مع تجاوز حرب روسيا على أوكرانيا عتبة الـ100 يوم، تتضاعف الدعوات في الولايات المتحدة وأوروبا من أجل إنهاء الصراع. وفي التفاصيل أن إيطاليا طرحت خطة سلام مفصلة، فيما شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أهمية توفير مخرج لروسيا، كما اقترح وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر ضرورة أن تنظر أوكرانيا في التنازل عن بعض من أرضها لروسيا في مقابل السلام، بيد أن الحروب تنتهي فقط بإحدى الطريقتين التاليتين: إما يفرض أحد الطرفين إرادته على الآخر، أولاً في ميدان القتال ومن ثم حول طاولة المفاوضات، أو يتبنى كل منهما تسوية ما يعتبران أنها أفضل من القتال. وفي أوكرانيا، من غير المرجح أن يتحقق أي من هذين السيناريوهين في وقت وشيك. فالصراع هناك تحول إلى حرب استنزاف، إذ تركزت المواجهة حالياً بين القوات الروسية والأوكرانية في منطقة محصورة بشكل نسبي. وعلى المستوى الدبلوماسي، لا مصلحة للأوكرانيين حالياً في الموافقة على أن تحتل روسيا مساحات شاسعة من أراضيهم. وليس لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من جانبه، أي مصلحة بالموافقة على أي نتيجة يمكن اعتبارها في الداخل هزيمة له. وعليه، فإن الخلاصة التي لا مفر منها هي أن هذه الحرب ستستمر. وستستمر طويلاً.
ومع استبعاد سيناريو النصر وسيناريو التسوية على حد سواء عن الاحتمالات الممكنة في المستقبل المنظور، فإن الولايات المتحدة وأوروبا تحتاجان إلى استراتيجية لإدارة صراع مفتوح. إن "الإدارة" وليس "الحل" هي الكلمة المفتاحية هنا، لأن أي حل يتطلب بشكل شبه أكيد تغييراً أساسياً في سلوك موسكو، قد ينجم إما عن احتجاج شعبي واسع النطاق في روسيا يتسبب به الانهيار الاقتصادي، أو عن خسائر كبيرة بالأرواح، أو بفعل ضغوط صينية. ليس هناك حل مرجح الحدوث، والأغلب أن على المرء أن ينتظر ظهور زعيم روسي جديد يكون مستعداً للقبول بأوكرانيا [كدولة] ذات سيادة حقيقية، وللأسف، فإن تحقيق ذلك يقع خارج نطاق قدرة الغرب. وما يمكن للغرب أن يفعله، مع ذلك، هو الاستمرار في دعمه لأوكرانيا، ورفع مستوى هذا الدعم بشكل انتقائي، والالتزام بالقيود المفروضة على مشاركته العسكرية المباشرة، وزيادة الضغوط الاقتصادية على روسيا. وهذا من شأنه أن يرقى إلى سياسة مصممة من أجل التعامل مع الحرب، بدلاً من إنهائها.
اختيار روسيا
مع تعذر القيام بتغيير النظام في كييف، قلص بوتين من طموحاته وركز جهوده على السيطرة على شريحة من جنوب وشرق أوكرانيا في محاولة لتوسيع وربط الأراضي التي وضع يده عليها في عام 2014، لكن ما لم يتخل عنه، هو، الاعتقاد أن أوكرانيا لا تستحق أن تكون كياناً ذا سيادة. وكنتيجة لذلك فإن من الصعب تخيل أن بوتين سينهي الصراع. وإذا كان أداء القوات الروسية سيئاً في هجومها المستمر في دونباس، فإنه لن يكون مستعداً لقبول ما قد يراه كثيرون هزيمة في حرب كان هو من بدأها، ويعرضه بالتالي للتحدي من الداخل فيؤدي إلى تحجيم إرثه. من جهة أخرى، إذا استطاعت القوات الروسية أن تكون صاحبة اليد الطولى، لن يكون هناك سبب يحمل بوتين على الموافقة على وقف للقتال.
إن عدم وجود أي احتمال بتحقق أي من التطورات التي من شأنها أن تغير حسابات بوتين يؤدي إلى المزيد من تخفيف احتمالات السلام. خذ على سبيل المثال، الانتقادات الموجهة للحرب ضمن روسيا. تزعم أوكرانيا أن 30 ألف جندي روسي قد قتلوا سلفاً في المعارك، بينما تشير تقييمات أخرى إلى أن العدد لايتجاوز نصف ذلك الرقم. وأياً كان الرقم الدقيق، فمن المؤكد أنه أضخم مما كان الكرملين يتخيله. وفي مجتمع عادي، من شأن ذلك أن يستنزف الدعم [الذي تحظى به] الحرب، لكن نظراً إلى أن الحكومة تستطيع أن تتحكم فعلياً في المعلومات والبطش بخصومها، فإن الانتقادات المحلية للحرب كانت حتى الآن نسبياً مكبوتة بشكل نسبي.
ماذا إذا تزايد الضغط الاقتصادي؟ في الوقت الحاضر، لا تقترب العقوبات على الإطلاق من النقطة التي تهدد فيها بإطاحة بوتين. وقد ساعد ارتفاع أسعار النفط وظهور زبائن مثل الهند على التعويض عن انخفاض المبيعات للغرب. ومن جانبها، تواصل أوروبا استيراد الغاز الروسي. وإذا توقفت عن ذلك، ستجد روسيا صعوبة في بيع الغاز إلى آخرين، إلا أن أوروبا ستواصل الشراء على الأغلب. وإذ يشعر الأوروبيون بالقلق على اقتصاداتهم، فإن الدول الأوروبية ستقاوم قطع الواردات حتى يمكنها أن تتأكد من [توفر] إمدادات بديلة من الغاز أو مصادر بديلة للطاقة، وكل من هذا سيستغرق سنوات حتى يتحقق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ثم، فإن هناك احتمالاً لحصول ضغوط من الصين، التي وقفت حتى الآن إلى جانب روسيا. وإذا أقنع الغرب الصين بالنأي بنفسها عن موسكو، فإن بوتين قد يدرك عندها أن الغزو الذي قام به كلفه شريكاً له أهمية حاسمة. ويجب أن تفعل الولايات المتحدة وأوروبا كل ما في وسعهما من أجل تفريق القوتين عن بعضهما بعضاً، بما في ذلك تقديم حوافز للصين مع تحذيرها أيضاً من أن التأييد المستمر لروسيا من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات الأميركية – الصينية، لكن حتى إذا حاولتا، فإن جهودهما قد تفشل مع ذلك، باعتبار أن الرئيس الصيني شي جينبينغ سيكون متردداً بشكل كبير بفعل أي شيء يمكنه أن يفضي إلى هزيمة روسيا أو من شأنه أن يوحي أنه قد أخطأ في ربط الصين بشكل وثيق مع روسيا.
وجهة النظر من أوكرانيا
إن حسابات كييف أكثر تعقيداً. فمثلها مثل أي بلاد تعرض لهجوم، اضطرت أوكرانيا أن تضع أهدافها الحربية في عجالة. لا تتحدث حكومتها بصوت واحد، كما أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد غير موقفه. ففي بعض الأحيان، لمح إلى أنه لن يقبل بأقل من الوضع الذي كان سائداً منذ 1991، حينما صارت أوكرانيا مستقلة عن الاتحاد السوفياتي، وحتى عام 2014. وفي أحيان أخرى، لمح إلى أن أوكرانيا يمكنها أن تتقبل عودة إلى وضع سابق مختلف، أي الوضع الذي ساد منذ 2014، ولكن قبل غزو 2022، والذي من شأنه أن يترك روسيا مسيطرة على شبه جزيرة القرم وبعض إقليم دونباس.
ولدى تقرير ما إذا كانت ستطلب رسمياً إنهاء الحرب، على أوكرانيا أن تأخذ بعين الاعتبار عدداً من العوامل. والأكثر إلحاحاً هو التكلفة المباشرة للحرب. وطبقاً لمنظمة الأمم المتحدة، فقد تكبدت البلاد خسائر بالأرواح بين المدنيين تزيد على 3000 ضحية، وحسب زيلينسكي، فإنها تفقد ما يصل إلى 100 جندي يومياً. ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 45 في المئة في هذا العام. وقد هرب من البلاد ما يزيد على 6.5 مليون أوكراني منذ بداية الحرب، وذلك من أصل 44 مليون نسمة من السكان. وهناك ما يزيد على 7 ملايين من النازحين داخلياً. ومن الصعب تحمل تكاليف باهظة من هذا النوع.
لن تكون أوكرانيا على الأغلب قادرة على استعادة الوضع الراهن الذي كان سائداً قبل فبراير
ثمة عامل آخر يجب أن تأخذه أوكرانيا في عين الاعتبار، وهو احتمال أن يغير المد العسكري اتجاهه. وعلى الرغم من أن قواتها قد أبلت بلاءً أفضل مما كان متوقعاً، فلا يمكنها الافتراض أنهم سيواصلون المضي على هذا النحو. وإذ ركزت روسيا قواتها وقوتها النارية في جزء أصغر من البلاد، فقد شهدت حظوظها تحسناً. وإن السيناريوهات التي أعادت فيها أوكرانيا القوات الروسية إلى الحدود، وهي احتمال يمكن أن يحفز بوتين اليائس إلى التفكير باستعمال أسلحة دمار شامل، تبدو أقل احتمالاً بكثير مما كانت عليه قبل شهر واحد.
ومما يزيد من تعقيد الحسابات المتعلقة بصناعة قرار أوكرانيا هو قدرة الغرب غير المؤكدة على البقاء. وفي الولايات المتحدة، وهناك بعض التوتر الذي يشوب دعم الحزبين لتسليح أوكرانيا. ويبدي الحزب الجمهوري علامات كلاسيكية للإنعزالية، مع تصويت 11 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ و57 نائباً جمهورياً، ضد حزمة المساعدات التي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار (نحو 32 مليار جنيه استرليني) التي تم تمريرها في مايو (أيار). وجادل جمهوريون بارزون آخرون، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترمب وجي. دي. فانس وهو المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ في أوهايو، بأن الحاجات المحلية يجب أن تأخذ الأولوية على مساعدة أوكرانيا. وعلى الجانب الديمقراطي، فإن ارتفاع أسعار الغاز، وهو نتيجة جزئية للحرب، يمثل مشكلة سياسية خطيرة بالنسبة إلى إدارة بايدن. وهناك قضايا أخرى تخطف الضوء عن أوكرانيا، إذ يتنافس الإجهاض، وضبط حيازة السلاح، والتضخم، وأمن الحدود والجرائم الحضرية كلها على الفوز باهتمام الأميركيين. وفي أوروبا، هناك قلق متزايد في شأن التداعيات الاقتصادية والأمنية على المدى الطويل لعزل روسيا، واحتمال دخول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الصراع بشكل مباشر مع روسيا إذا قام بوتين بتوسيع نطاق الحرب، وتدفق اللاجئين الأوكرانيين، وارتفاع أسعار الطاقة.
مع ذلك، فعلى الرغم من هذه الاعتبارات، من المؤكد تقريباً أن أوكرانيا ستصمد. وستقاوم لأسباب وجيهة يمكن تفهمها، التخلي عن أي أراضٍ. والأوكرانيون واثقون من قوة جيشهم ومعنوياته الفائقة، وهم يعتقدون أن تسوية إقليمية لن تؤدي إلا إلى إثارة شهية بوتين [فيصبح طامعاً بالمزيد]. إن وحشية الحرب قد دفعت الرأي العام ورأي النخبة إلى التشدد. ويبدو زيلينسكي واثقاً من أنه يستطيع الحفاظ على الدعم الأميركي والأوروبي. ويشير كل هذا بقوة إلى أن أوكرانيا ستثابر وترفض قبول السلام بأي ثمن.
اعطِ السلام فرصة
ليس من المفاجئ أن تتزايد الرغبة في إنهاء الحرب مع ارتفاع تكاليفها البشرية والاقتصادية والدبلوماسية. إن أكثر التسويات المقترحة شيوعاً تتمثل في تنازل أوكرانيا عن بعض الأراضي التي تحتلها روسيا حالياً، وذلك في مقابل موافقة موسكو على إنهاء الأعمال العدائية. وكان القدر الأكبر من دبلوماسية الشرق الأوسط، مستوحى من نهج "الأرض مقابل السلام" هذا، منذ حرب الأيام الستة في عام 1967 حينما اقترح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن تتخلى إسرائيل عن أراضٍ احتلتها في الحرب مقابل السلام مع جيرانها العرب.
وكان إطار العمل هذا ناجحاً في حالات عديدة. ولم يكن ناجحاً في أي حالة أكثر منه في معاهدتي السلام اللتين وقعتهما إسرائيل مع مصر والأردن، بيد أنه غير مناسب لأوكرانيا. وبينما تخلت إسرائيل عن أراضٍ كسبتها خلال الحرب، فإن أوكرانيا سيكون مطلوباً منها أن تتنازل عن أراضٍ خسرتها في حرب غير مبررة ضدها. وإن الفارق في القوة هو معاكس أيضاً للمعتاد. أن يتنازل الطرف الأقوى عن الأرض للفوز بالسلام، كما كانت الحال مع إسرائيل، هو شيء، وأن يقوم الطرف الأضعف بتقديم أراضٍ للطرف الأقوى على أمل أن يكون الأخير راضياً في نهاية المطاف، هو شيء آخر. كان هذا هو النهج المطبق في ميونيخ عام 1938، حين تم إعطاء أدولف هتلر منطقة سوديتنلاند، التي كانت حينذاك جزءاً من تشيكوسلوفاكيا، وقد فقد مصداقيته [النهج] بحق منذ ذلك الوقت.
يجب على المسؤولين الأميركيين أن يؤطروا الحرب في أوكرانيا من حيث النظام وليس الديمقراطية.
مع ذلك، ينبغي بأي مشارك في صراع ما إن يزن على الدوام تكاليف الاستمرار في شن الحرب وفوائده مقابل تكاليف إلقاء السلاح وفوائده. إن التنازل عن أراضٍ مقابل السلام قد يكون خياراً جذاباً بالنسبة إلى أوكرانيا، أو لا يكون كذلك، ويعتمد الجواب على ما هي الأراضي التي سيجري التنازل عنها وما هو حجمها؟ وما إذا كان كانت استعادتها ممكنة في نهاية المطاف، وعلى المواصفات الأخرى للسلام، بما في ذلك استمراريته، وهي كلها أمور يصعب التنبؤ بها. ومع ذلك، فخلاصة القول، هو أنه يكاد يكون من المستحيل تخيل موافقة أوكرانيا، ولو بشكل مؤقت، على نتيجة تُبقي روسيا مسيطرة على مساحة من الأراضي أكبر بكثير من تلك التي كانت تحتلها قبل فبراير. صحيح أن أوكرانيا قد أعربت أحياناً عن استعدادها للتخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى "الناتو" والتعهد أن تكون حيادية، لكن إذا فعلت البلاد ذلك، فهي ستصر أيضاً على أن تكون هذه الحيادية مدججة بالسلاح، ما سيتطلب دعماً عسكرياً غربياً مستمراً، وهو أمر من المرجح ألا ترضى به روسيا، كما أن روسيا لن تقبل على الأغلب بعضوية أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، وهي مسألة تعد أولوية بالنسبة إلى زيلينسكي. وإن من الصعب أيضاً تخيل أن الحكومتين يمكن أن تتفقا على ضمانات أمنية خارجية لأوكرانيا أو وجود قوات من دول أخرى، لأن ترتيبات من هذا النوع ستقيد الترتيبات المتعلقة بالأراضي التي يمكن أن يرغب هذا الجانب أو ذاك في مراجعتها.
من جانبها، قالت الولايات المتحدة، إن الأمر متروك لأوكرانيا لكي تقرر ما الذي تريده في تسوية ما. ومن الصعب تبرير ذلك الموقف، بالنظر إلى أن لدى واشنطن مصالح على المحك أوسع نطاقاً بكثير مما لدى كييف من مصالح. وقد خلطت إدارة بايدن الأوراق من خلال التلميح إلى جملة من الأهداف المختلفة، من إضعاف روسيا إلى إجراء تغيير في النظام. وفي نهاية مايو سعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى توضيح نواياه في مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" قال فيه، "نريد أن نرى أوكرانيا ديمقراطية ومستقلة وذات سيادة ومزدهرة ولديها وسائل [كافية] لردع عدوان آخر والدفاع عن نفسها ضده [إذا حصل] ".
يساعد هذا البيان، غير أنه لا يضع حداً للفوضى. لقد كانت إدارة بايدن مترددة في الاعتراف بالحقيقة غير المريحة المتمثلة في أن هناك مقايضة في أوكرانيا. إن للولايات المتحدة مصلحة في تطبيق القاعدة القائلة إن الدول لا تغير الحدود بالقوة، إلا أن تلك المصلحة تتناقض مع مصلحة أخرى، وهي الرغبة في تجنب قتال مباشر مع قوة عظمى مسلحة نووياً. ولهذا السبب فقد رفضت الولايات المتحدة أن تنشر جنوداً على الأرض، كما استبعدت فرض حظر منطقة للطيران فوق أوكرانيا، ورفضت كسر الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية. إن ضبط النفس على هذا النحو حكيم، لكن، يشير هذا إلى حقيقة أنه سيتعين على أوكرانيا الاستمرار في قتالها، ولن تكون أوكرانيا، من خلال ذلك [القتال] حتى إذا تم بمساعدة الغرب، على الأغلب قادرة على استعادة الوضع الراهن الذي ساد قبل فبراير، ناهيك بالوضع الذي كان موجوداً قبل عام 2014.
النظرة البعيدة
وهكذا يحتاج الغرب إلى استراتيجية على المدى الطويل. وإن استراتيجيه من هذا النوع من شأنها أن تعكس فهماً مفاده أن السياسات قد نجحت حتى الآن إلى حد كبير، وأنه يجب توسيع نطاق عديد من مواصفاتها، ولكن أيضاً إن المضي قدماً إلى الأمام يتطلب عناصر جديدة. وفيما تتجنب الولايات المتحدة وأوروبا المشاركة العسكرية المباشرة، فيجب عليهما أن تواصلا إمداد أوكرانيا بالسلاح الذي تحتاج إليه (إلى جانب الاستخبارات والتدريب المرتبطين به) بحيث تستطيع إحباط الأعمال العسكرية الروسية وتستعيد السيطرة على مزيد من أراضيها. وعليهما أن تدعما هدف أوكرانيا الذي يتمثل في استعادة وحدة أراضيها الكاملة من خلال سياسة مفتوحة من العقوبات والدبلوماسية في الوقت الذي تتشبثان فيه بقوة برفضهما الاعتراف بأي أراضٍ قد يحاول بوتين أن يجعلها جزءاً من روسيا. ويجب أن ترحبا بفنلندا والسويد في حلف الناتو، سواء تم ذلك بشكل رسمي كدولتين كاملتي العضوية، أو كعضوين بحكم الأمر الواقع تشملهما ضمانات جانبية إذا واصلت تركيا معارضتها. ويجب عليهما أن يفعلا كل ذلك لأنه ينبغي بهما أن يطبقا القاعدة الدولية الحاسمة المتمثلة في أن الحدود لا يمكن تغييرها بالقوة.
لا تزال العقوبات المفروضة على روسيا حاسمة. ولن يكون أي منها مؤثراً أكثر من القطع الأوروبي النهائي للغاز الروسي. وينبغي على الدول الأوروبية أن تجعل من التعجيل في تطوير مصادر إمداد بديلة للطاقة أولوية لها، ولكن في غضون ذلك، يمكنهم أن يفرضوا رسوماً جمركية على النفط والغاز الروسيين من أجل خفض الطلب عليهما. وكما يجب على الدول الأوروبية أيضاً إعداد خطط جاهزة للطوارئ [تحسباً] لاحتمال قطع روسيا صادرات الغاز إلى أوروبا في محاولة للحد من شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا أو لإضعاف الدعم للعقوبات. ويجب أن تواصل الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما مثل أستراليا [وأخريات] في آسيا كاليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية، تقديم الدعم المالي لأوكرانيا. ومن شأن الأموال أن تساعد على التعويض عن الاضطراب الاقتصادي الحاد الذي شهدته البلاد، وأن يعين الملايين من النازحين الذين شردتهم الحرب.
وفي النهاية، إن المطلوب على الأرجح لإنهاء الحرب هو تغيير ليس في واشنطن بل في موسكو.
يجب أن يحاول الغرب أيضاً استعادة صادرات الحبوب من أوكرانيا، والتي تعد ذات أهمية أساسية بالنسبة إلى الأمن الغذائي في العالم. وإذا كانت القيود اللوجيستية والهجمات الروسية تضع حداً لما يمكن لأوكرانيا أن تنقله عن طريق السكك الحديدية والطرق البرية إلى الموانئ في رومانيا، يجب عندها أن تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في تزويد أوكرانيا أدوات معززة (الأرجح أن تكون طائرات) للهجوم على القطع البحرية الروسية في البحر الأسود. وإن تشكيل تحالف دولي من أجل مرافقة السفن التجارية أثناء مغادرتها الموانئ الأوكرانية هو أمر جذاب من حيث المبدأ، لكن سيثبت على الأرجح من الناحية العملية أن من المستحيل تنظيمه وأنه محفوف بقدر من المخاطر أكبر بكثير من اللازم.
يجب على المسؤولين الأميركيين أن يؤطروا الحرب في أوكرانيا من حيث النظام، وليس الديمقراطية، كما يجب أيضاً على الغرب أن يحاول [فعل ذلك] بصورة علنية. إن عديداً من حكومات العالم ليست ديمقراطية، لكن يمكنها أن تتفهم أهمية عدم التعرض إلى غزو. ويجب أن يكون النموذج هو حرب الخليج عندما حصلت الولايات المتحدة على دعم دولي واسع النطاق لاستعادة سيادة الكويت ووحدة أراضيها، وليس حرب العراق عام 2003، حين تركت الجهود الرامية إلى تغيير العراق الولايات المتحدة معزولة بشكل كبير. يجب على بايدن أن يدافع بانتظام، في داخل البلاد وخارجها، عن السبب [الذي يجعل] أوكرانيا مهمة، والذي يتمثل في أنه إذا صارت غزوات مروعة وغير مبررة أمراً شائعاً، فإن العالم سيكون أقل أماناً وأقل ازدهاراً وأقل قدرة على مواجهة التحديات العالمية التي تؤثر في الجميع.
وفي النهاية، إن المطلوب على الأرجح لإنهاء الحرب هو تغيير ليس في واشنطن بل في موسكو. ونظراً إلى استثمار بوتين العميق في الحرب، من المحتمل للغاية أن يتطلب الأمر شخصاً آخر بدلاً منه لاتخاذ الخطوات التي ستنهي وضعية روسيا [كدولة] منبوذة، وكذلك أزمتها الاقتصادية ومستنقعها العسكري. يجب على الغرب أن يوضح أنه جاهز لمكافأة زعيم روسي جديد مستعد لاتخاذ خطوات من هذا النوع حتى في الوقت الذي يواصل فيه الضغط على الزعيم الحالي.
ريتشارد هاس هو رئيس مجلس الشؤون الخارجية ومؤلف كتاب "العالم: مدخل موجز".
مترجم من فورين أفيرز - يونيو 2022