يتصاعد التوتر بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في شأن الأزمة بين الجزائر وإسبانيا، فقد نددت الجزائر بـ"تسرع" الاتحاد ورد فعله "من دون التشاور المُسبق" مع حكومتها.
وأعلنت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، في بيان، الجمعة 10 يونيو (حزيران)، أن بلادها "ستحترم التزاماتها بتوريد الغاز إلى إسبانيا، لكن على الشركات الإسبانية الوفاء بالتزاماتها التعاقدية".
وكان الاتحاد الأوروبي قد حذر الجزائر، الجمعة، من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا، وهي قيود نفتها بعثة الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي.
وعلقت الجزائر، الأربعاء، "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون" التي أُبرمت عام 2002 مع إسبانيا، بعد تغيير مدريد موقفها في شأن الصحراء الغربية.
وفي 18 مارس (آذار) عدّلت إسبانيا بشكل جذري موقفها من قضية الصحراء الغربية الحساسة لتدعم علناً مقترح الحكم الذاتي المغربي، مثيرة بذلك غضب الجزائر، الداعم الرئيس لـ"الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (بوليساريو).
الرد الإسباني
من جهته، قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، "سندافع بقوة عن شركاتنا ومصالح إسبانيا التي هي أيضاً شركات أوروبية" وتحمل "مصالح الاتحاد الأوروبي".
وأضاف ألباريس أنه في حين أن حل الخلاف "بيد المفوضية" فإن "رغبة إسبانيا هي أن يتم حله في أقرب وقت ممكن عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية العادية".
وبعد أن دعت بروكسل السلطات الجزائرية، الخميس، إلى "إعادة النظر في قرارها"، عادت وقالت، الجمعة، إنها "تمد اليد للسلطات الجزائرية لتوضيح الموقف بسرعة"، مؤكدة أنها "لا تزال تفضل الحوار لحل الخلافات".
قرار مقلق
وفي بيان مشترك، اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس أن هذا القرار "مقلق للغاية".
وأضاف البيان، "نقيم تداعيات الإجراءات الجزائرية"، ولا سيما التعليمات الصادرة إلى المؤسسات المالية "لوقف المعاملات بين البلدين، والتي يبدو أنها تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، خصوصاً في مجال التجارة والاستثمار".
وأكد المسؤولان الأوروبيان بعد اجتماع في بروكسل مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، أن "من شأن ذلك أن يؤدي إلى معاملة تمييزية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ويضر بممارسة حقوق الاتحاد بموجب الاتفاقية"، ولوّحا بأن الاتحاد الأوروبي "مستعد لمعارضة أي نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو".
وختم بوريل ودومبروفسكيس بأن "الجزائر شريك مهم للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط وفاعل رئيس في الاستقرار الإقليمي. ونأمل أن يتم باسم شراكتنا القوية والطويلة الأمد، إيجاد حل سريع لاستعادة العلاقات التجارية والاستثمار بشكل كامل".
لا اضطراب في تسليم الغاز لإسبانيا
وأبدت بعثة الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي أسفها لأن المفوضية "لم تتحقق" من أن "تعليق الجزائر معاهدة سياسية ثنائية مع شريك أوروبي، في هذه الحالة إسبانيا، لا يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التزاماتها الواردة في اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي".
وأضافت البعثة الجزائرية، في بيان بالفرنسية، أنه "في ما يتعلق بإجراء الحكومة المزعوم بوقف المعاملات الجارية مع شريك أوروبي، فإنه موجود في أذهان من يدعونه ومن سارعوا إلى استنكاره فحسب".
ونفت الجزائر أي اضطراب في تسليم الغاز لإسبانيا. وأورد البيان، "لقد سبق للجزائر أن أوضحت من خلال... رئيس الجمهورية أنها ستستمر في الوفاء بكل الالتزامات التي تعهدت بها في هذا السياق، على أن تفي الشركات التجارية المعنية بكل التزاماتها الواردة في العقود".
ماذا فعلت الجزائر؟
أمرت رابطة المصارف الجزائرية بوقف المدفوعات من إسبانيا وإليها، الأمر الذي يؤثر على كل جوانب التجارة عدا إمدادات الغاز، وفقاً لمصادر جزائرية.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد قال في وقت سابق إنه لن يفسخ عقود إمدادات الغاز بسبب الخلاف.
ما أهمية غاز الجزائر لإسبانيا؟
تستورد إسبانيا "فعلياً كل" احتياجاتها من الغاز، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
زودت الجزائر إسبانيا بربع وارداتها من الغاز في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أبريل (نيسان)، على الرغم من أنها كانت منخفضة مقارنة معها قبل نحو نصف عام بعد أن توقفت الجزائر عن استخدام خط أنابيب يعبر المغرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
يتدفق الغاز عبر خط أنابيب ميدغاز البحري، الذي تمتلك فيه شركة "سوناطراك" الجزائرية المملوكة للدولة 51 في المئة ومجموعة "ناتورجي" الإسبانية للغاز 49 في المئة. ويصل من طريق السفن على شكل غاز طبيعي مسال.
وكانت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز لإسبانيا في الأشهر الأربعة الأولى من العام، متقدمة على الجزائر ونيجيريا.
ما الشركات الإسبانية التي لها علاقات مع "سوناطراك"؟
ترتبط "ناتورجي" بعقود توريد طويلة الأجل مع "سوناطراك". عندما تم تجديدها في عام 2018، غطت تلك العقود 30 في المئة من استهلاك إسبانيا. اتفق البلدان على تعديل العقود في 2020 بعد أن دمرت جائحة "كوفيد-19" الطلب عالمياً، لكن لم يفصحا عن الشروط الجديدة.
تملك "ريبسول" الإسبانية أيضاً حصصاً في أربعة مشاريع للنفط والغاز في الجزائر. وتقوم مع "سوناطراك" و"فينترشال" بتشغيل حقول غاز رقان/ شمال، التي تبلغ طاقتها الكاملة ثمانية ملايين متر مكعب في اليوم.
وتمتلك "سيبسا"، وهي شركة تكرير إسبانية يسيطر عليها صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي، مشاريع تطوير في ثلاثة حقول نفط جزائرية وحقل غاز واحد.
ماذا تقول حكومة إسبانيا؟
سُئلت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا، في مقابلة مع إذاعة "أوندا سيرو"، عما إذا كانت واثقة من أن "سوناطراك" ستواصل احترام عقودها، فأجابت بأن "العلاقات التجارية القائمة بين سوناطراك التي تبيع الغاز والشركات الإسبانية التي تشتري الغاز علاقات تعاقدية وتجارية، وأنا على ثقة من أنها ستبقى كما هي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضافت، "إذا لم يكن الأمر كذلك، فستكون تلك مشكلة مختلفة وأكثر تعقيداً سيتم حلها، ليس من خلال الدبلوماسية، ولكن ربما من خلال التحكيم أو المحاكم. في الوقت الحالي، لديّ ثقة كبيرة".
وأشارت ريبيرا إلى "عملية معقدة لمراجعة الأسعار بين الموزع الجزائري والمشترين الإسبان"، مضيفة، "لا شيء يجعلنا نعتقد أن هذا يمكن أن ينهار من جانب واحد بسبب قرار للحكومة الجزائرية".
ولم ترد "سوناطراك" على طلبات من "رويترز" للتعليق.
ماذا تقول الشركات؟
تقول "ناتورجي" إنها "تعمل بشكل طبيعي مع شريكتها الجزائرية التاريخية سوناطراك".
وقال الرئيس التنفيذي فرانشيسكو رينيس لصحيفة "لا فانجارديا"، الأسبوع الماضي، إن الشركة تعاقدت على إمدادات الغاز مع "سوناطراك" حتى عام 2032، مع بنود لمراجعة الأسعار كل ثلاث سنوات.
وتجرى محادثات في شأن أحدث مراجعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني). وقال رينيس إن الرئيس التنفيذي لـ"سوناطراك" قال بالفعل إن الأسعار سترتفع.
وأضاف للصحيفة، "هذا لا علاقة له بغزو أوكرانيا... والتوصل إلى اتفاق ليس سهلاً لأن العوامل المحددة تتغير يومياً. لا أحد يشك في أن الغاز أصبح اليوم أغلى مما كان عليه قبل نحو ثلاث سنوات".
وامتنعت "ريبسول" و"سيبسا" عن التعليق بخصوص القيود التجارية.