لم ينتظر الرئيس الإيراني حسن روحاني حتى تصله التقارير الأمنية حول الاعتداء الذي تعرضت له ناقلتا النفط على مسافة ليست ببعيدة عن سواحل بلاده في خليج عمان، ولم يكلف نفسه عناء التعليق على هذا الحادث الذي قد يشكل الشرارة التي تشعل حربا واسعة تغير وجه المنطقة. فلم يجر أي تغيير على برامجه المحددة مسبقا، فبعد الوداع الرسمي للضيف الياباني رئيس الوزراء شينزو آبي وزيارته التاريخية لإيران، سارع روحاني إلى الإقلاع بطائرته الرئاسية متجها إلى بيشكك عاصمة قرغيزستان للمشاركة في قمة دول منظمة شنغهاي، والاستعداد لعقد قمة ثنائية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش هذه القمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالقمة الثنائية الإيرانية الروسية على هامش قمة شنغهاي، تعتبرها طهران استكمالا للقمة الثنائية التي استضافتها طهران بين المرشد الأعلى للنظام آية الله علي خامنئي ورئيس الوزراء الياباني بمشاركته مع وزير خارجيته محمد جواد ظريف، وتشكل تمهيداً أساسياً ومحورياً لقمة ثنائية أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأكدها وزير خارجيته مايك بومبيو مع نظيره الروسي بوتين على هامش قمة أوساكا لدول مجموعة G20. خصوصا أن زيارة "آبي" إلى طهران جاءت بعد ضوء أخضر أميركي وحمل فيها رسالة مباشرة من ترمب إلى المرشد الإيراني، وبعد إيجابية روسية سبقت هذه الزيارة والرهان على إمكانية حصول تقدم باتجاه تطويق التوتير الذي تشهده المنطقة.
فمدينة أوساكا التي ستستضيف القمة الثنائية الأميركية الروسية، قد تتحول إلى قمة ثلاثية بمشاركة يابانية، يتم فيها بحث النتائج التي توصل إليها رئيس الوزراء الياباني في مهمته الإيرانية. أو على الأقل قد تشهد "قمم" ثنائية متعددة، يابانية روسية، ويابانية أميركية، ولن يكون الجانب الألماني بعيدا عنها كونه الدولة الأوروبية الوحيدة التي بادرت لزيارة طهران من منطلق أنها واحدة من مجموعة الدول الراعية للاتفاق النووي وأحد أضلع الترويكا الأوروبية التي تعمل على إنشاء آلية تعامل مالي مع إيران للالتفاف على العقوبات الأميركية، وسيكون محورها كلها الأزمة مع إيران وتقويم نتائج زيارة "آبي" إلى طهران ولقائه مع المرشد وما تم الاتفاق حوله بعيدا عن التصريحات الرسمية المعلنة والعلنية.
وعلى الرغم من الحدة التي جاءت في كلام المرشد الإيراني المتعلق برسالة الرئيس الأميركي التي حملها "آبي"، ورفضه تسلمها، إلا أن ردة فعل ترمب على نتائج الزيارة اليابانية كانت أكثر ميلا إلى الحياد منها إلى السلبية، حسب وسائل إعلام إيرانية نقلت ما جاء في تغريدته التي قال فيها "مع شكري الكبير لرئيس الوزراء آبي بسبب سفره إلى إيران ولقائه مع آية الله خامنئي، لكني شخصيا أشعر أنه من المبكر التفكير بالتوصل إلى اتفاق، لا هم مستعدون (لهذا الاتفاق) ولا نحن". ما قد يحمل إشارات على أن الإدارة الأميركية ستعمد في المرحلة المقبلة إلى مزيد من الإجراءات العقابية ضد النظام الإيراني وفرض مزيد من العقوبات وتضييق الخناق عليه، بناء على هذا الموقف السلبي من دعوة الحوار ورفض التفاوض مع الإدارة الأميركية، ما قد يعيد الأمور إلى حافة الهاوية واللعب في المنطقة الخطرة بين توازن الرعب وأتون الحرب، إلا إذا كانت طهران قد حملت "الوسيط" الياباني رسائل تختلف عما صدر في العلن من مواقف عن أعلى موقع في النظام وحدد فيها سقف التنازلات الممكنة بالتأكيد على "حرمة حيازة الأسلحة النووية".
قد تكون الدوائر الأمنية والسياسية الإيرانية مشغولة في استيعاب الصدمة التي أحدثتها التفجيرات التي جرت فجر الثالث عشر من يونيو (حزيران) ضد ناقلتي نفط في خليج عمان، وما تبعها من توجيه التهمة لها بالوقوف وراء هذا الاعتداء، وقد تعمد إلى إعادة النظر في "التفلت" في التصريحات الذي مارسته بعض القيادات العسكرية خاصة من حرس الثورة، ووضع قيود على ما يصدر عنهم، إذ تحولت التصريحات السابقة التي رافقت مرحلة التصعيد العسكري إلى "مادة جريمة" تدين إيران في أي حدث قد تشهده المنطقة. إلا أنها لا تسقط من اعتبارها وجود نية أميركية لإمكانية العودة إلى تبني خيار التصعيد العسكري إلى جانب التصعيد الاقتصادي والعقوبات المشددة، بعد أن انتهت جميع الجهود الدولية والأميركية لجر طهران للجلوس إلى طاولة المفاوضات لطريق مسدود، في ظل الشروط والشروط المتبادلة التي يضعها طرفا الأزمة.
لا شك أن طهران، ستراهن على ما قد يخرج من اللقاءات الثنائية التي ستجرى على هامش قمة أوساكا لدول مجموعة G20 أواخر الشهر الحالي، وستحاول الاختباء وراء الموقف الروسي الذي صدر عن وزير الخارجية سيرغي لافروف حول التفجيرات في خليج عمان واستهدفت ناقلات النفط، والذي دعا إلى عدم المسارعة في اتهام ايران بالوقوف وراءها. وستكون أنظارها معلقة على نتائج القمة الثنائية بين ترمب وبوتين من أجل قطع الطريق على وصول التصعيد إلى مستويات عسكرية مدمرة قد تكون في نتيجتها مجبرة على تقديم تنازلات أكبر وأكثر مما كان مطلوبا منها في ظل مفاوضات سياسية مباشرة مع واشنطن.
لذلك فإن العودة الإيرانية إلى اللعب بأعواد الكبريت، بدفع الأمور إلى مشارف التفجير، قد تكون هذه المرة غير مأمونة النتائج كما حدث في تفجيرات ميناء الفجيرة واستهداف أنابيب النفط السعودية في مدينة ينبع "أنابيب شرق غرب" قبل نحو شهر، وقد يكون من الصعب على واشنطن والمجتمع الدولي السكوت عن ما يمكن أن يكون رسالة إيرانية حملتها مياه خليج عمان، فعمليتا الفجيرة وينبع هددتا واستهدفتا خطوط تصدير دولتين إقليميتين، لكن عملية خليج عمان استهدفت أمن إمدادات الطاقة التي تعني المجتمع الدولي برمته. وهذا ما ضيّق الهامش الذي تلعب فيه على تأرجح القرار الأميركي بين اللجوء إلى عملية عسكرية تعزز حدوثها توجيه أصابع الاتهام المباشرة إلى طهران بالوقوف وراء هذه التفجيرات، وعدم الرغبة في حصول حرب جديدة في الشرق الأوسط قد يكون من الصعب السيطرة على مآلاتها وتداعياتها.