Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد تعليق معاهدة الصداقة... الجزائر توقف التجارة مع إسبانيا

وزير الخارجية الإسباني قال إن الحكومة الإسبانية "ستدافع بقوة" عن مصالحها الوطنية

آلية تابعة للأمم المتحدة تسير في الصحراء الغربية (أ ف ب)

دخلت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا فصلاً جديداً من التوتر، وصل إلى حد تجميد الجزائر عمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا اعتباراً من الخميس 9 يونيو (حزيران)، وفق ما أعلنت الإذاعة الجزائرية الدولية.

وتأتي هذه الخطوة غداة تعليق الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، التي عمرها 20 سنة، والموقَعة في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2002، إذ تواصل الجزائر التعبير عن غضبها مما وصفته سابقاً بـ"الانقلاب المفاجئ" في موقف مدريد تجاه قضية الصحراء الغربية.

وقبل إعلان الرئاسة الجزائرية عن تعليق المعاهدة، عقد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، "اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن، خُصص لتقييم الوضع العام في البلاد". وعلى الرغم من أن بيان الرئاسة لم يشر إلى تفاصيل ما دار في الاجتماع، فإن مراقبين اعتبروا أن صدور قرار التعليق بعده مباشرة يعني أن هذه الخطوة كانت محل نقاش بين المجتمعين.

وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس رد على القرار الجزائري اليوم الخميس وقال إن الحكومة الإسبانية "ستدافع بقوة" عن مصالحها الوطنية في ضوء قرار الجزائر بإلغاء معاهدة صداقة وتعاون منذ 20 عاما.
وقال ألباريس للصحفيين "نحن نحلل نطاق وعواقب ذلك الإجراء على الصعيدين الوطني والأوروبي بطريقة هادئة وبناءة ولكن أيضا بحزم في الدفاع عن إسبانيا ومصالح المواطنين الإسبان والشركات الإسبانية" وأضاف أن إسبانيا تراقب تدفقات الغاز من الجزائر، أكبر مورد لها، والتي لم تتأثر في الوقت الحالي بالخلاف الدبلوماسي بين البلدين.

"حملة لتبرير الموقف"

وقالت الرئاسة الجزائرية، إن "السلطات الإسبانية باشرت حملة لتبرير الموقف الذي تبنته إزاء الصحراء الغربية (إقليم الصحراء) الذي يتنافى مع التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية كقوة مديرة للإقليم".
والمقصود هنا هي تصريحات رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أمام أعضاء البرلمان، التي جدد فيها دعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط في إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو، بينما كانت الجزائر تنتظر تراجعاً أو تصحيحاً لموقف مدريد.
وأكد بيان الرئاسة الجزائرية، أن "السلطات الإسبانية باشرت حملة لتبرير الموقف الذي تبنته إزاء الصحراء، والذي يتنافى مع التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية. كما يتنافى موقف السلطات الإسبانية مع التزاماتها كقوة مديرة للإقليم، والتي لا تزال تقع على عاتق مملكة إسبانيا حتى إعلان الأمم المتحدة عن استكمال تصفية الاستعمار بالصحراء".
كما اعتبرت الرئاسة الجزائرية أن "السلطات الإسبانية تعمل على تكريس سياسة الأمر الواقع الاستعماري، باستعمال مبررات زائفة، وتتحمل مسؤولية التحول غير المبرر لموقفها منذ تصريحات 18 مارس 2022 والتي قدمت الحكومة الإسبانية الحالية من خلالها دعمها الكامل للصيغة غير القانونية وغير المشروعة للحكم الذاتي الداخلي المقترحة من قبل القوة المحتلة".
ومن أهم ما تنص عليه المعاهدة، تعزيز الحوار السياسي بين البلدين على كل المستويات، وتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية والتعليمية والدفاعية، إضافة إلى احترام القانون الدولي، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرفين، إضافة إلى احترام البلدين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعبَين، والعمل على تنمية الحوار بينهما.

لا استيراد ولا تصدير

من جهة أخرى، اعتبرت وسائل إعلام جزائرية، أن "إسبانيا ستخسر كثيراً من تعليق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون الموقعة في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2002، وهي التي عززت حضورها في السوق الجزائرية بموجبها، بالتوقيع على عقود وصفقات بمبالغ مالية مُعتبرَة".
من جهة أخرى، منعت "الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية" في الجزائر، في تعليمة أبرقتها إلى البنوك، إجراء أي عملية توطين بنكي لإجراء عملية استيراد من إسبانيا أو تصدير نحوها. وتستورد الجزائر سنوياً سلعاً بمليارات الدولارات من إسبانيا وإيطاليا، على غرار المعدات والتجهيزات الصناعية والخزف والرخام ومواد أخرى.
ويدخل الإجراء الجديد، بحسب التعليمة حيز التنفيذ بداية من الخميس 9 يونيو (حزيران) الحالي، أي بعد ساعات قليلة على اتخاذ قرار تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا.
في المقابل، سعت الجزائر إلى تعزيز تقاربها مع إيطاليا كشريك موثوق كما تصفه السلطات الجزائرية، وتكلل ذلك باتفاق لزيادة إمدادات الغاز إلى روما، بمعدل 9 مليارات متر مكعب سنوياً، منها 3 مليارات خلال عام 2022.

توقعات بابتعاد المسافة السياسية

وفي خضم هذا التصعيد، يتوقع متابعون للعلاقات الثنائية تصلب الموقف الجزائري أكثر في حال إصرار الحكومة الإسبانية على موقفها، ما قد ينجم عنه تباعد المسافة السياسية بين البلدين ضمن مناخات الأزمة، وهو التحليل الذي طرحه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر زهير بوعمامة قائلاً، إنه "يجب على مدريد أن تفهم أن لكل خيار كلفة تُدفع فوراً"، معتبراً في تدوينه على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "قرار تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار فوراً مع إسبانيا جاء بعدما أضاع رئيس الحكومة (بيدرو سانشيز) فرصة المراجعة التي مُنحت له وقال كلاماً لا يحتمل تأويلاً أمام البرلمان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوقع بوعمامة أن "يكون القادم هو مراجعة أسعار الغاز الذي تبيعه الجزائر إلى إسبانيا بأقل من سعر السوق بكثير، وستكون المعاملة مختلفة، مختلفة تماماً"، مع العلم أن تبون قال في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام، إن بلاده لن تتخلى أبداً عن إمداد إسبانيا بالغاز مهما كانت الظروف، على الرغم من الخلاف بين البلدين.

واستدعت الجزائر في 19 مارس (آذار) الماضي، سفيرها لدى مدريد للتشاور على خلفية موقف مستجد لمدريد بشأن قضية إقليم الصحراء، الذي وصفته بـ"الانقلاب المفاجئ"، إذ جاء في رسالة وجهها رئيس الحكومة الإسبانية، إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، أن مبادرة الرباط للحكم الذاتي في منطقة الصحراء الغربية هي "الأكثر جدية للتسوية في الإقليم المتنازع عليه"، بحسب بيان للديوان الملكي المغربي.

ولاحقاً أعلنت مجموعة "سوناطراك" الجزائرية للمحروقات، المملوكة للدولة، عزمها مراجعة أسعار الغاز مع الشريك الإسباني دون غيره من الزبائن الأوروبيين. وأعقب ذلك تهديد من وزارة الطاقة الجزائرية لنظيرتها الإسبانية، من مغبة تحويل الغاز الجزائري على أوجه أخرى غير المنصوص عليها في العقود المبرمة بين الطرفين.

وتزود الجزائر إسبانيا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "ميدغاز" الذي يربط بين البلدين مباشرة عبر البحر المتوسط، بطاقة 8 مليارات متر مكعب سنوياً. وتجري أشغال توسعة حالياً على الخط لرفع طاقته السنوية إلى 10.6 مليار متر مكعب سنوياً.

مناورات عسكرية

هذه التحركات السياسية، صاحبتها مناورات عسكرية، يجريها الجيش الجزائري، كان آخرها تلك التي تمت الثلاثاء 7 يونيو (حزيران)، إذ بث التلفزيون الحكومي، مشاهد لمناورات ليلية بالذخيرة الحية في مناطق حدودية مع المغرب وإقليم الصحراء المتنازع عليه، تحت شعار "الصمود 2022"، في حين أفاد بيان لوزارة الدفاع أن هدف المناورات هو "اختبار الجاهزية العملياتية ومدى القدرة على تنفيذ وإدارة الأعمال القتالية الليلية وتقييم مدى القدرة على التنفيذ الناجح للمهمات الموكلة في مختلف الظروف".
وأوضح البيان أن المناورة "جرت ليلاً في ظروف قريبة من الواقع لإنجاح تدريب القادة والأركان على تنظيم الأعمال القتالية الليلية"، وهي مناورات نفذتها وحدات القطاع العملياتي الجنوبي بتندوف (جنوب غرب)، بمشاركة وحدات من مختلف القوات والأسلحة. ويقع القطاع العملياتي بتندوف، أقصى جنوب غربي الجزائر، وهو منطقة متاخمة للحدود مع المغرب وإقليم الصحراء المتنازع عليه.
وجاءت هذه المناورات بعد أيام من مناورات أخرى بحرية تحت عنوان "إعصار 2022" أجراها الجيش الجزائري في قاعدة بغربي البلاد تغطي سواحل حدودية مع المغرب وإسبانيا، بمشاركة غواصات، وكانت تحاكي معركة حقيقية ضد هدف في عرض البحر.
وتحضر السلطات الجزائرية لاحتفالات تاريخية ضخمة، تحسباً ليوم الخامس من يوليو (تموز) المقبل، المصادف للذكرى الستين لاستقلال البلاد عن الاستعمار.

وكان آخر عرض عسكري نظمته الجزائر، قبل 32 سنة، وتحديداً عام 1989 بمناسبة ذكرى الثورة الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1954.

وفي تصريحات سابقة، قال الرئيس الجزائري، "ينبغي علينا الإعداد للاحتفاء بالذكرى الستين لعيد الاستقلال"، داعياً كل القطاعات والمؤسسات والهيئات والمجتمع المدني، إلى "وضع برامج في مستوى الحدث، وفاء للذاكرة، وعرفاناً لتضحيات قوافل الشهداء".

المزيد من متابعات