلافاتهما وتعزيز شراكتهما. خلال الثمانينيات، تداخلت قيمهما ومصالحهما في كبح النفوذ الشيوعي والثوري الإيراني في المنطقة، بينما أعطى حجم النفط السعودي للرياض تأثيراً كبيراً في سوق الطاقة العالمية، إذ تسببت قدرة المملكة على زيادة الإنتاج بسرعة في انخفاض أسعار النفط بأكثر من 60 في المئة خلال فترة ستة أشهر. وأضر التراجع بشدة بعائدات النفط للاتحاد السوفياتي في الأعوام التي سبقت انهياره، وبلغت الشراكة الأميركية السعودية ذروتها عام 1990 عندما استضافت المملكة تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت من صدام حسين".
ويضيف "عام 2001، شكلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية تحدياً آخر للعلاقات الأميركية السعودية. ومع ذلك، تعامل البلدان مع الوضع بطريقة استراتيجية وليس بطريقة أيديولوجية، وعملا معاً بشكل وثيق لمكافحة الإرهاب الدولي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يستشهد السبيعي بما خطه جورج تينيت، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية في مذكراته، عندما لاحظ أن "العالم لا يزال غير آمن، لكنه مكان أكثر أماناً الآن بسبب الخطوات العدوانية التي بدأ السعوديون اتخاذها. لقد اعتقلوا وأسروا وقتلوا عدداً من كبار عناصر القاعدة المتورطين في المؤامرة".
أميركا تتراجع
وبينما حافظت السعودية على التزام لا لبس فيه بشراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في نهاية الحرب الباردة، بدأت أميركا بالتخلي عن الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي تتوافق تقليدياً مع مصالح الرياض، حتى إن الرئيس باراك أوباما تسبب في نفور حلفاء الولايات المتحدة في الخليج ووقّع "صفقة" مع إيران، على عكس اتجاه 36 عاماً من السياسة الأميركية تجاه إيران الثورية.
يشير الباحث في الأمن الدولي إلى عودة الأمور لنصابها بعد ثلاثة أعوام، عندما ألغى الرئيس دونالد ترمب الصفقة الإيرانية، وأعرب عن دعمه لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وشكك في قيمة "ناتو". وعندما تعرضت المنشآت النفطية السعودية الرئيسة لضربة بطائرة مسيّرة، ألقت إدارة ترمب باللوم على إيران لكنها لم تفعل شيئاً حيال ذلك. وعام 2021، ورث الرئيس بايدن إرثاً معقداً. ومنذ البداية، اتخذ عدداً من الإجراءات للتراجع عن إرث سلفه وإعادة معايير الشراكة الأميركية السعودية.
يقول السبيعي "أدى الافتقار إلى سياسة خارجية متسقة للولايات المتحدة ورؤية استراتيجية شاملة وواضحة إلى إرباك الحلفاء وتقليص النفوذ العالمي لواشنطن، التي كانت سياستها تجاه الشرق الأوسط، والسعودية على وجه الخصوص، مدفوعة بتصور تراجع الأهمية الجيواستراتيجية (دراسة الموقع الاستراتيجي للدولة ومدى تأثيره في العلاقات السلمية والحربية)، لكن الحرب الروسية على أوكرانيا أثبتت أن هذا التصور خاطئ وأنه في عالم اليوم، تُعدّ الشراكة الأميركية السعودية أكثر أهمية من أي وقت مضى".
يختم السبيعي مقاله بقوله "لا تزال الولايات المتحدة القوة العظمى الأكثر موثوقية التي يمكن أن تساعد في استقرار الشرق الأوسط. ولا تزال السعودية تلعب دوراً فاعلاً في مواجهة إيران وتحقيق الاستقرار في سوق النفط وتقديم الدعم لمكافحة الإرهاب وتشويه سمعة أيديولوجيات التطرف الديني والمساعدة في دعم الدولار الأميركي كعملة احتياطية في العالم. وإذا أرادت الولايات المتحدة تصميم نهج استراتيجي قائم على حقائق واقعية، فيجب أن تأخذ في الاعتبار دور السعودية".