ملخص
مع تزايد التساؤل عن دور "حزب الله" خلال المرحلة المقبلة ومصير سلاحه الموجود شمال نهر الليطاني، تلتقي قوى المعارضة وبعض من القوى الصديقة والحليفة السابقة للحزب على شعار رفض العودة إلى الوراء وإلى ما قبل الثامن من أكتوبر.
شكل اتفاق وقف النار بين إسرائيل و"حزب الله" نقطة تحول في مجرى الأمور وأوضاع لبنان والمنطقة، ليس فقط لأنه يضع حداً لحرب مدمرة، وإنما لأنه يفتح آفاقاً جديدة يمكن أن تنقل لبنان إلى مرحلة جديدة ومكان آخر. وعلى رغم التناقضات والقراءات المتباينة لمضمون الاتفاق الذي لم يطلع عليه اللبنانيون سوى من خلال ما سرب في الإعلام، فإن الخلاصة الأساس هي أن إسرائيل ربحت في هذه الحرب بالنقاط وليس بالضربة القاضية، أما "حزب الله" فخسر في الحرب كثيراً لكنه لم يُهزم. وإذا كانت إسرائيل تمكنت من خلال اتفاق وقف إطلاق النار من تحقيق ما أرادت الحصول عليه بالقوة، يعتقد كثر أن الحزب قد يلجأ إلى أن يعوض بالسياسة ما خسره في الحرب وعلى الأرض، خصوصاً أن الاتفاق لم يتطرق إلى سلاح الحزب خارج منطقة جنوب نهر الليطاني. ومن هنا فإن شعور الارتياح من انتهاء كابوس الحرب الذي عبر عنه جميع اللبنانيين يترافق مع قلق لدى كثر من أن يتصرف الحزب بالطريقة نفسها التي اعتمدها بعد حرب يوليو (تموز) 2006، وأن تكون الفترة الحالية هدنة موقتة يحتفظ خلالها بسلاحه ليستعد لمغامرات جديدة والاستقواء على الداخل. ومع تزايد التساؤل عن دور الحزب خلال المرحلة المقبلة ومصير سلاحه الموجود شمال نهر الليطاني، تلتقي قوى المعارضة وبعض القوى الصديقة والحليفة السابقة للحزب على شعار رفض العودة إلى الوراء وإلى ما قبل الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، ويتمسك "الحزب التقدمي الاشتراكي" وكذلك "التيار الوطني الحر" بحصر السلاح في يد الدولة ضمن استراتيجية دفاعية يُتفق عليها بعد انتخاب رئيس للجمهورية، أما حزب "القوات اللبنانية" فيعلن رفض المساومة مع السلاح غير الشرعي مؤكداً أن الأساس هو نزع سلاح الحزب بدءاً من جنوب الليطاني، كمبدأ دستوري بامتياز.
انتصار لسيادة الدولة
ولا يشير عضو كتلة "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب هادي أبو الحسن إلى انتصار لـ"حزب الله" عندما يعلق على اتفاق وقف إطلاق النار، لكنه يتحدث عن انتصار لمنطق السلام في مواجهة منطق الحروب التي لم تنتج شيئاً كما يقول، ويضيف "إنه انتصار للبنان بسيادته خصوصاً عندما نتحدث عن تطبيق القرار الدولي 1701 بكامل مندرجاته وكل القرارات الدولية واتفاق الطائف، وهذا انتصار للبنان من خلال بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها". ويشدد النائب الاشتراكي على "أهمية الاتفاق لأنه يحفظ حدود لبنان وكل شبر من أرضه والوحدة الوطنية اللبنانية شرط الإحسان في تطبيقه". أما عن دور "حزب الله" خلال المرحلة المقبلة وسلاحه، فيؤكد أبو الحسن "أن الحزب مكون لبناني أساس ويمثل جزءاً من اللبنانيين وهو موجود في الحياة السياسية اللبنانية من خلال مجلس النواب والحكومة، من ثم فإنه يستطيع أن يلعب دوراً أساساً مع باقي المكونات السياسية، وأن ننعم جميعاً بهذا البلد تحت مظلة وثيقة الوفاق الوطني وتطبيق مندرجاتها وتطبيق مندرجات الـ1701 لجهة حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، ومن خلال آليات يتفق عليها بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وترتكز على الاستراتيجية الدفاعية". ولا يمكن، يتابع أبو الحس، "إلا أن أقرأ في الاتفاق إيجابية، لكن مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية وضرورة تطبيقه خصوصاً أنه آن الأوان للبنان أن يرتاح وكذلك الشعب اللبناني"، مشدداً على التأييد المطلق للجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية، ويشير إلى أهمية انسحاب الوحدة الشعبية التي تجلت في استضافة النازحين على المستوى السياسي وأن تكون هناك مقاربة واعية وعدم الذهاب إلى عناوين تشكل انقساماً.
ما بعد الاتفاق ليس كما قبله
من جهته يعلق عضو تكتل "التيار الوطني الحر" النائب غسان عطا الله على اتفاق وقف إطلاق النار بالقول "كنا نتمنى أن نطلع عليه بصورة أوضح، وما وصلنا منه جاء بصورة متنقلة بجزء نقله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، وجزء آخر نشر في الإعلام ولكن لم يعرض على الكتل النيابية ويناقش قبل إنهاء التفاوض عليه من قبل معظم اللبنانيين". ويتابع عطا الله أن أفضل ما في هذا الاتفاق أنه أوقف الحرب والدمار والقتل، متمنياً أن تكون الصيغة المحددة تعطي ضمانات لوقت طويل ولا نعود للعيش في أزمة متكررة على فترات متقطعة من الزمن. ويرى عطا الله أن الوضع بعد الحرب بات مختلفاً عما كان عليه قبل الحرب وأن قضية السلاح باتت تحتاج بإلحاح إلى حوار بين جميع اللبنانيين، يعالج فيه هذا الموضوع من خلال استراتيجية واضحة تترك للبنان قوة معينة للدفاع عن نفسه حال حصول أي هجوم عليه، ويكون القرار من خلال الدولة ويتفق جميع اللبنانيين على هذه الصيغة، ويعد أن الأمور لا يمكن أن تستمر كما كانت عليه ولا أن تُتخذ القرارات بالصورة الذي كانت سابقاً. ويؤكد الحليف السابق لـ"حزب الله" أن موضوع السلاح لا يحل بالقوة بل بالاتفاق بين اللبنانيين "الذين يجب أن يتجنبوا الفتنة ولا يقدموا لإسرائيل هدية خلال فترة الهدنة التي نص عليها الاتفاق".
دور السلاح انتهى
وفي حزب "القوات اللبنانية" يتريث عضو تكتل الحزب النائب أنطوان حبشي في التعليق على مضمون الاتفاق حتى الاطلاع عليه بصورة كاملة، لكنه لا يتردد ولا يتريث في إعلان رفض بقاء سلاح "حزب الله" خلال المرحلة المقبلة، وبالنسبة إلى حبشي "هو اتفاق حصل بين ’حزب الله‘ وإسرائيل وتفسير أبعاده سيحتاج إلى بعض الوقت حتى تتضح كل بنوده، أما مسألة السلاح فهي واضحة ولا تنتظر اتفاقاً من هنا أو من هناك". ويستغرب النائب القواتي التناقض في مواقف الحزب "الذي من جهة يصف الولايات المتحدة الأميركية بالشيطان الأكبر، ومن جهة أخرى يسلم مصيره لها فينتظر وسيطها هوكشتاين للحصول على وقف إطلاق النار، ويوافق على أن تكون الحكم في ملف الترسيم البري". وينتقد حبشي عودة الحزب ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (حزب الله) النائب محمد رعد إلى ما يصفه بالسرديات القديمة غير المقبولة، ويرد بأن معادلة "شعب وجيش ومقاومة" سقطت بعدما ظهر الشعب مغلوباً على أمره والجيش متلقياً لمفاعيل انخراط الحزب في الحرب من دون أي استعداد لها، "والمقاومة خسرت كل بنيتها التي بنتها لمدة 40 عاماً، أما الكلام عن هذه المعادلة فيعني أن سلاح ’حزب الله‘ ليس لمواجهة إسرائيل إنما للداخل اللبناني، كما كانت أحداث السابع من مايو (أيار) وغيرها". ويشدد على "أن سلاح ’حزب الله‘ لم يعد له أي دور وأن عليه أن يسلمه ويرتضي بتطبيق الدستور بالكامل ويتجه إلى العمل السياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"فائض القوة" فقد شرعيته
ويعد حبشي أن "المدخل الأساس للعيش معاً في بلد واحد هو أن يحصر الحزب عمله بالسياسة وأن تكون له كتلة وازنة في مجلس النواب يتمكن من خلالها من التأثير والمشاركة بالقرارات في لبنان، وأن يبرهن أن لديه القدرة على إجراء قراءة عقلانية وواقعية وليست غيبية لكل ما حصل. أما عكس ذلك فيعني أنه مستمر في المغامرة بلبنان والاتجاه نجو المجهول وليس قادراً على قراءة الواقع ولا بأية طريقة". ويرى حبشي أيضاً أن منطق المكابرة أوصل الحزب إلى ما وصل إليه "وأن منطق فائض القوة فقد شرعيته والنقاشات التي لا معنى لها لن تعود والأفكار الممجوجة مثل شعب وجيش ومقاومة سقطت نهائياً، لأن أصحابها أثبتوا في كل الظروف أنهم غير قادرين على حماية أنفسهم ولبنان، وأنهم يعودون في النهاية إلى التفاوض مع عدوهم وينتظرون منه الجواب، وهم ينتظرون حالياً أن يسمح لهم بالعودة إلى قراهم". ويضيف متوجهاً إلى المسؤولين في الحزب "فلنوقف هذه المغامرات وبيع الوهم للناس والعودة إلى لبنان وتطبيق الدستور وبناء الدولة، مما يعني حصرية السلاح، لأن السلاح لا مكان له في الداخل اللبناني".
لن نقبل بقاء السلاح
وبحسب النائب المستقل بلال الحشيمي فإن "الاتفاق لن يؤثر في دور ’حزب الله‘ كمجموعة مسلحة في الداخل ومضمونه يتحدث أكثر عن ترتيب الوضع الأمني في جنوب لبنان والحد من تحركات الحزب هناك". ويستند الحشيمي باستنتاجه هذا إلى موقف نائب "حزب الله" حسن فضل الله الذي أكد أنهم كجماعة باقون وأن الحزب كناية عن تنظيم سري وباق في مناطقه. ويعد النائب البقاعي (شرق) أن اتفاق وقف إطلاق النار سيعزز دور الجيش اللبناني "وهو ما لن يرتاح له ’حزب الله‘، لأنه يقدم نفسه كقوة الردع الوحيدة في مواجهة إسرائيل، وأنه هو من أجبرها على وقف إطلاق النار".
ويضيف "الاتفاق ينص على انسحاب مسلحي الحزب إلى جنوب نهر الليطاني ولكن ماذا بعد ذلك؟" ويذكر بكلام للأمين العام للحزب الراحل حسن نصرالله قال فيه إن "الانسحاب من الجنوب لا يعني تسليم الحزب السلاح وإن خطر ’داعش‘ على الحدود مع سوريا لا يزال يحتم بقاء السلاح". ويعتقد أن الحزب لن يقبل بتسليم سلاحه وأنه سيسعى إلى كسب الوقت حتى يعزز وجوده السياسي داخل الدولة، "ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل نحن كلبنانيين مستعدون أن نقبل ببقاء سلاح الحزب؟ خصوصاً بعدما اتضح أن الحرب التي دخلها ’حزب الله‘ كانت من أجل إيران وتعزيز شروطها ولم تكن حرباً لمصلحة لبنان ولم يحقق شعار الإسناد هدفه". ويشدد على "أن اللبنانيين لن يقبلوا ببقاء سلاح الحزب بعدما لم يؤد واجبه ولم يحرر الأرض بل بالعكس أدخلنا في متاهة لم نعد نعرف كيف نخرج منها".