أثارت تصريحات لوزير المياه الأردني محمد النجار قلقاً شعبياً كبيراً، بعدما كشف عن وضع مائي حرج سيعيشه الأردنيون هذا الصيف، وصف بأنه أسوأ بكثير من الصيف الماضي، وقال الوزير الأردني، إن الصيف الحالي أكثر قساوة من العام الماضي في ما يتعلق بكميات المياه، وحصص الضخ الأسبوعية للمواطنين.
ومع تراجع منسوب المخزون المائي في البلاد التي تعد أحد أفقر البلدان في العالم مائياً، تضاعف منسوب القلق في الشارع من مواجهة العطش خلال الأشهر المقبلة، بسبب تناقص المصادر المائية المتاحة وضعف تخزين السدود لغايات الشرب، بخاصة مع عودة المغتربين وتزايد الطلب على المياه، ويأتي ذلك وسط اتهامات للحكومة بتعمّد إفراغ السدود، لتبرير شراء كميات مياه إضافية من إسرائيل، تماماً كما حدث في صيف العام الماضي، ومطالبات بالبحث عن حلول مستدامة وغير مؤقتة.
الهطولات المائية
وبعد تصريحات وزير المياه الأردني المقلقة، أعاد الأمين العام لسلطة المياه بشار البطاينة، التأكيد على أن الوضع المائي حرج أكثر من الصيف الماضي، وعزا الأسباب إلى تدني الهطولات المائية في بعض السدود التخزينية بخاصة في المناطق الجنوبية، لا سيما سد الموجب، الذي يعتبر من أهم السدود في الأردن، والمسؤول عن تزويد المياه لمناطق واسعة في المملكة، وقال البطاينة، إن هذا السد فارغ منذ بداية موسم الصيف الحالي، وإجمالي الكمية الموجودة فيه لا تزيد على 300 ألف متر مكعب، بينما تبلغ سعته التخزينية حوالى 25 مليون متر مكعب.
كما تسبب تدني كميات المياه الموجودة في الآبار، بنقص حاد في المياه المعدة للضخ للأحياء والمدن الأردنية كافة، فضلاً عن وجود مئات الآبار المخالفة على الأحواض المائية، تستنزف ما يقارب 25 مليون متر مكعب من المياه.
حلول حكومية
وأمام واقع مائي مرير إذ المياه تكفي مليوني شخص فقط، بينما تجف السدود وتتراجع حصة الفرد، أكد وزير المياه والري الأردني أن الحلول المطروحة اليوم، هي حفر آبار جديدة والعمل على مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه العقبة ونقلها إلى عمان واستئجار آبار خاصة، وأوضح أن مقدار نقص المياه مقارنة بالعام الماضي، يبلغ نحو 10 ملايين متر مكعب، مضيفاً، "معدل هطول المطر بلغ نحو 80 في المئة، العام الحالي، مقارنة مع 63 في المئة، العام الماضي، لكن توزيع الهطول المطري كان متفاوتاً"، وكشف الوزير الأردني عن أن المملكة تعتمد على سدين رئيسين لتزويد المواطنين بمياه الشرب، هما سد الوحدة وسد الموجب، وأن كمية المياه التي كانت في السدود بلغت 90 مليون متر مكعب مع نهاية فصل الشتاء على الرغم من أن سعتها تزيد على ذلك بثلاثة أضعاف.
تفريغ السدود خطأ
وتكاد تكون الأردن الدولة الوحيدة في العالم التي تزود مواطنيها بالمياه مرة واحدة أسبوعياً نتيجة عدم كفاية مصادر المياه المتاحة، وازدياد عدد السكان، لكن وزير المياه السابق حازم الناصر لديه رأي آخر مختلف عن المبررات التي تسوقها الحكومة، إذ رأى أن الأردن بحاجة إلى مشاريع قصيرة ومتوسطة بدلاً من التركيز على المشاريع طويلة الأمد، وتحدث الناصر عن مواجهة الفقر المائي بإجراءات تحد من المخالفات والاعتداء على شبكات المياه وسرقتها، وإعادة تأهيل شبكات المياه المهترئة التي تتسبب في فقدان كميات كبيرة من المياه التي تذهب هدراً، داعياً للاعتماد على تنقية المياه، من المياه المالحة والجوفية العميقة التي يُمكن تحليتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخالف وزير المياه السابق تصريحات الحكومة، بالقول، إن الموسم المطري كان جيداً، مضيفاً أن تفريغ السدود من قبل المسؤولين أثر بشكل كبير على نسبة تخزينه، وموضحاً أن تفريغها كان خطأ إدارياً أثر بشكل كبير على المخزون الاستراتيجي، واعتبر الناصر أن تأخير تنفيذ مشاريع مياه كبيرة بقيمة 800 مليون دولار أدى لتفاقم أزمة المياه في الأردن.
أمن الأردن المائي
ويخشى مراقبون من أن تضع الاتفاقية الأخيرة التي وقعها الأردن مع إسرائيل تحت عنوان "الكهرباء مقابل الماء"، أمن الأردن المائي المستقبلي تحت رحمة إسرائيل، استكمالاً لما ورد في اتفاقية "وادي عربة"، من تفريط بمصادر المملكة المائية الطبيعية وحصصها منها.
ووفقاً لوزارة المياه، يحتاج الأردن سنوياً إلى 1.3 مليار متر مكعب، لمختلف الاستخدامات، لكن المتاح منها يتراوح بين 850 و900 مليون متر مكعب فقط، ولا يجد الأردن بداً من اللجوء للاتفاقية الموقعة مع إسرائيل لتزويده بكميات إضافية من المياه، خلافاً لحصته المنصوص عليها في معاهدة "وادي عربة" للسلام.
ففي أبريل (نيسان) الماضي، ضخت إسرائيل الماء للأردن لتبريد اشتباك دبلوماسي، وبعد أسابيع من مماطلة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو على إثر توتر في العلاقات بين البلدين، وطلبت عمان من الجانب الإسرائيلي تزويدها بثمانية ملايين متر مكعب إضافية من المياه، في حين تزود تل أبيب المملكة بـ35 مليون متر مكعب سنوياً، ويتهم ناشطون إسرائيل بسرقة حصة الأردن من المياه بشكل ممنهج منذ توقيع اتفاقية "وادي عربة" للسلام عام 1994.
وأكد الخبير المائي سفيان التل، أن "تل أبيب حولت مجرى نهري الأردن واليرموك لصالحها وسيطرت على المياه الجوفية في فلسطين"، مشيراً إلى أن "الأردن لم يعانِ من نقص مائي في تاريخه إلا بعد توقيع اتفاقية السلام"، ورفض التل الحديث عن "فقر البلاد مائياً"، معتبراً أنها "أُفقرت من خلال اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية التي كرست ضخ 25 مليون متر مكعب سنوياً منها إلى إسرائيل".
مافيا سرقة المياه
ولا يعاني الأردن من فقر الماء فقط بل من شبكة مافيا تعتدي على خطوط الماء والآبار وتسرقها، ورصدت وزارة المياه نحو 1262 اعتداء على خطوط مياه منذ بداية 2022، وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 70 في المئة من مياه البلاد تُفقد بسبب السرقة، من قبل مافيا تسطو على المخزون الذي يضم 15 حوضاً سطحياً و12 جوفياً وأكثر من 300 بئر، وتراجعت حصة الفرد المائية في الأردن إلى ما دون 100 متر مكعب في السنة، وهي تُعتبر من بين أخفض النسب على مستوى العالم، أي أقل بـ88 في المئة من خط الفقر المائي العالمي البالغ ألف متر مكعب من المياه للفرد في السنة، ويزيد حجم الطلب على المياه عن المتوفر في الأردن بحوالى 500 مليون متر مكعب سنوياً ما يفسر العجز المائي الذي يعانيه السكان.