كانت العملات المشفرة في منتصف ارتفاع غير عادي في القيمة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما حذر نائب محافظ بنك إنجلترا من احتمال حدوث انهيار في الأسعار، ومع وصول قيم الأصول الرقمية إلى مستويات عالية جديدة، كان السؤال المهيمن في ذهن السير جون كونليفن هو ما الذي قد يعنيه الانهيار بالنسبة لاستقرار النظام المالي الأوسع، وهو تركيزه الأساسي في البنك، وعلى الرغم من أن المخاطر كانت محدودة في ذلك الوقت، قال كونليف إن هناك "أسباباً وجيهة للاعتقاد أنه، مع كل شيء آخر متساو، قد لا تكون هذه هي الحال لفترة أطول بكثير"، فنظراً إلى تحول العملة المشفرة من أطراف التمويل العالمي إلى الاتجاه السائد، فقد أدى وضعها كمساحة غير منظمة إلى حد كبير إلى تضخيم القلق بين صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم، كما أثار بروزها المتزايد أسئلة حول تأثير التصحيحات المستقبلية، بالتالي هل سيتم احتواء العملات المشفرة في عالمها؟ أم إنها ستطلق العنان لموجات الصدمة في النظام المالي الأوسع؟
وأشار كونليف نقلاً عن "ذا تايمز"، إلى بلوغ سوق الرهن العقاري الثانوي ما قيمته نحو 1.2 تريليون دولار في عام 2008 عندما سادت الأزمة المالية العالمية، مقارنة بالقيمة الإجمالية لأصول التشفير، والتي تضخمت لتصل إلى ثلاثة تريليونات دولار في الخريف الماضي، من 16 مليار دولار في غضون خمس سنوات فقط.
وكان صيف 2021 المشفر، قد أفسح المجال عندما كانت الأموال تتدفق على فئة الأصول الوليدة، أمام شتاء أقسى بكثير، فمنذ أن بلغت ذروتها عند 68.999.99 دولاراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، تراجعت قيمة "بيتكوين"، وهي العملة المشفرة الأكثر شيوعاً والأكثر تداولاً، بنسبة 70 في المئة، ويوم الجمعة، تم تداولها بما يزيد قليلاً على 20000 دولار، في حين بلغت القيمة الإجمالية لسوق الأصول المشفرة 907 مليارات دولار.
ودفعت أحدث سوق هابطة بعض اللاعبين الرائدين في الصناعة، بما في ذلك البورصات مثل "كوين بيز" و"جيميني" و"كريبتو دوت كوم"، ناهيك بـ"بلوك فيي"، منصة الإقراض، لإلغاء مئات الوظائف.
التشفير وارتفاع التضخم والفائدة
وتم اختبار الثقة في العملات المشفرة هذا العام من خلال ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، كما تعرضت لمزيد من القلق، الشهر الماضي، بسبب انهيار "تيرا يو أس دي"، وهو ما يسمى العملة المستقرة التي حطمت ربط عملتها بالدولار وتراجعت قيمتها، وتعرضت للخسارة مرة أخرى هذا الأسبوع عندما جمدت شبكة "سيلسيونس"، المقرض المستخدم على نطاق واسع في صناعة العملات الرقمية، عمليات سحب العملاء والتحويلات بين الحسابات "بسبب ظروف السوق القاسية"، وفشل تشو سو، الذي يعتقد أنه أحد أكبر مستثمري العملات المشفرة في العالم، في تقديم الكثير من الطمأنينة وسط تقارير تفيد بأن "ثري آروز كابيتال"، صندوق التحوط الذي يركز على التشفير والذي شارك في تأسيسه، يواجه مشكلات في التصفية. وكتب على "تويتر"، "نحن بصدد التواصل مع الأطراف المعنية، ونحن ملتزمون تماماً بالعمل على حل هذه المشكلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا الركن من السوق، الذي وصفه الممثل الكوميدي جون أوليفر بسخرية بأنه مزيج من كل شيء لا تفهمه حول المال وكل ما لا تفهمه عن أجهزة الكمبيوتر، لم يعد مكاناً مناسباً، فاعتباراً من الصيف الماضي، كان نحو 2.3 مليون شخص في المملكة المتحدة يحتفظون بالعملات المشفرة، وفقاً لهيئة السلوك المالي البريطانية، الجهة المنظمة للمدينة.
ولم يكن الاستيعاب السريع للمستثمرين الأفراد، ولكن النمو المطرد للمشاركة المؤسسية هو الذي أثار قلق أولئك الذين لديهم مخاوف في شأن الاستقرار المالي. ووصف هايدن جونز، كبير المتخصصين في سوق "بلوك تشين" في "برايس ووتر هاوس كوبرز"، الاحتمال الوشيك للتهديد الشامل بأنه "دائم الوجود"، لكنه أكد أن المخاطر الحالية ضئيلة. وقال، "لا أعتقد أننا حصلنا على بصمة رأس المال حتى الآن لتكون مصدر قلق كبيراً".
ووفقاً لإيان تايلور، المدير التنفيذي لـ"كريبتو يو كي"، وهي هيئة تجارية، فإن الاستثمار في العملات المشفرة كفئة أصول "ليس في المرحلة التي قد تؤثر فيها على الاستقرار المالي". وقال إنه "لا يوجد خطر" من أن يؤدي التصحيح الأخير إلى "نزيف" شبيه بكارثة الرهن العقاري الثانوي، مضيفاً، "هناك الكثير من المبالغة حول كون هذه الأرقام كبيرة، وفقدان المليارات، لكن الأمر مختلف تماماً على الإطلاق. الكثير من هذا ليس مؤسسياً".
لجنة "بازل" والتدقيق في التشفير
وعلى الرغم من أن تعرض البنوك لا يزال طفيفاً، فإن لجنة "بازل" للرقابة المصرفية، وهي مجموعة من السلطات الإشرافية التي أنشأتها البنوك المركزية، تدقق في القطاع، وقد حددت طرقاً يمكن أن تزيده، بما في ذلك من خلال قدراتها كمقرضين ومصدرين ومقدمي عهدة، أو كصناع سوق. وفي العام الماضي، حددت الهيئة قواعد رأسمالية صارمة للشركات المنخرطة في العملات المشفرة، بعد أن خلصت إلى أن العملات الرقمية تشكل "مخاطر فريدة" على النظام المصرفي.
وقال جاريك هيلمان، الزميل الزائر في كلية لندن للاقتصاد ورئيس الأبحاث في "بلوك تشين دوت كوم"، وهي منصة تشفير، إن خطر تصحيح العملة المشفرة الذي يزعزع استقرار النظام المالي لم يكن ببساطة "العالم اليوم"، لكنه أضاف أنه لا يمكن إنكار أن التشفير أكثر تقلباً من كثير من فئات الأصول. وقال إنه يتوقع أنه سيكون هناك تقلب في المستقبل المنظور.
تهديد الاستقرار المالي
ومع ذلك، فإن الجهات التنظيمية بما في ذلك "كونليف"، تضع أعينها على المستقبل بدلاً من الحاضر، وعلى الرغم من أن استثمارات العملات المشفرة تمثل أقل من واحد في المئة من إجمالي الأصول المالية العالمية، فمن المتوقع أن تنمو هذه النسبة. وأشار هيلمان إلى أن المشاركة المؤسسية الأوسع في هذا المجال يمكن أن تقلل من التقلبات، وقد يؤدي إلى تراجع بنسبة 50 في المئة بدلاً من 75 في المئة، ربما، بالتالي تقليل أي تهديد للاستقرار المالي الأوسع. أضاف، "لم تكن عمليات بيع (بيتكوين) الأخيرة من بين أكبر خمسة مسارات، من حيث النسبة المئوية، خلال تاريخها القصير الممتد لـ14 عاماً". وقال أيضاً، "لقد رأينا هذا الفيلم من قبل".
والمنظمون بشكل عام ليسوا متفائلين، والشهر الماضي، تحدث بابلو هيرنانديز دي كوس، محافظ بنك إسبانيا ورئيس لجنة "بازل"، عن عدد فئات الأصول الأخرى التي تقدر بمليارات الدولارات التي يمكن أن تعاني تقلبات حادة في القيمة ناجمة عن التغريدات، أو يتم تسويقها على أنها "مستقرة" و"عملات" على الرغم من التقصير المتكرر في كلا الأمرين؟
وقال هايدن جونز، "أعتقد أن حاجة [للمنظمين] للاستجابة مفهومة جيداً"، لكن إدراك وجود تهديد محتمل للاستقرار المالي أسهل من اتخاذ إجراء، بخاصة مع وجود نحو 20000 قطعة نقدية رقمية، مضيفاً، "من الصعب جداً جذب المواهب المناسبة بالنوع المناسب من الخبرة، إن وتيرة التغيير سريعة للغاية، إنه أمر صعب للغاية بالنسبة للمنظمين".