ملخص
كان الذهب واحداً من أفضل فئات الأصول أداءً في الأشهر الـ12 التي سبقت الانتخابات
شهدت الأسواق المالية العالمية اضطراباً منذ فوز دونالد ترمب وحزب الجمهوريين في الانتخابات الأميركية، ولم يكن كثير من المحللين يتوقعون احتمالية حدوث "العاصفة الحمراء"، التي تصف فوز مرشح الحزب الجمهوري بالرئاسة، إضافة إلى سيطرة الحزب على كلا المجلسين النواب والشيوخ.
تسارع المستثمرون لشراء الأصول التي يشعرون أنها الأفضل للاستفادة من نتيجة الانتخابات المفاجئة، بما في ذلك تلك التي من المحتمل أن تستفيد من شعار الرئيس المنتخب ترمب "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". حتى الآن، قفزت الأسهم التي تتمتع بأكبر تعرض للاقتصاد الأميركي والتي تحقق إيرادات بالدولار، مما دفع المؤشرات الرئيسة للأسواق الأميركية إلى تسجيل مستويات قياسية جديدة.
استفادت فئة أصول أخرى من "العاصفة الحمراء"، وقليلون ربما يدركون أنها حققت عوائد تفوق تلك التي شهدتها سوق الأسهم الأميركية، وهي العملات الرقمية (المعروفة اختصاراً بالعملات المشفرة)، وفي هذا السياق، برزت "بيتكوين"، العملة المشفرة الأصلية، إذ حققت مستويات قياسية جديدة.
وفي المقابل، هناك عديد من فئات الأصول الكبرى التي وجدت نفسها على الجانب الخاطئ من نتيجة الانتخابات الأميركية، إذ أسهم وعد الرئيس المنتخب ترمب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60 في المئة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة في ضربة لأسعار السلع الأساسية مثل خامات الحديد والنحاس والنيكل والزنك والنفط الخام والفحم.
الذهب ضحية "العاصفة الحمراء"
ومن المثير للاهتمام أن هناك ضحية أخرى لـ"العاصفة الحمراء" ليس لها علاقة كبيرة بحرب تجارية عالمية وشيكة وهي الذهب، إذ تراجعت أسعاره منذ أن أصبح من الواضح نتيجة الانتخابات، ويعد هذا الأمر أكثر غرابة بالنظر إلى أن الذهب كان واحداً من أفضل فئات الأصول أداءً في الأشهر الـ12 التي سبقت الانتخابات.
حقق موقع "ماركت إنديكس" في أسباب صعود "بيتكوين" الأخير وكذلك تراجع الذهب في الفترة الأخيرة، ونظر في التوقعات لكل منهما تحت إدارة ترمب، واستعرض لماذا يجب على المستثمرين الاحتفاظ بكليهما في محافظهم الاستثمارية.
ما "بيتكوين"؟
البيتكوين عملة رقمية أنشئت في عام 2009 من قبل شخص (أو مجموعة من الأشخاص) مجهولين باستخدام الاسم المستعار "ساتوشي ناكاموتو". وعلى عكس العملات التقليدية، تعمل "بيتكوين" من دون الحاجة إلى بنك مركزي أو إدارة واحدة، مما يجعلها لا مركزية، في حين يجرى التحقق من المعاملات عبر شبكة من العقد باستخدام التشفير وتسجل في دفتر حسابات موزع علني يسمى "بلوك تشين".
أنشئت 21 مليون "بيتكوين" في البداية، ومنذ ذلك الحين وزعت تدريجاً كمكافأة لعملية تسمى "التعدين"، ويتضمن التعدين استخدام القوة الحسابية لحل مسائل رياضية معقدة (أي التشفير)، ويهدف هذا النظام المبتكر إلى توفير وسيلة آمنة وشفافة لتتبع والتحقق من ملكية "بيتكوين"، ومن ثم نقل القيمة بين طرفين.
وتتمثل أهم ميزة وجاذبية لـ"بيتكوين" والعملات الرقمية الأخرى في القدرة على إجراء التعاملات من دون الحاجة إلى وسيط مثل البنوك أو المؤسسات الحكومية، أما المستخدمون فمجهولون، إذ يتعرف إليهم فقط من خلال عنوان محفظة "بيتكوين" الخاصة بهم أو "المفتاح"، وهو معرف فريد مكون من أحرف وأرقام.
وتعد "بيتكوين" تحدياً للأنظمة المالية التقليدية، فضلاً عن الحكومات التي تفضل تنظيمها ومراقبتها، ولهذا السبب، فإن إدخال "بيتكوين" ونموها السريع في السنوات الـ15 الماضية كان مثيراً للجدل.
ما الحجة لامتلاك "بيتكوين"؟
يكمن السبب الرئيس لنجاح "بيتكوين" الأخير في الاهتمام الذي أبداه الرئيس المنتخب ترمب خلال حملته الانتخابية، فبعدما كان ناقداً للعملات الرقمية بصورة عامة، تبنى الرئيس المنتخب ترمب هذا العام موقفاً مؤيداً لـ"بيتكوين"، مشيراً إلى إمكاناتها كأداة للتحوط ضد التضخم ووسيلة للابتكار المالي.
ودعا ترمب إلى خلق بيئة تنظيمية أكثر تساهلاً تشجع على نمو العملات الرقمية واعتمادها، بل هدد بإقالة رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية الحالي غاري جينسلر، الذي يعد على نطاق واسع مشككاً في العملات الرقمية، واستبدال شخصية أكثر دعماً للعملات الرقمية به (وادعى الرئيس المنتخب ترمب أنه سيفعل ذلك في اليوم الأول من رئاسته).
وأشار إلى سياسات انتخابية ركزت على دعم تكنولوجيا "بلوك تشين" ودمج العملات الرقمية في النظام المالي الأوسع، وأكد أهمية جعل الولايات المتحدة رائدة عالمياً في مجال ابتكار العملات الرقمية، ومن ثم تعزيز الحرية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي.
وإذا جمعنا كل ما سبق، فإن ذلك يساعد على تفسير الأداء الاستثنائي الذي حققه سعر "بيتكوين" منذ بداية الأسبوع الماضي مع بدء تداعيات نتيجة الانتخابات الأميركية في التبلور. ويراهن مستثمرو "بيتكوين" على عصر جديد من زيادة الاعتماد على العملة الرقمية، ومن ثم زيادة الطلب عليها، في ظل محدودية العرض الذي تفرضه حقيقة أنه لا يمكن أن يوجد أكثر من 21 مليون "بيتكوين" في الإجمالي.
ومن المهم أن نلاحظ أنه من بين هذه الكمية، يقدر أن نحو 4 ملايين "بيتكوين" فقدت نتيجة للسرقة أو فقدان المفاتيح على مر السنين، كما أن نحو مليون "بيتكوين" أخرى مملوكة لشخصية ساتوشي ناكاموتو، ومن المفترض عموماً أن هذه لن تطالب بها أو تستخدم نظراً إلى رغبة هذا الكيان في البقاء مجهولاً للأبد.
وفي الوقت الحالي يتأثر سعر "بيتكوين" بأبسط المبادئ الاقتصادية وهي العرض والطلب، فهناك ببساطة طلب أكبر بكثير على العملة الرقمية في أعقاب نتيجة الانتخابات الأميركية مما هو متاح من العرض لتلبية هذا الطلب، وهذا هو السبب في ارتفاع سعرها حالياً، ومن وجهة نظر تحليلية بحتة، فإن الاتجاهات وتحركات الأسعار تشير جميعها إلى سيطرة قوية من جانب الطلب.
ونظراً إلى أن "بيتكوين" تتداول عند مستويات قياسية، لا توجد نقاط تاريخية كبيرة من العرض لتواجهها، ومن منظور التحليل الفني، من الأفضل النظر إلى الأرقام الرئيسة الكبيرة التي تميل إلى خلق فائض في العرض حولها فقط بسبب أن عديداً من المستثمرين يفضلون البيع قربها، في حين أن الرقم الرئيس الأكثر وضوحاً الذي أصبح قريباً من سعر "بيتكوين" الحالي هو 100 ألف دولار.
ما الحجة لامتلاك الذهب؟
أما بالنسبة إلى المعدن الأصفر فتبرز الاتجاهات الاقتصادية الكلية الحالية في أهمية امتلاك الذهب، فمن المحتمل أن يكون العالم على شفا فترة طويلة أخرى من السياسات النقدية والمالية الأكثر تساهلاً، التي تهدف إلى تحفيز الاقتصادات المتباطئة على جانبي المحيط الأطلسي، وكذلك في الصين.
والنتيجة المترتبة على السياسات النقدية الأكثر تساهلاً، أي عندما تطبع البنوك المركزية مزيداً من الأموال، هي تدهور العملة الورقية، ويحدث هذا عندما يتزايد عرض العملة الورقية مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها مقابل الأصول الصلبة ذات الديناميكيات المستقرة في العرض والطلب مثل الذهب، علاوة على أن زيادة التحفيز الاقتصادي يمكن أن تؤدي أيضاً إلى زيادة التضخم.
أما النتيجة الأخرى للسياسات المالية التحفيزية فهي تزايد مستويات الديون الحكومية، وهذا أيضاً يمكن أن يقوض الثقة في عملات الدول التي ينظر إليها على أنها تمتلك ديوناً عامة غير مستدامة، وتعد الولايات المتحدة الأميركية بخاصة في هذا السياق عرضة للخطر، مما يؤدي إلى تزايد الاتجاه العالمي نحو التخلص من الدولار.
ويعزز نمو عدم الثقة في الدولار الأميركي إلى جانب التحولات الجيوسياسية نحو التعاون الاقتصادي خارج نطاق الكتل الأميركية (مثل مجموعة "بريكس") من جاذبية الذهب كوسيلة مستقرة للاحتفاظ بالقيمة.
وعلى مدى الـ12 شهراً الماضية أدرك المستثمرون مرونة الذهب التاريخية وقدرته على الحفاظ على الثروات في الأوقات غير المستقرة، مما جعله إضافة حكيمة إلى أي محفظة استثمارية، فقد تفوق سعر الذهب على عديد من فئات الأصول التقليدية الأخرى خلال هذه الفترة، ومع ذلك شهدت أسعار الذهب في الأسبوع الماضي، بعد نتيجة الانتخابات الأميركية، تحولاً مفاجئاً في الاتجاه.
ومن منظور تقني بحت يتعرض الاتجاه القصير الأجل للذهب لضغط شديد، فقد أغلق السعر تحت شريط الاتجاه القصير الأجل، الذي أصبح محايداً، إضافة إلى أن حركة السعر تظهر قمماً وقيعاناً منخفضة، وبصورة عامة تتسق هذه العوامل مع السيطرة من جانب العرض على المدى القصير.
وكانت هناك نقطة طلب تاريخية عند أدنى قاع في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عند مستوى 2618 دولاراً، وهي مهددة بالاختراق، كما سيتعين على هذا المستوى الثبات لتجنب اختبار أعمق للطلب نحو منطقة التماسك بين 2500 دولار في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، لوحظ أن الطلب الديناميكي من شريط الاتجاه الصعودي الطويل الأجل قد يبدأ أيضاً في التأثير حول هذا السعر، وبصورة عامة لا يزال سعر الذهب في اتجاه صعودي طويل الأجل قوي وثابت، لكنه يمر بتصحيح على المدى القصير.
لماذا يعاني الذهب منذ الانتخابات الأميركية؟
وشهدت أسعار الذهب و"بيتكوين" تحركات معاكسة تقريباً منذ الانتخابات الأميركية، وبينما تعد سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب إيجابية للغاية بالنسبة إلى "بيتكوين"، فإن تأثيرها في الذهب يبدو أقل يقيناً.
أزالت الطبيعة الحاسمة لفوز ترمب قدراً كبيراً من عدم اليقين في شأن توجه السياسة الأميركية، في الأقل حتى انتخابات الكونغرس النصفية في عام 2026، وبما أن الذهب يعد تقليدياً ملاذاً ضد عدم اليقين، فقد انعكس هذا العامل سلباً على أسعاره.
ومع اعتبار "الاكتساح الجمهوري" إيجاباً للغاية للنمو الاقتصادي الأميركي، من المحتمل أن تؤدي سياسات ترمب والجمهوريين إلى زيادة التضخم، وأثار ذلك تساؤلات حول مدى حاجة "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" إلى الاستمرار في دورة خفض أسعار الفائدة التي بدأها أخيراً، ونتيجة لذلك شهدت عوائد السندات الأميركية ارتفاعاً حاداً بعد الانتخابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى عكس "بيتكوين"، التي يمكن إقراضها لتحقيق عائد من الفائدة، لا يوفر الذهب أي عائد، بل إن الاحتفاظ بالذهب الفعلي يعد مكلفاً بسبب كلفة التخزين والتأمين، وهذا يعني أن هناك عادة كلفة فرصة كبيرة مرتبطة بالاحتفاظ بالمعدن.
ومع ارتفاع معدلات العائد الخالي من الأخطار (تعد السندات الأميركية استثمارات خالية من الأخطار توفر عائداً مضموناً)، تزداد كلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب الذي لا يدر عائداً.
هل "بيتكوين" أفضل من الذهب؟
يعد الذهب عبر التاريخ الملاذ الآمن التقليدي ضد التقلبات الاقتصادية، وأداة تحوط فعالة ضد التضخم، وطريقة موثوقة لتنويع المحافظ الاستثمارية، أما "بيتكوين" فهي الوافد الجديد نسبياً إلى عالم الاستثمار (أو إلى سلسلة الكتل بصورة أدق)، وتقدم عديداً من الفوائد المشابهة.
وعندما تهدأ التقلبات في أسواق السندات (إذا حدث ذلك) قد تستمر الاتجاهات الاقتصادية الكلية الطويلة الأجل، مثل ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة العملات الورقية، والابتعاد التدرجي عن الاعتماد على الدولار، في دعم المكاسب الطويلة الأجل للذهب، ومن جهة أخرى قد تستفيد "بيتكوين"، بفضل عرضها المحدود والمستقر، من هذه المحركات الاقتصادية نفسها على المدى الطويل.
وعلى رغم أن لكل من الذهب و"بيتكوين" مزايا وعيوباً، فإن الظروف الراهنة تدعم أداءً إيجاباً لكلا الأصلين، ومن ثم يبدو أنه من المنطقي أن يكون لكل منهما مكانة في محفظة استثمارية متوازنة جيداً.