لم يعد القادة الإسرائيليون يترددون أو يتلعثمون بعد أي قصف إسرائيلي خارج الحدود، خصوصاً على سوريا، بل باتوا يحرصون على تصعيد تهديداتهم المباشرة وإطلاق تصريحات يبررون فيها قصفهم.
هذا ما حصل في أعقاب القصف الأخير على مطار دمشق الدولي، إذ خرجت إسرائيل بتقارير تبرر فيها القصف، مدعية أنه نفذ بعد رصد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية محاولات إيرانية لنقل تجهيزات ومعدات إلى سوريا لإدخال تطويرات تقنية على الصواريخ التي في حوزة عناصرها ووكلائها في سوريا إلى صواريخ عالية الدقة.
وبحسب التقرير الإسرائيلي، فإن الأجهزة الأمنية، و"ضمن جهودها الاستخباراتية ما بعد الحدود الشمالية، رصدت عمليات نقل أسلحة إيرانية عبر الخطوط الجوية المدنية، "كاسرة للتوازن"، إثر نجاح الخطة الإسرائيلية "المعركة بين الحروب"، التي قلصت بشكل كبير القدرات الإيرانية على نقل شحنات الأسلحة براً وبحراً.
وأعلنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفق التقرير الأخير، نقل معركتها الحالية في مواجهة نقل الأسلحة إلى استهداف الطيران المدني، مدعية أن إيران تكثف نشاطها عبر هذه الوسيلة الجوية، حيث ادعت في التقرير أن طهران تستخدم الطيران المدني وحتى أمتعة المسافرين لنقل تقنيات وأنظمة متقدمة وحديثة بما لا يمكن الكشف عنه ورصده من قبل إسرائيل، لضمان ترسانة صاروخية متطورة ودقيقة في حوزة مقاتليها ووكلائها في سوريا وفي مقدمتهم "حزب الله".
15 هجوماً إسرائيلياً في غضون شهر
وتقول إسرائيل إن مقاتلاتها شنت خلال شهر مايو (أيار) الماضي، وحده، 15 هجوماً استهدف المرافق الاقتصادية التي تستخدمها إيران لنقل أسلحة ومعدات صناعية إلى سوريا ولبنان، وفق ادعائها، مضيفة أن هذه الهجمات لم تحقق الهدف الذي وضعته المؤسسة العسكرية لإضعاف إيران و"حزب الله"، وعليه قررت خطوات تصعيدية في مركزها مطار دمشق الدولي، وتحديداً المدرج وبرج المراقبة.
ووفق المعطيات الإسرائيلية، تم إحباط نحو 70 في المئة من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى لبنان وسوريا، فيما تشكل نسبة الثلاثين في المئة خطراً كبيراً على إسرائيل.
رسائل إلى إيران والأسد
وتهدف إسرائيل من قصف الطيران المدني، وفق التقرير، إلى توجيه أكثر من رسالة إلى إيران والرئيس السوري، بشار الأسد، بأن تل أبيب قادرة على رصد التحركات الإيرانية وبأنها لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها وباتت مستعدة لإخراج مطار دمشق الدولي، بشكل كامل، من الخدمة.
أما رسالتها إلى الأسد فهي، وفق التقرير، تهديده بدفعه ثمناً باهظاً في حال استمر بالسماح بتموضع الإيرانيين وانتشارهم لتعزيز وجودهم العسكري في سوريا.
وفي التقديرات الإسرائيلية، فإن إيران غير قادرة على الرد من الأراضي السورية، وإذا ما ردت فسيكون ردها محدوداً لدرجة كبيرة.
الطائرات المسيرة
الوسيلة الوحيدة التي ترى إسرائيل أنه يمكن لإيران من خلالها الرد، هي الطائرات المسيرة التي سمتها "طائرات انتحارية" تستهدف مواقع إسرائيلية. وأمام هذه التقديرات، أعلنت إسرائيل أنها لن تتردد في تنفيذ عمليات استباقية تحمل أهدافاً عدة، أولها مستودعات الطائرات الإيرانية المسيرة.
وفي هذا الصدد، يكثف الجيش الإسرائيلي تدريباته على الطائرات المسيرة، وسبل مواجهة طائرات مسيرة تحمل متفجرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذيرات إسرائيلية وتقديرات مغايرة
وفي وقت اعتبرت الأجهزة الأمنية قصف مطار دمشق الدولي خطوة ناجحة لتحقيق الهدف الإسرائيلي، رأت جهات إسرائيلية أن استخدام بطاريات مضادة للطائرات السورية وتشكيل خطر على الطائرات الإسرائيلية هو فشل إسرائيلي، يوضح بأن الإيرانيين يصرون على قرارهم الاستراتيجي بإحاطة إسرائيل بـ"طوق من النار" والوسائل القتالية المتطورة إلى جانب قدرتهم على تهديد سلاح الجو الإسرائيلي، على عكس التقدير بنجاح معظم عمليات القصف الجوي التي نفذتها إسرائيل.
في المقابل، فإن قصف مطار دمشق الدولي يشكل تغييراً للسياسة الإسرائيلية بتوجيه الضغوط نحو الرئيس السوري، لدفعه إلى استخلاص العبر بأنه سيدفع ثمناً باهظاً لسماحه بالنشاط الإيراني ووكلاء إيران داخل سوريا.
لكن، تحذر هذه الجهات، من أن الأسد لن يتخذ مثل هذا القرار بعد ما حصل عليه من مساندة ودعم من إيران و"حزب الله" خلال الحرب الأهلية في سوريا التي هددت وجوده ونظامه.
وأمام مخاطر استهداف الطيران المدني السوري وتهديد الأسد، في مقابل عدم خوض الروس صداماً مع إيران، تبقى إسرائيل وحيدة في المعركة، ما يستدعي متخذي القرار في تل أبيب إلى العودة إلى وضع خطة لتطوير "المعركة بين الحروب"، وفق دعوة وجهت لهؤلاء.
وإلى جانب الأصوات المحذرة من الخطوات الإسرائيلية، هناك من رأى أن المعركة بين إيران وإسرائيل لن تنتهي قريباً بل لا يمكن رؤية نهايتها في الأفق. وهناك من وصفها بـ"المعركة العبثية" و"حرب الاستنزاف".
لبنان هدف مركزي
ومع احتدام النقاش والتهديدات المتبادلة بين لبنان وإسرائيل، في أعقاب مباشرة تل أبيب العمل في ضخ الغاز من حقل "كاريش"، ومن ثم التوضيح الإسرائيلي للهدف من وراء قصف مطار دمشق الدولي، بما في ذلك الحد من قدرات "حزب الله" وإيران الصاروخية، عادت القيادة العسكرية الإسرائيلية لتوجه سهام تهديداتها نحو لبنان. وصعد رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، تهديداته بعد أقل من 48 ساعة على قصف مطار دمشق الدولي بإعلانه أن الحرب المقبلة مع "حزب الله" ستشمل آلاف الأهداف في لبنان.
وخلافاً للتصريحات السابقة بأن الحرب ستكون قصيرة وحاسمة، اعتبر كوخافي أن الحرب المقبلة ضد لبنان "ستكون طويلة ومستمرة وحرباً شديدة القصف بما لم يشهده لبنان من قبل".
وفي حين أعلن قبل أقل من أسبوعين أن التوقعات الإسرائيلية ترجح سقوط 300 صاروخ من لبنان على الجبهة الداخلية، يومياً، قال كوخافي "علينا أن نكون صادقين، ستتعرض الجبهة الداخلية، يومياً، لمئات الصواريخ. لن يسقط 300 صاروخ بل أكثر بكثير وسيؤدي ذلك إلى سقوط المئات من الإسرائيليين وسيلحق أضراراً بالغة".
ووفق كوخافي وضمن الاستعداد لحرب على لبنان، أبرمت إسرائيل اتفاقيات عسكرية تضمن زيادة منظومات صاروخية مضادة للصواريخ وتحسين قدرات منظومة "القبة الحديدية" ومنظومات أخرى.
في المقابل، يشكل الخلاف حول "حقل كاريش"، جانباً مهماً في الخطة الإسرائيلية، ووفق تقديرات الإسرائيليين فإن التطورات الأخيرة سواء في "كاريش" أو القصف الإسرائيلي على سوريا، ستدفع "حزب الله" إلى توجيه ضربات ضد إسرائيل، وسيكون الهدف الأول "حقول الغاز".
ونقل عن ضابط في الجيش الإسرائيلي قوله إن الاستعدادات الأخيرة شملت مواجهة استفزازات من قبل الحزب ضد "حقل كاريش"، مثل إطلاق النار من أسلحة خفيفة واقتراب زوارق تهدد عمله إلى جانب محاولات أخرى لتخريب عملية استخراج الغاز من هناك.
وأعلن الجيش الإسرائيلي تكثيف جهوده واستعداده من خلال جمع معلومات استخباراتية حول محاولات لاستهداف منطقة الحقل أو تحليق طائرات مسيرة في منطقة "كاريش"، وكيفية العمل على إحباطها.
وحذر ضباط إسرائيليون من مخاطر التصعيد "لعدم جاهزية سلاح البحرية لمواجهة مثل هذه السيناريوهات". ونقل عن ضابط أن "الجيش الإسرائيلي لا يعزز قواته في المنطقة البحرية المهددة، وعلى الجيش الاستعداد بما فيه الكفاية لأكثر السيناريوهات تطرفاً، مثل إطلاق صواريخ وطائرات من دون طيار". ودعا إلى تزويد سفن الحراسة من طراز "ساعر -6" الموجودة لحماية آبار الغاز بأنظمة دفاعية متنوعة ومتطورة.