بعد أن ارتبطت هجمات القرصنة في القارة الأفريقية لسنوات بالقراصنة الصوماليين الذين هددوا منطقة القرن الأفريقي وشرق القارة خلال العقدين الماضيين، سلط مجلس الأمن الضوء على مخاطر القرصنة والجرائم البحرية في خليج غينيا، الذي بات مركزاً عالمياً للقرصنة البحرية وعمليات الخطف مقابل الفدية، في منطقة غنية بالنفط والموارد الطبيعية وتضم 17 دولة، بينهم نيجيريا، العملاق الاقتصادي بالقارة، لكنها لا تزال عاجزة أمام هجمات قوارب الصيد السريعة التي تحمل قراصنة مسلحين، ليس فقط بالأسلحة الخفيفة، لكن بالمعلومات حول السفن المستهدفة وحمولتها وطواقمها من البحارة الذين أصبح خطفهم وتعريض حياتهم لخطر الموت، مصدر رزق وفير لكثير من الصيادين الذين أصبحوا الآن قراصنة المنطقة.
وفي ظل ضعف جهود مكافحة الجرائم البحرية المعقدة، من حيث تحديد مفهومها ونطاق المسؤولية عن مواجهتها، سواء في المياه الإقليمية لدول حوض خليج غينيا أو في أعالي البحار، تتبادل دول المنطقة إلقاء اللوم على بعضها البعض نتيجة تفاقم تهديدات الأمن البحري، التي تنشأ بطبيعة الحال على أراضي المنطقة قبل أن تصل إلى مياهها، حيث مشكلات البطالة وسوء توزيع الدخل والفساد والإرهاب الذي تعانيه بلدان غرب أفريقيا أكثر من أي وقت مضى.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، أصبحت الملاحة في خليج غينيا الذي يربط بين ثلاث قارات، تحت رحمة القراصنة بالمعنى الحرفي، حيث تحولت المنطقة الساحلية شمال غربي القارة الأفريقية إلى أخطر منطقة بحرية في العالم بسبب القرصنة. وإضافة إلى سهولة السيطرة على حمولات النفط الخفيف منخفض الكبريت الذي يسهل تكريره بصورة بدائية وبيعه في السوق السوداء، كان هناك 130 بحاراً مختطفاً من بين 135 اختطفوا في العالم خلال 2020، في خليج غينيا، أي ما يعادل 95 في المئة من حوادث خطف البحارة في العالم، وفق المكتب البحري الدولي.
إجماع دولي على مواجهة القرصنة
تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في مطلع شهر يونيو (حزيران) الجاري، وبالإجماع، قراراً نادراً في شأن مكافحة القرصنة في غرب أفريقيا، هو أول قرار يتخذ في شأن مكافحة القرصنة في خليج غينيا منذ عشر سنوات.
وقدمت النرويج وغانا المبادرة، وقادتا عملية التفاوض التي استمرت منذ مطلع العام الحالي، وأدت إلى خروج القرار بإجماع أعضاء مجلس الأمن، بحسب ما ذكرت الحكومة النرويجية في بيان أوضح أيضاً أن "المياه الواقعة قبالة غرب أفريقيا هي الأكثر خطورة في العالم، فقد شكل القراصنة تهديداً على سلامة السفن المبحرة في خليج غينيا قبالة غرب أفريقيا لأكثر من 10 سنوات".
وقالت وزيرة الخارجية النرويجية أنيكن هويتفيلدت، إن تبني مجلس الأمن للقرار خطوة مهمة في مواجهة هذا التهديد، موضحة أن "تحسين الأمن البحري في هذه المنطقة سيساعد على زيادة النمو الاقتصادي للدول الساحلية وتعزيز سلامة البحارة".
وبعث مجلس الأمن برسالة واضحة مفادها أن المرور الآمن في البحر أمر حيوي. وشدد على أنه من الضروري أن يتابع هذا القرار من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ودول المنطقة.
يمتد خليج غينيا من السنغال في الشمال إلى أنغولا في الجنوب، ويغطي ما يقرب من 6000 كيلو متر من الساحل. وفي كل يوم، تبحر نحو 1500 سفينة صيد وناقلة وسفن حاويات في هذه المياه. ويعتبر خليج غينيا منطقة شحن مهمة لنقل النفط والغاز والبضائع من وإلى وسط وجنوب أفريقيا وأوروبا والأميركيتين.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، انتشرت أعمال القرصنة في خليج غينيا، ولا سيما قبالة سواحل نيجيريا، حيث تعمل السفن والأطقم تحت تهديد دائم بالهجوم والسطو المسلح والاختطاف لطلب الفدية.
ويهدف قرار مجلس الأمن إلى مساعدة الدول الساحلية في غرب أفريقيا على وضع التشريعات اللازمة وضمان محاكمة القراصنة المشتبه فيهم. كما يدعو مجلس الأمن إلى زيادة الدعم الدولي وتعزيز التعاون الإقليمي، بينما يؤكد في الوقت نفسه على "مسؤولية كل دولة على حدة".
وقد أدت أعمال القرصنة إلى آثار سلبية كبيرة على الصادرات والتجارة والاستثمارات في البلدان الواقعة على الساحل الغربي لأفريقيا، حيث تقدر دراسة للأمم المتحدة أن القرصنة تكلف الدول الساحلية في خليج غينيا نحو ملياري دولار سنوياً. وتبلغ تكاليف انخفاض الاستثمارات وفقدان النمو الاقتصادي عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى ذلك.
جهود نيجيريا غير كافية
تعد نيجيريا أكبر دولة مطلة على خليج غينيا، وهي أكبر الاقتصادات الأفريقية من حيث حجم ناتجها المحلي الإجمالي الذي بلغ العام الماضي 432.3 مليار دولار، وهي أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان. والقوات البحرية النيجيرية هي الأكبر على ساحل غرب أفريقيا، لكنها لا تزال تفتقر إلى القدرة على معالجة انعدام الأمن والقرصنة في خليج غينيا.
ومع طفرة القرصنة خلال السنوات الأخيرة، أطلقت نيجيريا الصيف الماضي مشروع "ديب بلو" لمكافحة القرصنة في خليج غينيا، وتكلفته 195 مليون دولار أميركي، ويضم مجموعة من السفن والطائرات العسكرية والطائرات المسيرة و600 جندياً مدربين تدريبات خاصة، و16 عربة مدرعة، وأربع طائرات مسيّرة، و17 قارب اعتراض سريعاً لتأمين الممرات الملاحية المزدحمة قبالة سواحل نيجيريا، وجاء بعد صدور قانون مكافحة القرصنة والجرائم البحرية في عام 2019.
الرئيس النيجيري محمد بخاري قال في حفل إطلاق "ديب بلو" في العاصمة الاقتصادية للبلاد لاغوس، "يأتي هذا الحشد لأصول الأمن البحري الجديدة في وقت عصيب تتمحور فيه النقاشات العالمية حول القرصنة والبعد الجديد الذي اتخذته في منطقة خليج غينيا".
ويرى مراقبون أن اللوم دائماً ما ينصب على نيجيريا مع تكرار حوادث القرصنة الكبيرة قبالة سواحلها أو في أي موقع آخر من خليج غينيا. ويقول الكاتب تولا أدينوبي في مقال بصحيفة "نيجيريان تريبيون"، إن دور الأخ الأكبر الذي لعبته نيجيريا في منطقة غرب أفريقيا على مر السنين كان سبباً رئيساً في إلقاء اللوم عليها بمجرد انعدام الأمن في مياه خليج غينيا، لكن السبب الأبرز هو توقيعها بالفعل مع المنظمة البحرية الدولية على رعاية تلك المنطقة الممتدة حتى أنغولا، واستضافتها للمركز الإقليمي لتنسيق جهود البحث والإنقاذ البحري، على الرغم من أن مياهها الإقليمية تتوقف عند مسافة 24 ميلاً بحرياً من سواحلها.
وفقاً لبيانات المكتب البحري الدولي، كانت المرة الوحيدة التي شهدت فيها دولة أخرى عدداً أكبر من هجمات القرصنة في مياهها مقارنةً بنيجيريا بين عامي 2009 و2020 عندما تعرضت بنين لـ18 هجوماً مقارنةً بسبعة هجمات في نيجيريا، في عام 2011، وتعد بطالة الشباب ومشكلات التهميش في نيجيريا من الأسباب الجذرية للقرصنة، حيث يؤدي غياب العدالة في توزيع الثروة إلى دفع الشباب نحو القرصنة وسرقة النفط من أجل كسب لقمة العيش، بحسب تقارير دولية.
في مايو (أيار) الماضي، دخل قانون جديد مصمم لمواجهة جرائم خطف السفن من أجل الفدية في نيجيريا حيز التنفيذ، بعد أن كانت تلك الجرائم تقع ضمن نطاق قانون أوسع لمكافحة الإرهاب في البلاد، الذي كان يؤثر على أي مفاوضات مع القراصنة وأي مدفوعات فدية لإطلاق سراح البحارة، وهدف القانون الجديد تشديد العقوبات المفروضة على مرتكبي جرائم الإرهاب ومموليهم. ويرى مراقبون أن ذلك سيعمل على عدم مضاعفة محنة ضحايا الاختطاف الأبرياء وأولئك الذين يسعون إلى دفع فدية بشكل قانوني للحصول على إطلاق سراحهم بأمان، لكن أصحاب هذه المقولات لم ينظروا إلى آثارها العكسية المتمثلة في تشجيع مزيد من عمليات الخطف من دون قصد.
هل تقود الدنمارك مكافحة القرصنة؟
تسعى الدنمارك خلال العامين الماضيين إلى تشكيل ائتلاف دولي لمكافحة القرصنة في خليج غينيا، كما نشرت سفينة حربية قبالة سواحل غرب أفريقيا العام الماضي، بعد أسابيع من تعرض ناقلة مملوكة لها لهجوم من قبل قراصنة في خليج غينيا، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أطلقت السلطات الدنماركية سراح ثلاثة أشخاص في عرض البحر بعد أن وجهت لهم تهم القرصنة، وذلك بعد أن يزيد على شهرين من احتجاز أربعة متهمين بالقرصنة على متن سفينة حربية في خليج غينيا، ونقلت للمرة الأولى شخصاً متهماً بالقرصنة البحرية إلى أراضيها لمحاكمته، وهو ما اعتبره وزير العدل الدنماركي نك هاكيروب "سيردع قراصنة آخرين عن مهاجمة السفن".
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، طاردت الفرقاطة الدنماركية "إسبيرن سناري" المجهزة بطائرات الهليكوبتر والتي تضم 175 بحاراً، زورقاً للقراصنة في جنوب نيجيريا، وقتلت 4 قراصنة وأصابت آخر. وقالت الحكومة الدنماركية إن جنودها تصرفوا "دفاعاً عن النفس"، وردوا بإطلاق النار بعد أن أطلق القراصنة النار عليهم.
لم يكن هذا الاهتمام الدنماركي مستغرباً، فهناك 50 سفينة تابعة لمجموعة "ميرسك" الدنماركية، وهي أكبر شركة شحن في العالم تعبر خليج غينيا يومياً، وهناك ما بين 30 إلى 40 سفينة تديرها الدنمارك تبحر عبر خليج غينيا، ووجهت المجموعة، العام الماضي، نداء من أجل تدخل بحري دولي سريع لمكافحة عمليات القرصنة في خليج غينيا، على غرار العملية الأوروبية "أتالانتي" لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، التي انطلقت في 2011.
كما شاركت كوبنهاغن، إلى جانب القوات البحرية من الولايات المتحدة وفرنسا وهولندا وإيطاليا ودول المنطقة وعلى رأسها نيجيريا التي نشرت 10 سفن حربية ومروحيتين، في مناورات "أوبانغام إكسبرس 2022" التي استمرت ثمانية أيام في المياه الإقليمية لخليج غينيا خلال شهر مارس (آذار) الماضي، وذلك بعد عام من مشاركة نيجيريا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا في مناورات بحرية بخليج غينيا، بهدف "تحسين قدرات الاعتراض التكتيكي في إطار مكافحة القرصنة وغيرها من الأنشطة غير المشروعة" في الخليج، بالتزامن مع إرسال الدنمارك فرقاطة إلى المنطقة للمرة الأولى.
ووفقاً لوزيرة الدفاع الدنماركية، ترين برامسن، أرسلت الدنمارك فرقاطتها "لأن الأمن البحري يتعرض للتحدي. القراصنة وراء الكثير من عمليات الخطف الخطيرة في المنطقة. إنهم يهددون أمن الطواقم الدنماركية والأجنبية. في مثل هذه الحالة لا يمكننا أن نراقب فقط. يجب أن ندافع عن الحق في حرية الملاحة. وقد أثبتت البحرية الدنماركية في السابق أنها قوية ومهمة في مكافحة القراصنة. ومع ذلك، إذا أردنا حقاً السيطرة على الأمن في خليج غينيا، فإن الوجود العسكري الدولي ضروري. من الجانب الدنماركي، نحاول جعل مزيد من الدول تتحمل المسؤولية".
الصين على سواحل الأطلسي
مهدت جهود مكافحة القرصنة الصومالية الطريق أمام أول انتشار عسكري للصين خارج أراضيها، عندما أعلنت افتتاحها للقاعدة البحرية في جيبوتي عام 2017، والآن أصبحت تقارير الاستخبارات الأميركية تحذر من سعي الصين إلى بناء أول قاعدة عسكرية لها بمنطقة خليج غينيا على المحيط الأطلسي، ما يجعلها أقرب أكثر من أي وقت مضى للساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية ومناطق النفوذ التقليدي لحلف "الناتو"، وتحديداً المحور الاستراتيجي الجنوبي للحلف.
وكشفت وسائل الإعلام الأميركية أخيراً عن سعي الصين إلى بناء قاعدة بحرية عسكرية قبالة سواحل غينيا الاستوائية، وهو ما سبقه تحذيرات قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن تاونسند، خلال شهادة أمام مجلس الشيوخ العام الماضي، حول مخاطر بناء الصين منشأة بحرية على ساحل المحيط الأطلنطي، بما يهدد هيمنة بلاده على المحيط، ويعزز قدرة بكين على إعادة تسليح سفنها الحربية قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وفي المقابل، ترى بكين أن التهديدات الأمنية لاستثماراتها وللمواطنين الصينيين في نيجيريا ودول أخرى بالمنطقة تستدعي حضورها، حيث تحتل الصين المرتبة الأولى في العقود الإنشائية للبنية التحتية في نيجيريا.
وتنفي بكين نيتها الاحتفاظ بوجود عسكري في المحيط الأطلسي. والشهر الماضي، استضافت البحرية الصينية ندوة عبر الإنترنت حول الوضع الأمني في خليج غينيا بمشاركة 19 من دول المنطقة. وقال قائد البحرية الصينية الأدميرال دونغ جون، إن الأمن البحري العالمي يواجه في الوقت الحالي حالة من عدم الاستقرار، مع تصاعد أنشطة القرصنة في خليج غينيا، داعياً القوات البحرية الصينية والأفريقية إلى الحفاظ على الاحترام المتبادل لحماية السلام البحري بشكل مشترك.
وأصبح خليج غينيا أحد أكثر البحار جاذبية للصيادين الصينيين خلال السنوات الماضية، وسط غضب الصيادين المحليين، وهو ما جعل الزوارق والسفن الصينية هدفاً مفضلاً أيضاً للقراصنة بالمنطقة، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 اختطف القراصنة 14 صينياً من على متن سفينة بضائع، وفي فبراير (شباط) 2021 استولى القراصنة قبالة ميناء بور جانتي الغابوني على سفينة الصيد الصينية "ليانبنغيو 809" والتي استخدموها لاحقاً لمهاجمة ناقلات نفط في المنطقة، من بينها الناقلة "ماريا أو" التابعة لشركة "توتال" والتي استولوا عليها أيضاً.
ويرى الباحث النيجيري، حكيم ألادي نجم الدين، أن منطقة خليج غينيا أصبحت ساحة من ساحات التنافس الأميركي - الصيني، حيث يسعى الطرفان إلى التأثير على أعضاء "لجنة خليج غينيا" والحصول على "حصة من الخليج وخيراته"، وفي مقابل مساعي واشنطن لإنشاء تحالف أميركي - أوروبي لمواجهة الصين في خليج غينيا، تركز الصين على المساعدة في بناء القدرات في المنطقة، بما في ذلك تسليم زوارق وسفن دورية حديثة إلى أساطيل خليج غينيا لمواجهة القرصنة، لكن الهدف من تقديم الصين لهذه المساعدات هو لتعزيز نفوذها، حيث كان الصيد الجائر الذي تمارسه الصين منذ السنوات الماضية في الخليج يهدد تنمية قطاع صيد الأسماك في غرب أفريقيا ويعوق أعمال الصيادين الأفارقة ومصدر رزقهم، ولم نَرَ إلى اليوم خطوة جدية من الحكومات الأفريقية المعنية ضد التجاوزات الصينية في مياهها. وأشار إلى أن خطة الصين لإقامة قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية تمثل رد فعل للوجود العسكري الأميركي في تايوان وتوغلات البحرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي.
ورغبة من دول المنطقة في تجاوز هذا التنافس الدولي، أوضح نجم الدين أن دعوة مجلس الأمن جاءت بعد جهود قادتها غانا والنرويج لمكافحة القرصنة في خليج غينيا، والضغط من أجل استجابة دولية فعالة لآفة القرصنة التي تكلف دول ساحل خليج غينيا نحو ملياري دولار سنوياً، كما أن مسعى الأمم المتحدة يحاول مواكبة تكتيكات القراصنة الذين يغيرون استراتيجياتهم وفق هدفهم للقيام بعمليات اختطاف البحارة من أجل الحصول على فدية إلى جانب سجلهم المستمر في سرقات البضائع والبترول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتكمن أهمية الخليج، بحسب الباحث، في موقعه الاستراتيجي، وتمتعه باحتياطيات هائلة من الهيدروكربونات ومصايد الأسماك والموارد المعدنية، كما أن المنطقة الساحلية المحيطة بخليج غينيا تضم 17 دولة أفريقية، وحدود تسعة من دول الخليج على المحيط الأطلسي. كما أن دول الخليج تمثل ما يقرب من 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
قرصنة وتنافس دولي من أجل النفط
مع تزايد حاجة أوروبا إلى مصادر بديلة للطاقة الروسية في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حربها في أوكرانيا، تنامى الاهتمام الدولي بمنطقة خليج غينيا التي تمثل "منطقة الخليج العربي" بالنسبة إلى أفريقيا من حيث إنتاج الذهب الأسود.
وتمثل المنطقة 25 في المئة من حركة النقل البحري الأفريقية، وتضم 20 ميناءً تجارياً. وخليج غينيا هو طريق الوصول الأساسي من وإلى أكبر منتجين للنفط في أفريقيا، نيجيريا وأنغولا. وتمثل المنطقة ثلثي إنتاج النفط في أفريقيا، وتملك نحو 5 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم و2.7 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة. وتمر نحو 30 في المئة من واردات النفط الأميركية عبر الخليج، وتشارك فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وهولندا في التنقيب عن النفط والغاز هناك.
وتقول نسرين الصباحي، الباحثة بوحدة الدراسات الأفريقية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، إن منطقة خليج غينيا تعتبر ساحة نفوذ جديدة للقوي الدولية، لكونها غنية بالموارد الطبيعية، وتحديداً النفط، فهي قريبة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، في ظل أهمية النفط في معادلة أمن الطاقة الأميركي، وتكلفة النقل المنخفضة من هذه المنطقة مقارنةً بمناطق أخرى مثل الشرق الأوسط، وبحر قزوين، فيما تمثل قضايا الأمن البحري في خليج غينيا أهمية قصوى للصين، لتأمين استثماراتها التجارية المتنامية في القارة الأفريقية بشكل عام، ومنطقة خليج غينيا وساحل المحيط الأطلنطي بشكل خاص. وعلاوةً على ذلك، تعمل فرنسا للحفاظ على مصالحها، بعد انسحاب قوة برخان الفرنسية وقوة تاكوبا الأوروبية من مالي، من خلال إعادة تموضعهما في النيجر، والاتجاه جنوباً إلى الدول الساحلية في منطقة خليج غينيا، في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية الأخيرة وانتقال عدوى الإرهاب لدول هذه المنطقة.
وبحسب الباحثة، تختلف القرصنة في هذه المنطقة عن سواحل الصومال، فالقراصنة في الأخيرة يستهدفون السفن كجزء من مخططات الاختطاف وأخذ الرهائن مقابل الفدية، في حين يختطف قراصنة غرب أفريقيا بشكل أساسي السفن لاستهداف النفط الخام تمهيداً لبيعه في السوق السوداء، مستفيدين من التحول الكبير في جغرافية القرصنة البحرية.