في وقت ما زالت الأزمة السياسية في السودان، التي اندلعت بفعل انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، في طور المشاورات عبر الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد)، للوصول إلى حل يعيد مسار الانتقال الديمقراطي، بدأ كثيرون يتساءلون عن الضمانات والترتيبات الدستورية الجديدة عند التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف المعنية بهذه الأزمة، حتى لا يتكرر مشهد الانقضاض على الحكم الدستوري في البلاد.
شرعية دستورية
وقال مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون الولائية عبد الجليل الباشا، "أعتقد أن الرؤية المقدمة من قوى الثورة الفاعلة والحقيقية، ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، هدفها واضح، هو استعادة مسار الانتقال والتحول الديمقراطي وملء الفراغ في أجهزة الحكم المختلفة الذي تسبب فيه الانقلاب، وتحقيق ذلك يتم عبر ثلاث مراحل تتمثل في إنهاء انقلاب 25 أكتوبر، وحدوث توافق بين القوى المدنية الفاعلة، والمكون العسكري، وأطراف سلام جوبا على الشرعية الدستورية من خلال الاتفاق على دستور جديد، لأن الوثيقة الدستورية التي كانت تحكم الفترة الانتقالية السابقة منذ التوقيع عليها بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019 ما عادت تستوعب ما طرأ من تغييرات وتطورات على الساحة السياسية في البلاد، بخاصة بعد انقلاب البرهان، فضلاً عن تأسيس جديد للمسار الديمقراطي كمرحلة ثالثة".
أضاف، "رؤيتنا كأحزاب مؤمنة بالتحول الديمقراطي الذي يقود البلاد إلى استقرار حقيقي، أن تكون المرحلة الأولى محصورة على الأطراف الداعمة لهذا التوجه، التي تدافع عن شعارات الثورة السودانية: سلام، وحرية، وعدالة، ومن أهم تلك الأطراف لجان المقاومة التي تقود الحراك الثوري في الشارع، بالتالي، من الضروري أن تكون لها إسهاماتها الواضحة خلال هذه المرحلة".
مخرج آمن
ولفت الباشا إلى أن "مسألة الضمانات والتدابير الدستورية للحفاظ على ما تبقى من الفترة الانتقالية المقبلة بعد استعادة الوضع الديمقراطي كانت واحدة من أهم أسباب تأييد الآلية الثلاثية التي تتمتع بالبعدين الدولي والإقليمي، بمعنى، كيف يكون هناك مخرج آمن للمشهد السياسي الجديد بعد إنهاء الانقلاب وضمانات لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه بين أطراف المصلحة الحقيقية، فالرؤية السياسية لن تكون مختلفة لأن مهام الفترة الانتقالية معروفة ومحددة، لكن صيغة الشراكة هذه المرة بين المكونين المدني والعسكري التي ستكون أساسها حكومة مدنية كاملة ستكون مختلفة عن سابقتها".
ونوه مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية إلى أن المرحلة الحالية هي مرحلة رؤى وطرح أفكار للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والأمني الذي دخلت فيه البلاد بسبب الانقلاب، ولم نصل حتى الآن كأطراف معنية بهذه الأزمة مرحلة الحوار والتفاوض حتى يتم التعرف إلى نقاط الاتفاق والاختلاف.
ازدياد الوعي
في السياق، قالت القيادية في مؤتمر "البجا" السوداني (أحد مكونات الجبهة الثورية) ستنا محمود، "رؤيتنا كجبهة ثورية تدعو إلى تعديل وتطوير الوثيقة الدستورية التي عطلها انقلاب 25 أكتوبر بما يخدم التحول المدني الديمقراطي حتى لا تحصل مغالطات مرة ثانية في نصوصها، كما حدث طيلة الفترة التي سبقت الانقلاب، كما يجب أن تحوي الوثيقة الجديدة التفاصيل كاملة المتعلقة بشؤون الحكم حتى لا تعطي مجالاً للاجتهاد والتفسير"، وتابعت، "لا يوجد ضامن لما سيتم الاتفاق حوله في العملية السياسية من ترتيبات دستورية بين الأطراف المعنية غير الشعب السوداني، بخاصة مع ازدياد الوعي بأهمية الديمقراطية كونها صمام أمان الاستقرار، لذلك نجد، عندما وقع انقلاب البرهان، خرجت جموع هادرة من الشعب إلى الشارع لمناهضة الانقلاب وتواصل الحراك ضده حتى يومنا هذا، على الرغم من العنف المفرط الذي مارسته الأجهزة الأمنية في تصديها للتظاهرات وراح ضحيته 101 قتيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت محمود، "دور الآلية الثلاثية يصب فقط في تيسير وتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية من خلال ما يطرح من رؤية لكل طرف، ولا اعتقد أن هناك سبيلاً أو مخرجاً خلاف الحوار والتفاوض للوصول إلى حل يقود إلى تحول مدني ديمقراطي، لكن حتى الآن، لم يحدث اختراق ينهي هذه الأزمة. وفي تقديري، من المفترض أن يقدم المكون العسكري، باعتباره يمسك بزمام السلطة، مزيداً من التنازلات من أجل بناء الثقة، فضلاً عن وقف العنف وإعطاء مزيد من الحريات للشارع من منطلق أنه حق دستوري مكفول له".
محاسبة الانقلابيين
بدوره، قال القيادي في قوى الحرية والتغيير، المحامي المعز حضرة، "الضمانات في الفترة السابقة كانت موجودة في الوثيقة الدستورية، لكن الانقلاب هو الذي تسبب في ذلك، بالتالي، يصبح من المهم تغيير عقلية العسكر، وهو أمر يحتاج إلى علاج نفسي، فلا بد أن يفهموا أن دورهم ليس السلطة، وأن ما يقومون به من انقلابات مخالف لقوانين القوات المسلحة ولدورهم الوظيفي، ويجب أن يبتعدوا عن المشهد السياسي والعودة إلى ثكناتهم ليتفرغوا لممارسة مهامهم بالشكل المطلوب"، ورأى أنه من الضروري أن تكون هناك وثيقة دستورية جديدة أو الرجوع إلى دستور 1956 تعديل 1985، ولا بد من محاسبة الانقلابيين لأن عدم المحاسبة يشجع كل مجموعة عسكرية على محاولة القيام بانقلاب، مبيناً أن المجتمع الدولي ليس لديه ضمانات يقدمها سوى الضغوط وهي أيضاً غير كافية.
تفاؤل
وفي إطار التطورات الحاصلة بالمشاورات الجارية لإنهاء الأزمة السودانية، التقت الآلية الثلاثية الخميس 16 يونيو (حزيران) مع اللجنة العسكرية الثلاثية للحوار برئاسة محمد حمدان دقلو "حميدتي" نائب رئيس مجلس السيادة، ونقل بيان لمجلس السيادة، عن رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان "يونيتامس" فولكر بيرتس، قوله، إن "الاجتماع ناقش دفع عملية الحوار السياسي لإخراج السودان من أزمته الحالية"، لافتاً إلى أن اللجنة العسكرية للحوار أكدت ضرورة الإسراع في العملية السياسية للحوار، وأضاف فولكر، "تلك التأكيدات تخلق حالة تفاؤل بأننا وصلنا مرحلة اتفاق الأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية، والمجتمع السوداني، لإيجاد حل للأزمة السودانية في أقرب وقت ممكن".
إنهاء الانقلاب
وكانت قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية بقيادة عبدالله حمدوك السابقة، أجازت عبر مجلسها المركزي وثيقة مطالب وإجراءات إنهاء الانقلاب، وبحسب بيان لها، فإن الورقة تتكون من ثلاثة أقسام: الأول القضايا الإجرائية، والثاني أسس الحل السياسي المفضي لإنهاء الانقلاب، والثالث خطوات إنفاذ خريطة طريق إنهاء الانقلاب، وأكد البيان أنه ستتم مشاركة نسخة من الوثيقة مع قوى الثورة كافة المقاومة للانقلاب في العاصمة والولايات، كما ستقوم قوى الحرية والتغيير مستصحبةً الرؤى والملاحظات والإضافات التي تنتج من التواصل مع قوى الثورة، بمشاركتها لاحقاً مع الآلية الثلاثية وأطراف العملية السياسية، وفقاً لما تقرره هيئات التحالف.
وسبق أن أعلنت قوى الحرية والتغيير رفضها الدخول في حوار مباشر أو غير مباشر مع السلطة الانقلابية، وتمسكت بمطلوبات لتهيئة مناخ الحوار، وشددت على ضرورة أن تؤدي أي عملية سياسية إلى إنهاء الانقلاب، وأدى لقاء بينها وبين الآلية الثلاثية إلى تجميد الحوار الذي بدأته الآلية في الثامن من يونيو بين المكون العسكري ومجموعات سياسية محسوبة على الانقلاب، باعتبار أن التحالف طرف أساسي في أي عملية سياسية لحل الأزمة.