تعرف معظم السواحل المغربية عمليات نهبٍ للرمال، إما بشكل سري أو عن طريق الاحتيال على القانون من قبل بعض الشركات المرخصة، وهو أمرٌ أضحى يشكل خطراً بيئياً حقيقياً.
وتؤكد مصادر رسمية "أن 55 في المئة من الرمال المستعملة في السوق المغربية مجهولة المصدر، ما يساهم في إدخال أكثر من خمسة مليارات درهم سنوياً على خزينة الدولة".
ناقوس الخطر
حذّر برنامج البيئة التابع لمنظمة الأمم المتحدة قبل أيام من خطورة الاستغلال المفرط وغير القانوني للرمال بالسواحل المغربية، من طرف "مافيا" التهريب.
ولفت التقرير الحديث، إلى أن "الاستغلال المفرط للرمال بلغ حوالي عشرة ملايين متر مكعب في السنة، وهو رقم يمثل نصف رمال البلاد، ما كانت له انعكاسات سلبية على المستويين الإيكولوجي البيئي والمجالي في سواحل المغرب".
وكشف التقرير ذاته أن "استنزاف الموارد الرملية حوّل شاطئاً في المنطقة الواقعة بين آسفي والصويرة (مدينتين مغربيتين تطلان على المحيط الأطلسي) إلى منظر صخري"، كما أن "شواطئ مدينة أصيلة شمال المغرب تعاني بدورها من التآكل، ما يشكل خطراً على المباني القريبة من الساحل".
ارتفاع الطلب على الرمال
مع ارتفاع حجم الطلب العالمي على الرمال والحصى، الذي يتراوح بين 40 إلى 50 مليار طن سنوياً، ازدادت الحاجة إلى الرمال التي تعدّ أكثر الموارد الطبيعية استهلاكاً، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة للبيئة إلى أن "ثلاثة أرباع الحجم المستهلك من الرمال، يُوظّف في خلائط الإسمنت، ما رفع من سرعة ووتيرة الاستخراج أكثر من تجددها".
ويُنبّه ناشط في جمعية بيئية إلى أن "هذه الحاجة المتزايدة إلى الرمل أدّت إلى سوء استغلاله ونهبه في أماكن كثيرة، بطرقٍ تسببت في إحداث اختلال في التوازن البيئي، وتدمير الجاذبية الطبيعية"، ويتابع "هذا الوضع تشهده مدينة أصيلة شمال المغرب التي تعاني من تآكل شديد لشواطئها بسبب إشكالات قانونية، وضغوطات مرتبطة بالسياحة"، مضيفاً "العديد من المباني في الساحل باتت في خطر أكيد من التآكل الذي يشهده شاطئ المدينة".
وبحسب الجمعية "الوطنية لحماية البيئة والسواحل" فإن "المكتب المديري سبق ونبّه إلى الاستغلال العشوائي والجائر لرمال الكثبان ورمال الشواطئ". وقال أحد أعضاء المكتب المديري إن "الجمعية دقت ناقوس الخطر من خلال توجيه نداء للحفاظ على الثروة الرملية على الشواطئ التي تمثل حوالى 370 كلم من أصل طول الساحل المغربي البالغ طوله 3500 كلم"، كما دعت الجمعية إلى "تطبيق قانون الساحل 81.12 وبقية الفصول والقوانين التي تدعو للحفاظ على الكثبان الرملية واعتبارها موروثاً طبيعياً".
قلق نشطاء البيئة
كان موضوع حماية الساحل على مدى السنين العشر الماضية، محل اهتمام السلطات المغربية، باعتباره يدخل ضمن الملفات الاستراتيجية، نظراً إلى التأثيرات البيئية، وأهمية الوسط البحري والساحلي، في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وعلى الرغم من أن السلطات المغربية تجعل حماية البيئة ضمن أولوياتها، وقد كثفت سياسة التواصل حول هذا الموضوع، خصوصاً منذ استضافة المغرب مؤتمر الأطراف الـ22 حول المناخ عام 2017، لا يخف نشطاء البيئة قلقهم من حجم هذه الظاهرة .
ويقول العيسات المصطفى رئيس جمعية البساط البيئي الأخضر "على الرغم من تأكيد بعض الجهات والمؤسسات المعنية أنّ هناك مراقبة ومتابعة لهذه الأعمال الشنيعة، تبقي هذه المراقبة محدودة في إطار جشع أصحاب هذه المقالع وعدم احترامهم للمقاييس البيئية الوطنية والعالمية"، ويضيف المصطفى قائلاً "اليوم أصبحنا نشهد مشاكل على مستوى سواحل المحمدية والمهدية وفي جزء من السواحل الجنوبية التي تعرف استنزافاً كبيراً لاستعمال هذه المادة في قطاع البناء وقطاعات حيوية أخرى".
وشدد المصطفى على ضرورة "التفاف الأطراف المعنية، من مجتمع مدني وصحافة مختصة، لتوضيح الحقيقة بشكل علمي ودقيق، لمتابعة هذه الشركات أو مافيا الرمال على المستوى القانوني".
استمرار زحف مافيا الرمال
أفاد ناشط في جمعية بيئية إلى أن "الرمال تكاد تختفي بالكامل من بعض شواطئ شمال المغرب"، مشيراً إلى "وجود ضغط كبير على شواطئ طنجة جراء تكاثر المشاريع العقارية".
وقد أشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في تقريره حول الاستغلال المفرط للرمال عبر العالم، إلى دور "مافيا الرمال في اختفاء شواطئ مغربية، في سياق تزايد مشاريع البناء على السواحل".
ورأى التقرير أن "استمرار استغلال الموارد الرملية، التي تستخدم بشكل رئيسي في بناء الفنادق والطرقات والبنيات التحتية الأخرى، بطرق غير مشروعة، يُهدد الشواطئ والمناظر الطبيعية الجاذبة للزوار، ويؤثر في الاستدامة البيئية، إلى جانب انعكاسات سلبية أخرى".
استنزاف التنوع البيولوجي
من جانبه، يوضح العيسات المصطفى أنّ "هذا الواقع بات يفرض وقفة تأمل للحد من نهب واستنزاف خيرات الأجيال المقبلة"، معتبراً أن "كل المناطق الساحلية المغربية فيها تنوع بيولوجي (مرحلة توليد بعض أنواع السلاحف وأيضاً الزواحف المائية)، وعليه فإن تواصل اجتثاث الرمال العشوائي والزحف على هذه المناطق يؤدي إلى استنزاف التنوع البيولوجي للمنطقة والتأثير على المستوى المتوسط وعلى المستوى البعيد".
عقوبة مستغلي الرمال
يتسلّح المغرب بترسانة قانونية مهمة تُنظم مجال استغلال الرمال، كالقانون رقم 27-13 المتعلق بالمقالع، والذي صدر عام 2015، ويهدف القانون إلى محاربة الاستغلال العشوائي وغير المرخص لمقالع الرمال، وتكثيف المراقبة على مستغلي المقالع، والحد من الاستغلال المفرط للكثبان الساحلية والشاطئية والمحافظة على البيئة.
وشرعت الحكومة الحالية بفرض عدد من التدابير القانونية التي ستحدد المناطق التي يمنع استغلال المقالع فيها، كما سيجري إخضاع كل أنواع المقالع لدراسة تأثيرها في البيئة، إضافة إلى تقديم كفالة مالية لضمان إعادة تهيئة مواقع المقالع بعد الانتهاء من استغلالها".
ويعاقب القانون المغربي بالحبس من عام إلى خمسة أعوام بحق كل من استغل الرمال بشكل غير قانوني.
وقد أكدت كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة نزهة الوافي، "وجود مخطط وطني لحماية السواحل قيد التفعيل ووعدت بتبني آليات تقييم، مع برامج حماية وتثمين الموارد"، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.