تعيش الأسر السعودية في الأشهر القليلة الماضية حالة من عدم التوازن في المصروفات الشهرية التي أصبحت هماً كبيراً تعانيه، إذ لم تعد فاتورة المواد الغذائية ما قبل كورونا تشبه نظيرتها في الوقت الراهن، نتيجة التضخم الناجم من ارتفاع الأسعار المتسارع الذي اجتاح أغلب السلع الاستهلاكية الأساسية وألقى بظلاله على ذوي الدخل المحدود في البلاد.
كل شيء أصبح أغلى ثمناً
ولم تكن ربة المنزل أفنان إبراهيم (50 سنة) الوحيدة التي لاحظت أن "كل شيء أصبح أغلى ثمناً"، لدى حديثها عن المفارقات بين أسعار أمس واليوم، ولكن هذا ما أظهرته كذلك نشرة الهيئة العامة للإحصاء السعودية، التي أقرت أمس أن المحرك الأساسي للتضخم يعود إلى ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 4.2 في المئة على الرغم من تباطؤ نمو التضخم السنوي العام في البلاد عند 2.2 في المئة مايو (أيار) الماضي، متراجعاً عن 2.3 في المئة في أبريل (نيسان)، خلافاً للتوقعات.
وقد أعلنت جمعية حماية المستهلك في السعودية الشهر الماضي عن رصد ارتفاع في أسعار 89 سلعة غذائية في أبريل 2021 وقارنتها مع أسعار الشهر نفسه 2022، لتجد أن الارتفاع طاول 80 سلعة، بمتوسط بلغ 10.8 في المئة.
وجاءت نسبة التغيير متفاوتة، فمتوسط سعر الخبز والحبوب كان 2.8 في المئة، أما الحليب ومنتجاته والبيض فبلغ متوسط النسبة 15.01 والخضراوات 16 في المئة، فيما وصل معدل ارتفاع الزيوت والدهون 17 في المئة، وهو الأعلى ارتفاعاً بين المجموعة الغذائية.
واختار السعوديون مواجهة ارتفاع الأسعار بحملات المقاطعة وأطلقوا وسوماً على شبكة "تويتر" تدعو إلى مقاطعة المنتجات واستبدال أخرى بها أدنى سعراً أو أقل غلاء، وأقدموا على مقاطعة بعض الشركات الكبيرة عقب الزيادة في أسعارها مثل المنتجة للبيض والألبان.
ولم يتوقف الغلاء عند المواد الغذائية ولكن أيضاً "غاز الطبخ" المرتبط بها، أعلن أخيراً أن سعر إعادة تعبئة أسطوانته العادية سيكون 18 ريالاً (نحو خمسة دولارات)، مؤكدة أن هذه الأسعار تشمل ضريبة القيمة المضافة، ولا تشمل أجور النقل من محطات التوزيع إلى مواقع البيع.
وكانت "أرامكو السعودية" أعلنت أن تطبيق تعديل أسعار منتجات غاز البترول المسال (أسطوانات الغاز)، والكيروسين، سيكون ابتداءً من يونيو 2022، ويمكن لملاك المحطات والمستهلكين متابعة تحديث الأسعار عبر موقع الشركة.
جشع التجار أم أزمة عالمية؟
يبدو أن الجميع في السوق السعودية يشتكي من أزمة اقتصادية فالبائع يشتكي من ضعف الإقبال وتراجع القدرات الشرائية، والتاجر يشتكي من الارتفاع العالمي لأسعار السلع والضرائب المفروضة عليها، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار والمستهلك يشتكي من جشع التاجر، فهل ما تمر به الأسعار جشع تجار أم أزمة عالمية؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن جملة الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت إلى ارتفاع أسعار المنتجات في السعودية يتحدث بدر العوجان نائب رئيس مجلس إدارة شركة أسواق العثيم عن أن معظم المنتجات في السعودية مستوردة، ومن الطبيعي أن تتأثر أسعارها نتيجة الارتفاع العالمي.
وأشار العوجان إلى أن تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو" توضح أن مؤشر متوسط أسعار الغذاء في سبتمبر (أيلول) 2021 ارتفع بنسبة 32.8 في المئة على أساس سنوي أي مقارنة بمستوى الأسعار في سبتمبر 2020، وشملت معظم الحبوب والزيوت النباتية والألبان والسكر والقمح.
وأضاف "بحسب تقرير (الفاو)، فإن الأسعار ستزيد نحو 30 في المئة، لكن في السعودية لم تصل إلى هذا الحد حتى الآن، وإنما فقط 15 في المئة، وبعض المنتجات لم تصل بعد إلى سبعة في المئة، والسبب وفرة المخزون ووجود الجهات الرقابية".
واعتبر أنه "ما من تاجر يرغب في أن يوصف بالجشع، وبشكل عام هناك رفض لاستغلال حاجة المستهلكين، أما المقاطعة فهي خيار متاح لدى المواطن، ونحن كتجار نحرص على تأمين السلعة للمستهلك واستدامة توريدها والحصول على ثقة المستهلك على المدى الطويل".
الضريبة وهامش الربح
وأكد أحد المستثمرين في قطاع التجزئة للسلع والمواد الغذائية، فضل عدم ذكر اسمه، أن الأسعار في السعودية لم تصل إلى الذروة بعد، ويعزو سبب ارتفاع أسعار المنتجات في البلاد مقارنة بدول الخليج الأخرى إلى ارتفاع أسعار الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على المواد الغذائية الأساسية.
من جهته، أكد أحمد الشهري الكاتب الاقتصادي أن هناك أسباباً مزدوجة في ارتفاع الأسعار لكن "هناك مبالغة معروفة من بعض الشركات عبر التسعير الاستباقي أو الانتهازي، ولا سيما أن تجارب المستهلكين في الماضي أثبتت وجاهة شكوى المستهلكين من المبالغة في التسعير"، لافتاً إلى أن هوامش الربح في السعودية تعتبر مرتفعة، وقد صرح عدد من المصانع الخارجية بأن "المستورد يرفع الأسعار وكثير منها لا يعكس السعر العادل".
وعن دور وزارة التجارة السعودية في معرفة أسباب ارتفاع الأسعار ومراقبتها وجهود الوزارة في هذه الأزمة حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع الجهات المسؤولة في الوزارة عبر إرسال الأسئلة إليها، لكن لم يصلنا أي رد منها حتى وقت كتابة هذا التقرير.
وحذر اقتصاديون من مشكلة مستقبلية تعد أشد خطورة من التضخم، فمع ارتفاع الأسعار سيصبح الناس أكثر قلقاً إزاء ما ينتظرهم، فيحجمون عن الإنفاق، ونتيجة لذلك ستتضرر مبيعات الشركات وتحجم عن الاستثمار ومن ثم تتحول فترة التضخم المؤقتة إلى ركود كارثي.
عيد الأضحى وسط المعادلة
في السياق ذاته ومع العد التنازلي لعيد الأضحى مع استمرار موجة ارتفاع أسعار الغذاء يترقب السعوديون أسعار الأضاحي التي يقبل عليها كسنة ثابتة للتواصل والتراحم بين الأسر والأهالي والمحتاجين، بخاصة بعدما أعلنت السعودية عن بدء تطبيق إجراءات منع دخول الإبل إلى المشاعر المقدسة التي يضحى بها عن سبعة أشخاص، وذلك ضمن مجموعة إجراءات احترازية اتخذتها الجهات لمواجهة "كورونا".
ويتوقع مراقبون مع هذه الخطوة مزيداً من الطلب على الشياه والأغنام والبقر، إلا أن بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية سجلت ارتفاعاً طفيفاً حتى الآن لأسعار اللحوم بنسبة 3.4 في المئة، إلا أن الخشية من استغلال حالة الطلب المتزايدة على الماشية بعد عودة موسم الحج إلى نشاطه بعد "كورنا"، لا تزال قائمة.
ويقبل الحجاج والمعتمرون عادة في مكة المكرمة على شراء مئات الآلاف من الهدي والأضاحي، تطبيقاً للتوجيهات الدينية المرغبة في تقديم الذبائح لفقراء مكة المكرمة.