يشكل انخفاض معدلات البطالة بين الشباب في بريطانيا نجاحاً ملحوظاً في السياسة، لكنه يخفي فشلاً مقلقاً: في حين كانت معدلات العمالة بين الشابات في ارتفاع، لم يتغير وضع الشبان إلا بالكاد، بل إن وضعهم ربما تدهور في الواقع.
وحدد هذه المشكلة تقرير حمل عنوان "لا يعملون"، نشرته الاثنين، "مؤسسة القرار" بدعم من "مؤسسة الصحة".
ووجد الباحثون أن البطالة بين الشباب انخفضت بواقع 300 ألف شخص إلى 800 ألف شخص بين عامي 1995 و2021، وهذا نجاح بغضّ النظر عن طريقة نظر المرء إليه.
غير أن الانخفاض كله تقريباً (280 ألف شخص) كان من نصيب الشابات. وتحقق ذلك إلى حد كبير من خلال انخفاض معدلات الوالدات الشابات، فضلاً عن زيادة عدد النساء اللائي يخترن الجمع بين الوالدية والعمل ويستطعن ذلك.
وهذه نتيجة ممتازة أخرى، نتيجة تستحق الإشادة، لكنها تثير التساؤل عما يحدث لأقرانهن من الذكور، ولماذا لا يعمل أكثر من 20 ألف شاب إضافي مقارنة بعام 1995 في حين تتوفر الوظائف، نظرياً، بكثرة.
وهنا يأتي دور استنتاج آخر لافت للنظر. لقد حدث تغير صارخ في طبيعة البطالة بين الشباب مقارنة بالحالة السائدة في التسعينيات.
في حين كان الشبان العاطلون عن العمل يصنَّفون عادة في تلك الأيام عاطلين عن العمل وباحثين عن عمل، هم الآن أقرب كثيراً إلى أن يسموا "غير نشطين اقتصادياً" – لا هم في العمل ولا هم يبحثون عن عمل.
وهذا أمر إشكالي إلى حد كبير، لأن الشباب غير النشطين اقتصادياً أقل ميلاً إلى الانتقال إلى العمل أو الدراسة من الشباب العاطلين عن العمل. وبمجرد وقوعهم في هذا الموقع، من المرجح أن يعلقوا فيه.
وأسباب ذلك مقلقة للغاية. يخلص التقرير إلى أن السبب الرئيس هو المرض الطويل الأمد أو العجز، الذي يمثل ثلاثة أرباع الزيادة في انعدام النشاط بين الشبان.
وكثيراً ما يكون سوء الصحة العقلية في جوهر وباء الصحة السيئة هذا، فقد ارتفع عدد الشبان –والشابات- الذين يعانون "خللاً شائعاً في الصحة العقلية" في شكل حاد في السنوات الأخيرة.
وإن ذلك لمأساة اقتصادية واجتماعية على حد سواء، ولا سيما أن هناك خيارات علاجية فاعلة لحالات الصحة العقلية، وما ينقص هو توفر هذه الخيارات.
تتطور مشكلات الصحة العقلية في الأغلب في مرحلة الطفولة أو المراهقة. والمشكلة هي أن المرضى، عند طلب العلاج، كثيراً ما يتركهم في حال من المراوحة شبه الدائمة نظام متصلب وفاشل يتلقى نحو 70 بنساً (0.85 دولار) من كل 100 جنيه استرليني (121 دولاراً أميركياً) تنفقها هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وعلى هذا تظل المشكلات قائمة حتى سن الرشد. وكلما تأخر علاج المشكلات، تفاقمت، وأصبحت أكثر رسوخاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الواضح أن هذه المسألة تحتاج إلى معالجة، لكن هناك مشكلة أخرى، حتى لو تمكن هؤلاء الشباب من الحصول على مساعدة للعودة إلى سوق العمل. من الصعب على نحو متزايد العثور على نوع التعليم و/أو التدريب الذي سيحتاجون إليه. فالفشل المستمر في الاستثمار في تعليم الكبار والتعليم المهني يكمن في جذور هذه المشكلة.
يبين تقرير آخر صدر الاثنين، هذه المرة عن معهد دراسات المالية العامة، أن إجمالي الإنفاق على تعليم الكبار والتعليم المهني، حتى مع مبلغ الـ900 مليون جنيه (نحو 1.08 مليار دولار) الإضافي المخصص له في آخر مراجعة للإنفاق، سيظل أقل بنسبة 25 في المئة خلال 2024-2025 مقارنة بـ2010-2011.
وهناك أيضاً مشكلة تتعلق بطبيعة التعليم المهني المتاح، فقد ارتفع عدد مجالات التعليم المهني الأعلى مستوى -الذي يتضمن التعليم المهني ذا الشهادات- من بضع مئات فقط بداية عام 2010 إلى ما يقرب من 100 ألف عام 2020.
لكن على الرغم من أن هذا أمر محمود بوضوح، يجف عدد فرص التعليم المهني عند المستويات الأدنى. عام 2020، بدأ أقل من 50 ألف بالغ في المستوى الأدنى -التعليم المهني المتوسط- مقارنة بنحو 200 ألف شخص قبل عشر سنوات.
وأنواع التعليم المهني هذه هي المطلوبة لمعالجة مسألة "انعدام النشاط الاقتصادي" بين الشباب، ولا سيما الشبان، على افتراض أنهم قادرون على تأمين العلاج الذي يحتاجون إليه للعودة إلى سوق العمل.
وكانت المؤسسات البحثية المحافظة تميل إلى رؤية مسألة "إسفين" محتملة في خذلان الشبان، من خلال تسليط الضوء على محنة الشبان البيض في الأساس.
والواقع، وفق "مؤسسة القرار"، في حين انخفضت البطالة بين الشبان من ذوي الخلفيات السوداء والبنغلاديشية والباكستانية، بتسع و13 وعشر نقاط مئوية على التوالي، تظل احتمالات البطالة في صفوفهم أكبر مقارنة بأولئك ذوي الخلفيات البيضاء أو الهندية.
وما لا يذكره اليمين هو حقيقة مفادها بأن فشل حكومات المحافظين المتعاقبة في الاستثمار في التعليم والتدريب هو الذي يمنع الشبان -بصرف النظر عن خلفيتهم العرقية- من تحسين مصيرهم.
وغني عن القول إن الحكومة لن تحقق ما يقول معهد دراسات المالية العامة إنها "طموحاته العالية لتحسين التعليم التقني ومهارات البالغين من أجل تحقيق المساواة في المناطق الأكثر فقراً في البلاد" ما لم يتغير ذلك.
بيد أن هذه المشكلات هي من النوع الذي يتطلب فضلاً عن التمويل وضعاً للسياسات بتفكير متأنٍّ، وعملاً جاداً، والتزاماً من جانب الحكومة ككل.
وهذا ليس بالأمر الذي أظهرت الإدارة الحالية قدراً كبيراً من الاستعداد له.
ربما حان الوقت لإيجاد مساحة في الميزانية لقليل من تعليم الكبار يخصص للوزراء؟
*نشر في "اندبندنت" بتاريخ 13 يونيو 2022
© The Independent