حمّل كمال عمر القيادي في حزب المؤتمر الشعبي السوداني، اللجنة الأمنية في المجلس العسكري، مسؤولية انهيار التفاوض بين الأطراف المعنية من الألف إلى الياء، بسبب الطريقة الوحشية التي استخدمت في فض اعتصام القيادة العامة وراح ضحيتها عشرات المحتجين، لافتاً أيضاً إلى وجود أخطاء سياسية ارتكبتها قوى الحرية والتغيير بطرحها إعلاناً دستورياً عاجزاً عن استيعاب الثورة الشعبية بشموليتها، ما أظهر تكالبها على السلطة بشكل واضح.
ورأى أن الخروج من عنق الزجاجة الآن لحل الأزمة السياسية يتمثل في إيجاد طريق ثالث يعيد أطراف المعادلة السودانية، بشقيها العسكري والمدني، إلى طاولة المفاوضات لتسريع تشكيل حكومة مدنية تدير شؤون المرحلة الانتقالية التي حددت بثلاث سنوات.
ضعف النظام العسكري
وأشار عمر وهو قيادي في حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي عقب خلافه مع الرئيس المخلوع عمر البشير عام 1999، في حديثه لـ "اندبندنت عربية"، إلى أن ضعف النظام العسكري الذي يسيطر على الوضع في السودان حالياً أدى إلى التدخل الدولي والإقليمي، إذ إن الرياح دائماً ما تهبّ على الأرض السفلى، عازياً الأمر إلى حالة الاستقطاب الحاد في الساحة السياسية، فالكل يريد أن يتكئ على حائط المجتمع الدولي والإقليمي، منوهاً في الوقت نفسه إلى أن ما حدث من تدويل للأزمة السودانية جاء بأيد سودانية لها ارتباط بالمجتمع الدولي، وفيها من أخذ الثمن مقابل دوره في التدويل.
إلا أنه يعتقد أن المبادرة الأفريقية التي يتولاها الاتحاد الأفريقي هي الأقرب للوصول لمعادلة وفاقية تسرّع في تشكيل حكومة مدنية للفترة الانتقالية، خصوصاً أنها مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن أنها تلاقي الترحيب من الأطراف المحلية والدولية كافة. وفي حين حذر من أي تحرك لإقصاء قوى إعلان الحرية والتغيير عن المشهد السياسي لأنه يضم أحزاباً سياسية مهمة وذات وزن جماهيري، أكد أنه من الصعب ملء فراغها، معتبراً أن إقصاءها سيضر بالساحة السياسية وسيكون مصيره الفشل.
تخوف من النموذج الليبي
وحذر عمر من إمكان تحول الأزمة السودانية للنموذج الليبي، خصوصاً أن البلاد فيها كميات كبيرة من السلاح المنتشر في مختلف أرجائها بأيدي الميليشيات وكتائب الظل التي تتبع لنظام المؤتمر الوطني الذي كان يحكم السودان بالعنف، فضلاً عن وجود احتقان إثني وقبلي ما يؤجج الوضع ويجعله مسرحاً للحرب والاقتتال، وهو ما يتطلب من الفرقاء تسريع خطوات الاتفاق وتجنيب البلاد مثل هذه الأخطار الماثلة.
ولفت عمر إلى أن الاهتمام الدولي، لا سيما الأميركي، بالشأن السوداني ينطلق من هذه الزاوية، والعمل على عدم انهيار الدولة السودانية حتى لا تصبح ساحة للجماعات المتطرفة كداعش وغيرها، مشيراً إلى أهمية السودان كحزام أمني مهم للعالم في مجال السلم والأمان. وحذر أيضاً من الاصطفاف الأيديولوجي الذي حصل الآن في الساحة السودانية من خلال مجموعة قوى إعلان الحرية والتغيير ومجموعة نصرة الشريعة، وهو عمل ضار بالتحول الديمقراطي، وسيكون تحدياً وعقبة أمام مستقبل البلاد واستقرارها.
تنظيم جديد للإسلاميين
وتوقع كمال عمر أن تتجه الحركة الإسلامية في السودان بعد تجربتها في السلطة لفترة امتدت 30 عاماً، إلى إحداث تغيير شامل في توجهاتها خلال المرحلة المقبلة من خلال الظهور في المشهد السياسي بمظهر جديد، وشعارات جديدة، وتنظيم بمسمى جديد، والقيام بمراجعات عدة وحقيقية، والحديث بشكل واضح عن الحريات وعدم استغلال الدين كشعار إقصائي، نظراً للفشل الذريع لمشروع الحكم السياسي في البلاد، مؤكداً أن هناك مسعى لإيجاد حزب بتصور جديد يضم كل مكونات الحركة الإسلامية بقيادة عناصر جديدة.
وطالب الحركة الإسلامية بالتواصل مع بقية القوى السياسية السودانية من دون إقصاء، وأن تعمل بجدية لإنهاء شعاراتها الإقصائية التي تتحدث عن المشروع الإسلامي، نافياً في الوقت نفسه وجود أي اتجاه لتوحيد مكونات وتنظيمات الحركة الإسلامية، مبيناً أنهم مهمومون حالياً بوحدة الوطن. ورأى أن أي شعار لا يهتم بقضايا الوطن غير مفيد، وأن مسألة توحيد الحركة الإسلامية يأتي في المستقبل القريب.
اعتراف بخطأ مشاركة النظام السابق
واعترف عمر بالخطأ الذي ارتكبه حزبه في المشاركة في حكومة البشير قبل سقوطها والذي حمله للقيادة ممثلة في الأمين العام للحزب علي الحاج والقيادي بالحزب إبراهيم السنوسي، مشدداً على أهمية الإسلاميين في المشهد السياسي في السودان حالياً على الرغم من تحملهم قدراً من المسؤولية السياسية، باعتبار أن النظام السابق حكم باسمهم 30 عاماً، وانتهى الأمر في نهاية المطاف بتمزيق الدولة السودانية.
ورأى ضرورة قيام تنظيمات الحركة الإسلامية بمراجعة مواقفها السياسية والعمل مع بقية القوى السياسية لإعادة اللحمة للوطن وشعبه الذي صبر كثيراً على الأحزاب وساستها، بينما دافع عن مشاركة حزبه في عهد حسن الترابي في مسألة الحوار الوطني والذي فهم بطريقة خطأ، إذ لم يكن يهدف حزبه آنذاك لتوحيد الحركة الإسلامية ولا للمشاركة في الحكومة، بل دخل في الحوار من أجل المحافظة على الوطن لقناعته بالديمقراطية.
المعادلة السياسية
وحول جهود المؤتمر الشعبي في المعادلة السياسية والخروج من الأزمة الحالية، قال القيادي بالمؤتمر الشعبي السوداني إن حزبه لديه اتصال مباشر بالمجلس العسكري عن طريق المنظومة التنسيقية للقوى الوطنية التي تضم 20 حزباً لإيجاد طريق ثالث تسعى إلى تحقيق التحول الديمقراطي السلس للوصول إلى حكومة مدنية والعمل على تفكيك المنظومة العسكرية، منوهاً إلى أنهم لا يختلفون مع قوى إعلان الحرية والتغيير في تسليم السلطة لحكومة مدنية لأنهم اتعظوا من تجربتهم وتحالفهم السابق مع العسكر حتى عسكروا الدولة بأكملها، لذلك فإنهم الآن ضد أي انقلاب عسكري ولا يمكن أن يمكّنوا أي عسكري في الساحة السياسية مرة ثانية.
قوش قاد الانقلاب ضد البشير
وفي سياق متصل، وصف عمر ما حدث في الأيام الأخيرة لحكم البشير بأنه انقلاب قاده رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الفريق صلاح قوش في إطار الصراع الذي كان قائماً داخل حزب المؤتمر الوطني، لافتاً إلى أن الثورة الشعبية التي اندلعت في أغسطس (آب) 2019 سببها تراكمات الظلم والتهميش والاستبداد الذي أوجده المؤتمر الوطني. وشدد على أن الثورة شارك فيها الشعب السوداني بكامل مكوناته ومدنه وأريافه من دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة والوسط والشمال والشرق، حيث لعب فيها الشباب والنساء دوراً كبيراً.