ما إن بدأت المشاورات السياسية لإنهاء الأزمة السودانية، التي فجرها انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، عبر "الآلية الثلاثية" (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد)، التي أُرجئت إلى أجل غير مسمى بسبب تواصل رفض تحالف "قوى الحرية والتغيير" المشاركة فيها، اتجهت الأنظار نحو "لجان المقاومة" التي تقود التظاهرات في الشارع منذ وقوع الانقلاب، التي راح خلالها 100 قتيل، لمعرفة موقفها من هذه المشاورات والتسوية التي قد تحدث، وتصورها لحل هذه الأزمة، وأدواتها التصعيدية في الشارع.
ضمان الهدف
تقول الناشطة في لجان المقاومة والأجسام الشبابية، سوسن جمعة موسى، "في اعتقادي أن أي عملية سياسية لا بد أن تنتهي بتسوية أي كان شكلها، لكن في ما يلي لجان المقاومة السودانية فهي تحمل رؤية ومطالب معروفة تتمثل في شعار ثورة ديسمبر (كانون الأول) وهي حرية، وسلام، وعدالة، فضلاً عن تنفيذ القصاص بحق كل مَن قتل متظاهراً منذ اندلاع الثورة بما في ذلك الإبادة التي حدثت في فض اعتصام القيادة العامة للجيش، بالتالي إذا سارت الآلية الثلاثية على المنوال ذاته، الذي يحقق للشعب السوداني العيش في أمان وحرية تامة في كل تفاصيلها من خلال العدالة في الحقوق والواجبات، وتوزيع الفرص والسلطة، لن تكون هناك مشكلة، لكن نريد ضماناً بأن هذا الطريق سيوصلنا إلى الهدف الذي من أجله خرجت غالبية الشعب للشارع، وفقد بسبب ذلك أكثر من 300 شهيد". وأضافت، "نحن على يقين تام بأن الحراك المستمر في الشارع من أجل استعادة السلطة المدنية كاملة سيؤدي إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن ليس مع المكون العسكري الممثَل في اللجنة الأمنية لنظام البشير، وهذا الموقف ليس فيه مساومة، بيد أننا لنا رأي في المؤسسة العسكرية لأنها انحرفت عن مسارها المتعارف عليه كونها مؤسسة قائمة على الاحترافية العسكرية، فأصبحت تضم ضمن وحداتها ميليشيات كقوات الدعم السريع التي كانت تسمى بـالجنجويد، وهو ما يجعلنا نطالب بإصلاحها من خلال إعادة هيكلتها وبنائها وتغيير عقيدتها لتكون حامية للوطن وسيادته وشعبه دون تمييز، لكن نحترمها ونقدرها كواحدة من المؤسسات الوطنية والسيادية".
قوى اجتماعية
وزادت، موسى "في ما يتصل بعملية الحوار لحل الأزمة السياسية التي تسبب فيها الانقلاب، فإنه معلوم أن لجان المقاومة لم تكن جزءاً من الحكومة الانتقالية السابقة والشراكة القائمة بين المكونين المدني والعسكري، لكنها كانت جزءاً من التغيير الذي أطاح بنظام المؤتمر الوطني في أبريل (نيسان) 2019، وما تواصل من حراك بعد انقلاب 25 أكتوبر حتى اللحظة، في حين هناك قوى سياسية ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير كانت جزءاً من الحكومة السابقة، فمن حقها الدخول في حوار لاستعادة سلطتها التي انقض عليها العسكر بتعطيلهم العمل بالوثيقة الدستورية التي كانت بمثابة الدستور الحاكم، لكن يجب على هذه القوى أن تتشدد في مسألة الضمانات حتى لا تتكرر العملية الانقلابية مرة أخرى". وزادت "أعتقد أن لجان المقاومة والقوى السياسية المؤمنة بأهداف الثورة غير مختلفتين بقدر اختلافهما في طريقة الإدارة والتنفيذ، وأعتقد أن الأخيرة (القوى السياسية) وعت الدرس من التجربة السابقة، إذ كانت بعيدة من لجان المقاومة، على الرغم من أن أهدافهما وغاياتهما واحدة، بالتالي اذا لم يستمر التنسيق ودخل الطرفان في صراع بينهما فسيكون العسكر هم المستفيدون".
ولفتت، الناشطة الشبابية، إلى أنه "من الأرجح والأفضل للجان المقاومة أن تتحول إلى قوى اجتماعية ضاربة بدلاً من قوى سياسية، حتى تستطيع إحداث تغييرات كبيرة في سلوك المجتمع في شتى مناحي الحياة، فاللجان هدفها الأساسي التغيير الاجتماعي".
وأكدت على أنه "لن تكون هناك هدنة وسيستمر التصعيد في الشارع حتى تتحقق الأهداف التي تريد اللجان الوصول إليها، وأهمها ابتعاد العسكر من المشهد السياسي وعودتهم إلى ثكناتهم، ولن تقبل أي صيغة للشراكة بل حكومة مدنية كاملة، كما ستكون صفتها رقابية للحفاظ على المسيرة الديمقراطية حتى لا تحدث انتكاسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تغييب مقصود
بدوره، اعتبر عضو لجان المقاومة في أم درمان القديمة، عمار الشريف، أن "هناك تغييباً مقصوداً للشارع السوداني ممثلاً في لجان المقاومة من قبل المجتمع الدولي، وقناعتنا أنه لا بد من إسقاط الانقلابيين من الحكم، مع تمسكنا التام بشعارنا المرفوع في كل تظاهرة خرجت للشارع منذ انقلاب 25 أكتوبر وحتى الآن، وهو: لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية مع العسكر، مع علمنا أن الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا تشهد مفاوضات بين البلدين على الحدود، لكن الوضع لدينا في السودان يختلف من ناحية أن العسكر خانوا الثورة منذ مجزرة فض الاعتصام التي وقعت في الثالث من يونيو (حزيران) 2019".
وتابع الشريف، "لجان المقاومة على مستوى ولايات البلاد مهمومة ببناء سودان جديد يقوم على أسس العدالة والشفافية والتنمية، حيث تسعى إلى تحقيق السلام الحقيقي الذي يضمد الجراح في معسكرات النازحين، وهي لا تحمل عداوة تجاه المؤسسة العسكرية، بل تجاه قيادتها، وتريد من الأحزاب أن تتحول إلى ثورية يكون هدفها الأساس إسقاط الانقلاب وبعد ذلك تحقيق المطلب السياسي، وترجو من المجتمع الدولي أن يراعي استقلالية شباب الثورة في تحقيق مطالبهم التي من أجلها ضحى بعضهم بدمائهم، وأن يقف مع هذه اللجان في قضاياها وما تتعرض له من اعتقالات تعسفية وعنف مفرط". وأكد عضو لجان المقاومة، بأنهم لن يتنازلوا عن أهدافهم ومسارهم الذي رسموه، وأن القضية المحورية والأساسية لهم "تحقيق العدالة داخل الدولة السودانية، وأن تخرج كل القرارات من داخل البرلمان ابتداء من تعيين رئيس الوزراء إلى أدنى قرار، وإذا لم يتحقق ذلك فسيتواصل غضب الشارع".
حل زائف
وكان وفد من "قوى الحرية والتغيير"، عقد الخميس الماضي، في إطار المفاوضات الجارية لإنقاذ العملية السياسية، لقاءً "غير رسمي" مع مسؤولين عسكريين في محاولة للخروج من المأزق، لكن التحالف المدني اعتبر لاحقاً في بيان أن الحوار الذي أطلقته "الآلية الثلاثية"، الأربعاء 8 يونيو الحالي، "حل سياسي زائف"، و"يشرعن" الانقلاب. وسلّم التحالف إلى "الآلية الثلاثية"، السبت 11 يونيو مطالبه للانخراط في جلسات الحوار، وفي مقدمها إنهاء الانقلاب وإعادة تصميم العملية السياسية.
وأعلن عمر الدقير، رئيس "حزب المؤتمر السوداني"، خلال مؤتمر صحافي، أن "قوى الحرية والتغيير أكدت رفضها أي تسوية سياسية لا تنهي الانقلاب العسكري وما ترتب عليه". وكشف الدقير عن أن التحالف أكد للآلية بوضوح أنه "لن يكون جزءاً من أي منبر يهدف إلى منح الشرعية للانقلاب، مع الاستعداد للتعاطي الإيجابي من أجل استرداد التحول الديمقراطي"، مؤكداً التصميم على المقاومة بالوسائل السلمية والسياسية من أجل تحقيق ذلك الهدف.
في السياق، جدد تحالف "الحرية والتغيير"، خلال اجتماع تقييمي للقاء مع المكون العسكري، عقده في مقر "حزب الأمة القومي"، أن لا مساومة على أهداف الثورة السودانية. وجدد رفضه المشاركة في الحوار "لأنه انتهى في جلسته الأولى، وسنواصل العمل في الشارع".
رهان على نجاح الحوار
ويراهن المشاركون في الحوار الذي ترعاه "الآلية الثلاثية" على نجاحه في التوصل إلى توافق لإنهاء الأزمة السودانية، لكنهم يعتقدون أنه في حال سعت جهات داخلية وخارجية إلى فرض أجندتها وتجيير الحوار المباشر لتحقيق مصالحها، فعندها لن ينجح الحوار.
وحضّت الأمم المتحدة الأطراف كافة على المشاركة في المحادثات و"مواصلة العمل لتهيئة بيئة مؤاتية للحوار البناء لصالح الشعب السوداني".
ودأب المجتمع الدولي منذ الانقلاب على جعل عودة المدنيين إلى السلطة شرطاً لا غنى عنه لاستئناف المساعدات للسودان الذي تصنفه الأمم المتحدة من بين أفقر دول العالم، فضلاً عن دعوته إلى إنهاء حملة القمع التي أسفرت عن مقتل نحو 100 متظاهر مؤيد للديمقراطية منذ 25 أكتوبر الماضي.
وعلى الرغم من أن البرهان رفع حالة الطوارئ في نهاية مايو (أيار) الماضي، وأطلق في الأسابيع الماضية سراح شخصيات سياسية مدنية ونشطاء قالوا إنهم يؤيدون الحوار لإحياء الانتقال الديمقراطي، فإن القمع بحق مناهضي الانقلاب مستمر.