دخلت أحزاب سياسية ومؤسسات رسمية وجمعيات نسائية بقوة على خط الجدل القائم في المغرب بشأن موضوع المساواة في الإرث بين الجنسين، حيث دعت مجدداً إلى ضرورة تعديل مدونة الأسرة (قانون الأسرة) بما يمكن للمرأة نيل النصيب نفسه من الإرث مثل الرجل.
وترى هذه الأحزاب والهيئات المدنية، أنه يتعين تعديل قانون الأسرة ليتطابق مع الفصل 19 من الدستور المغربي، الذي يؤكد مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، ويؤسس لهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
وفي المقابل، يرى إسلاميون مغاربة، أن الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث يصطدم مع "نصوص قطعية" واردة في القرآن الكريم، بالتالي فإن مثل هذه الدعوات لا يقبلها المجتمع المغربي بدليل نتائج دراسة ميدانية حديثة لإحدى الجمعيات أوردت بأن 82 في المئة من المغاربة يرفضون كسر قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين" المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.
3 قواعد فقهية
وأنجزت جمعية النساء المغربيات من أجل البحث والتنمية دراسة ميدانية بعنوان "نظام الإرث في المغرب: ما هي آراء المغاربة؟"، من أجل تحديد مستوى المعرفة بالنظام القانوني لأحكام المواريث في المغرب، وللتعرف على التصور السائد لدى المغاربة، نساءً ورجالاً، حول تقسيم الإرث العائلي والممارسات التي تلجأ إليها الأسر المغربية للتحايل على أحكام نظام الإرث".
ورمت الدراسة الميدانية الجديدة إلى تقديم عناصر للإجابة عن الإشكالية الرئيسة للدراسة، "ما هو رأي المغاربة، نساءً ورجالاً، في نظام الإرث المغربي؟" أو بعبارة أخرى "هل المجتمع المغربي مستعد لتعديل نظام الإرث على أساس المساواة؟".
ووفق المصدر ذاته، يشكل الميراث موضوعاً حساساً في المغرب، وعادة ما يثير نقاشات قوية بين المؤيدين لمراجعة بعض قواعد الإرث التي تعد (وفق هذه الجمعيات) تمييزية، خصوصاً تجاه المرأة، وبين الرافضين بشكل قاطع لأي نقاش بسبب المرجعية الدينية.
واستعرض البحث ذاته أبرز قواعد الإرث، التي شكلت نقاط اختلاف بين مختلف الفاعلين، وهي ثلاث، الأولى قاعدة النصف (للذكر مثل حظ الأنثيين)، التي وفقها البنت لا ترث سوى نصف نصيب أخيها عند وفاة أحد والديهما"، مضيفاً أن "هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ تختلف حصة التركة الممنوحة للنساء، وللرجال أيضاً، في الواقع باختلاف المنطق الذي لا علاقة له بجنس الشخص".
والقاعدة الفقهية الثانية، التي عليها الاختلاف، وفق الدراسة، قاعدة التعصيب التي تتيح المشاركة في الميراث مع الوريثات المباشرات والذكور من العائلة نفسها في حالة عدم وجود وريث ذكر مباشر"، موضحة أن "الإرث بالقرابة" أو "التعصيب" ينبع من تقليد تاريخي، ويقوم على أساس قبلي في عهد كان فيه الرجال يتحملون مسؤولية الدفاع عن القبيلة والعناية بضعاف أفرادها".
والقاعدة الثالثة حق الإرث بالنسبة للزوجة غير المسلمة (الكتابية)، إذ إن علماء المذاهب الفقهية الأربعة أجمعوا على أن الزوجة غير المسلمة لا حق لها في الإرث، وذلك على الرغم من أنها تتمتع، على غرار الزوجة المسلمة، بالحقوق والواجبات الزوجية والمعنوية والمادية نفسها.
إعمال العقل والاجتهاد
المطلب نفسه، الذي خلصت إليه دراسة الجمعية المذكورة، عززته برلمانيات ينتمين إلى "الصف اليساري"، اللائي أجمعن على ضرورة التسريع بتعديل قانون الأسرة المغربي ليتساوق مع منطوق الفصل 19 من الدستور المغربي، ويكفل المساواة حتى في الإرث بين الجنسين.
وينص الفصل 19 من دستور 2011 على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. كما تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز".
ودعت نائبات برلمانيات إلى إعمال الاجتهاد والعقل والتأويل لما فيه مصلحة المرأة، والتعامل مع نص "للذكر مثل حظ الأنثيين" مثلما تم تعامل الفقهاء المجتهدون مع مسائل الحدود، وعدم قطع يد السارق إذا سرق، وغيرها من الوضعيات والأحوال التي لم تعد صالحة أو معمولاً بها في وقتنا الراهن، وفق برلمانيات.
هذه المطالب السياسية والحزبية دعمتها مسؤولة حقوقية مغربية، هي أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية تعنى بالملف الحقوقي في البلاد)، عندما صرحت في مداخلة لها بمناسبة عرض البحث الميداني للجمعية النسائية المذكورة، بأن مدونة الأسرة على الرغم من تكريسها في عديد من مقتضياتها مبدأ المساواة بين الجنسين، فإن ذلك لم ينعكس على مقتضيات الكتاب السادس منها المتعلق بالميراث".
ووفق بوعياش، هذا الكتاب السادس من مدونة الأسرة لا يزال حاملاً لعديد من مظاهر التمييز وعدم المساواة، ومن صورها نظام التعصيب وأثر اختلاف الدين في الحق في الميراث، وميراث ذوي الأرحام، فضلاً عن القيود المفروضة على الوصية، وهو ما يسهم بشكل قوي في الحد من ولوج الفتيات والنساء إلى الأرض والثروات، وفي جعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المساواة ليست ترفاً فكرياً
يعلق الباحث أبو حفص رفيقي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، على الموضوع بالقول، إن النقاش حول المساواة في الإرث يعد نقاشاً صحياً لا بد منه، لأن الأمر يتعلق بفئة أساسية في المجتمع، وهي فئة المرأة التي تغير وضعها عما كانت عليه من قبل.
ويرى رفيقي أن المرأة اليوم صارت تعيل عديداً من الأسر المغربية، كما أن لديها استقلالاً مالياً، كما صارت متفوقة معرفياً ومادياً، وتحتل مناصب عديدة، بالتالي يجب أن يكون وضعها المادي متوازناً ومتساوقاً مع هذه المتغيرات.
وشدد الباحث المهتم بملف الإرث على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطبق نظاماً كونياً على أوقات وظرفيات معينة مرتبطة بوضع المرأة في أوقات سابقة على وضع مختلف".
وتبعاً للمتحدث، "هذا الأمر يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن أهمها المساواة"، مردفاً أن الدعوة إلى فتح نقاش حول موضوع الإرث ليس ترفاً فكرياً، بل يتعلق بالحقوق المالية لفئة عريضة من المجتمع المغربي".
وزاد رفيقي، أن الذي يعترض بمسألة النص الديني، فجوابه أنه على مر التاريخ كانت هناك قراءات وتأويلات متعددة لهذه النصوص، ولن تعدم المخارج والحلول لأية إشكالية تم طرحها أو تم الاعتراض عليها بنص من النصوص الدينية" وفق تعبيره.
دعوات منافية للشرع والواقع
بالمقابل، يستغرب إبراهيم بن الكراب، الواعظ الديني، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، من إثارة هذا النقاش القديم - الجديد بشأن المساوة بين المرأة والرجل في الإرث"، مبرزاً أن هناك "لوبياً جمعوياً" مدعوماً من الخارج يجدد هذه الملفات كلما خفت وهجها في المجتمع.
واستطرد بن الكراب بأن الدعوة إلى مساواة الجنسين في الإرث مردود عليها بنص قطعي جازم في القرآن لا يحتمل التأويل أو الاجتهاد، وهو ما جاءت به سورة النساء بقول الله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين".
ووفق الواعظ الديني نفسه، مطالبة برلمانيات ومؤسسة رسمية حكومية بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث ينافي منطوق الشرع الإسلامي، الذي يعد مرجعاً أساسياً نص عليه الدستور، الذي تستند إليه هذه المطالب نفسها.
وزاد بن الكراب مستغرباً بأنه فوق هذا وذاك ظرفية المجتمع المغربي والسياقات التي يعيشها المواطنون ترفض هذا النقاش، فالأولوية يجب أن تكون لكرامة المغربي ومعيشته وصحته وتعليمه، لا سيما في خضم الارتفاع المهول للأسعار، وكثير من الملفات ذات الإلحاح، فلا وقت لمثل هذه النقاشات الفارغة"، على حد قوله.
وحري بالذكر أن الهيئة العلمية المكلفة الإفتاء (التابعة للمجلس العلمي الأعلى في المغرب، وهو أعلى مؤسسة دينية تعنى بالفتوى)، سبق لها أن نصت في إحدى الفتاوى على أنه "لا مجال للرأي في طلب التسوية بين الرجل والمرأة في الإرث، إذ لا اجتهاد مع وجود النص كما هو مقرر في القاعدة الأصولية الفقهية عند علماء الشريعة".