في حين تأتي الاحتفالات صاخبة ابتهاجاً بانطلاق بث منصة "ديزني بلس" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث عقدت مؤتمرات وأمسيات باهرة في أوبرا دبي بمناسبة هذا الحدث، كانت هناك موجة من الهجوم والتشكك والاتهامات التي لم تلقَ رداً، فتلك المنصة التي انتظرها الجمهور العربي طويلاً بمكتبتها العامرة ورصديها الهائل وشعبيتها المتوارثة عبر الأجيال، تزامن الترويج لانطلاقتها الشرق أوسطية مع إعادة تداول تصريحات مربكة لمسؤولة بارزة فيها أثارت الحيرة.
وانتشر فيديو لكاري بيرك، مسؤولة المحتوى في الشركة، تتحدث في مقابلة أجريت عن بعد، عن خطة الشركة التي تهدف إلى زيادة الشخصيات التي تنتمي لمجتمع المتحولين جنسياً والمثليين من خلال أعمالها، وأن يسود هذا التوجه في الجانب الأكبر من محتوى مشاريع مؤسسة الترفيه الأبرز، التي لطالما ارتبط ما تقدمه بالأطفال.
القرار نال ترحيباً من بعض المعلقين، فيما عبّر آخرون عن غضبهم لإصرار المنصة على فرض أفكار متعلقة بالميول الجنسية على عقليات الصغار، بدلاً من التركيز على قيم مثل العدالة والطموح والمساواة.
توجه ليس جديداً
الغضب كان مصدره مدونون من مختلف دول العالم، وكذلك بعض العاملين في مجالَي الفن والإعلام، وبينهم المذيعة ميغين كيلي، التي علقت على لقاء كاري بيرك منتقدة تلك الخطة، وهو أمر يبدو متوافقاً مع ما قاله دين كاين، نجم مسلسل "سوبرمان" الشهير، في وقت سابق حينما أبدى اعتراضه القاطع بعد الإعلان عن أن الشخصية الأيقونية باتت مزدوجة الميول الجنسية في القصص الجديدة.
اللافت أن تلك المقابلة أجريت قبل أكثر من شهرين، لكنها وجدت صداها في الأيام الأخيرة، وتم تداولها على نطاق واسع بالتزامن مع بث المنصة في 16 دولة بمنطقة الشرق الأوسط، مصحوبة بتحذيرات ودعوات للانتباه من "أجندة ديزني"، والبارز أن كلمة "أجندة" كانت تكررت على مدار الأعوام الماضية مع "نتفليكس"، التي واجهت حملات هجومية تتهمها بمحاولة ترسيخ أجندة معينة، وكان الغضب عاتياً مع مشهد منى زكي الشهير في فيلم "نتفليكس" العربي الأول "أصحاب ولا أعز"، إذ اتهم بعض رواد "السوشيال ميديا" الفيلم بالترويج لأفكار لا تتفق مع قيم مجتمعية عدة، لكن القضية هذه المرة تتعلق بمحتوى محبوب يقدم إلى أطفال في سن صغيرة، ويرى كثيرون أنه لا ينبغي تعريضهم لمحتوى يتعلق بأية أفكار جنسية من الأساس، وبتصريح مباشر ومحدد قالته موظفة كبيرة في المؤسسة التي تنتج المحتوى الأكثر ثراء وجاذبية وشهرة في عالم الصغار والمراهقين، وليس مجرد استنتاجات أو تكهنات كما هو الوضع مع منصات أخرى منافسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يخفى على أحد أن ما تعرضه "ديزني بلس" من أعمالها، وكذلك عالم "مارفل" و"بيكسار" يمتلئ بكثير من شخصيات "مجتمع الميم" أو المتحولين جنسياً، وفي أعمال موجهة إلى السن الصغيرة بشكل أساسي، كما أن فيلم "الجميلة والوحش" في نسخته الجديدة كان يضم تلميحات جنسية واضحة كذلك، وأيضاً فيلم Zootopia، وأخيراً مُنع عرض فيلم من إنتاج شركة "مارفل" بعنوان Doctor Strange In The Multiverse Of Madness في بعض الدول العربية، لتضمّنه لقطة وصفت بالجريئة بين شخصيات مثلية، والأمر ذاته بالنسبة إلى فيلم Eternals، فالتوجه ملاحظ منذ فترة، لكن الجديد هو انتشار فيديو، بُثّ قبل أشهر، في وقت دقيق مثل هذا، والحديث حول أن تلك الشخصيات ستكون هي السائدة بشكل متعمد، وكأنه شرط أساس لإنتاج عمل ما، فهل ستخدم تلك القواعد السرد الدرامي وتعلو بالقيمة الفنية للعمل، أم ستكون مجرد إقحام لأمنيات كاري بيرك، بحسب تصريحها في الفيديو المتداول، في الأعمال؟.
الناقد الفني إيهاب التركي يؤكد أن فكرة "الإقحام" والتعمد وليّ ذراع الدراما لخدمة فكرة معينة على الرغم من أنف النص، أمر مضر للشكل الفني بكل تأكيد، لافتاً إلى أنه من الناحية التسويقية تبدو تصريحات بيرك مؤثرة سلباً في استقبال المنصة في الشرق الأوسط، بخاصة أن جزءاً من مكتبتها موجّه إلى الأطفال والمراهقين، وبما أن قرار الاشتراك في أيدي الآباء المتأثرين بالإعلان عن تلك التوجهات، فلن يكون الأمر سهلاً، مشيراً إلى أن خطط "ديزني" في هذا السياق تتصاعد بشكل يصعب على المجتمعات الشرق أوسطية تقبّله.
وتابع، "الأفكار والتوجهات الداعمة لمجتمعLGBT (تعبير يشير إلى مزدوجي الميول الجنسية والمثليين والمتحولين) ربما تكون مقبولة في مجتمعات أخرى من بينها الولايات المتحدة، على الرغم من أن هناك أيضاً حملات تعارضها، لكنها في النهاية جزء من الثقافة المفتوحة لهذا المجتمع".
عروض جاذبة... ولكن
اشتعلت مجموعات الآباء والأمهات العرب على "واتساب" خلال الأيام الماضية برسائل تحذيرية يعاد تدويرها عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، لتنطلق نقاشات حول مساعي "ديزني" في هذا الشأن، فبعدما كانت الأسر متحمسة لمنصة تجتمع لديها كل تفضيلات أبنائهم في ظل ضعف المحتوى المقدم للصغار عبر المنصات البديلة، وفي ظل العروض القوية التي أعلنت عنها "ديزني" للمشتركين (الاشترك الشهري من ثلاثة إلى سبعة دولارات)، انطفأت هذه الحماسة وحل مكانها الغضب وأصبح الجدل يتلخص في كيفية تفادي الأعمال التي تتضمن توجهات لا يرضى عنها بعض الأسر، بخاصة في ما يتعلق بالعمر الحرج الذي لا يزال يتلمس خطاه وأفكاره في الحياة. فهل كان توقيت انتشار تلك التصريحات في غير صالح المنصة التي حققت النجاح قبل أن تنطلق عربياً، وتصدرت أعمالها "الترند" في المنطقة بعد أول مسلسل ضمن "عالم مارفل" يخرجه مصري (محمد دياب) هو "فارس القمر"؟
انطلاق المنصة في الشرق الأوسط تزامن مع بدء عرض مسلسل لأول بطلة خارقة مسلمة لتأكيد قيم التنوع العرقي والثقافي بعنوان "ميس مارفل"، وتؤدي بطولته ممثلة باكستانية صاعدة هي إيمان فيلاني، ومن المؤكد أن المؤسسة استعدت لتلك الخطوة بكثير من المشاريع التي وجدت صدى إيجابياً لدى الجمهور، وبينها الإعلان عن عودة الدبلجة المصرية لأعمالها الشهيرة بعد غياب نحو 11 عاماً عن طريق بث 20 فيلماً جديداً مدبلجاً باللهجة المفضلة لدى غالبية جمهورها العربي، وهو خبر لطالما انتظره محبو إنتاجها من الرسوم المتحركة، لكن هل كل هذا سيشفع لها بعد "الهلع" الذي انتاب أصحاب التدوينات على "السوشيال ميديا"؟.
خطة تسويقية مضادة
"ديزني بلس"، التي بدأت لعبة المنافسة بالتزامن مع فترة الحجر الصحي بسبب انتشار فيروس كورونا، نجحت في أن تستقطب خمسين مليون مشترك خلال خمسة أشهر من انطلاقتها في مطلع 2020، ووصلت الآن إلى 137 مليون مشترك، كما تستهدف بحسب تصريحات مسؤوليها، ومن بينهم تميم فارس، الرئيس التنفيذي للمنصة في الشرق الأوسط، الوصول إلى 260 مليون مشترك خلال عامين، إذ إنها تقدم المحتوى الأكثر تميزاً في عالم "الأنيميشن"، لكن المنصة بالطبع تطرح محتوى يصلح لكل الأعمار، فهناك مئات المواد التي تصنف للكبار وبينها " The Kardashians "، و" Grey"s Anatomy"، و" The Simpsons"، و"Only Murders in the Building"، كما تستقطب أعمالاً وثائقية من "ناشيونال جيوغرافيك" ومنصات أخرى، لمحاولة جذب فئات أكثر تنوعاً من الجمهور، إضافة إلى كلاسيكيات قصص الأميرات والأمراء التي قدمتها "ديزني"، فأنتجت الشركة، التي تأسست قبل نحو قرن من الزمان، نحو 500 فيلم، وحققت عشرات مليارات الدولارات أرباحاً، وتُعتبر من أكبر استوديوهات هوليوود، وتضم عدداً من الشبكات التلفزيونية وحدائق في أنحاء العالم تحمل علامتها.
وكما هو ملاحظ، فإن الحملة الاحتفالية تقابلها حملة مضادة تنبه وتحذر، فتداول تصريحات كاري بيرك كان بمثابة الورطة التسويقية التي جاءت في توقيت صعب وحرج للغاية بالنسبة إلى منصة تحاول الاستحواذ على أكبر عدد من المشتركين، وبدا الأمر كأنه خطة تسويقية معكوسة، فبدلاً من أن يركز الجمهور المنتظر على المكتبات الست المعروضة عبر المنصة، وأيضاً المزايا التي يمكن الاستفادة منها، وهي بحسب نص البيان الرسمي للمؤسسة "مشاهدة عالية الجودة على ما يصل إلى أربع شاشات في وقت واحد، وتنزيل العروض والأعمال المفضلة بشكل غير محدود على ما يصل إلى عشرة أجهزة، وإتاحة إنشاء ما يصل إلى سبعة حسابات شخصية مختلفة"، اتجه إلى شواغل أخرى ومخاوف من المحتوى، على الرغم من تأكيد المنصة في بيانها على تفعيل نظام الرقابة الأبوية عبر تطبيق سيكون بمثابة وسيلة للحماية.