كانت منطقة الشهباء، التي تضم حالياً نواحي وقرى عدة، فارغة بشكل شبه كامل، قبل العملية العسكرية التركية "غصن الزيتون" على عفرين عام 2018، لكنها كانت تتبع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ويعود سبب خلو المنطقة من سكانها إلى الأعمال العسكرية المتعددة التي شهدتها منذ عام 2011، حيث كانت ساحة لمعارك عسكرية بين فصائل "الجيش السوري الحرّ"، وقوات النظام، وكذلك بين هذه الفصائل و"جبهة النصرة" بالإضافة إلى سيطرة تنظيم "داعش" ولاحقاً "قوات سوريا الديمقراطية"، ليعود التواجد العسكري النظامي والروسي ليتصدر المشهد.
تضم المنطقة أربع نواح وهي، تل رفعت، وأحداث، وإحرص، وشيراوا، التي تضم أربع قرى وهي تابعة لعفرين، وكذلك بلدات فافين، ودير جمال، وبابنس، كما يوجد فيها حوالى 50 قرية أبرزها كفرنايا، وكفر ناصح، وغيرهما من القرى والمزارع.
وخلال جولة لـ "اندبندنت عربية"، تظهر المنطقة على أنها منكوبة تماماً وآثار المعارك واضحة في كل بقعة منها، حيث لا يكاد منزل لم تصبه قذيفة أو صاروخ، ناهيك عن خلو معظمها من الأبواب والنوافذ التي سرقت بفعل الحرب وعمليات النهب التي كانت ترافق العمليات العسكرية من قبل الأطراف المتحاربة، أما المراكز والمؤسسات الحكومية والمقرات العسكرية المنتشرة في المنطقة فباتت شبه مدمرة جراء القصف والعمليات العسكرية واختلاف السيطرة، وكان لافتاً حجم الدمار في مدرسة المشاة ومعمل الإسمنت وسجن المسلمية بالإضافة إلى محطة القطار فيها التي حولتها عائلة نازحة إلى مسكن، وعربات القطار فيها محترقة بالكامل والسكة مخربة ومنهوبة.
وشهدت هذه المنطقة نزوح سكان عفرين هرباً من الطائرات التركية وقذائف الفصائل السورية المدعومة منها، جراء عملية "غصن الزيتون"، وبحسب الإحصاءات، بلغ عدد هؤلاء نحو 300 ألف شخص، لكن، عاد قسم منهم إلى عفرين التي تسيطر عليها الفصائل والقوات التركية، بينما توجه آخرون، على دفعات وفترات زمنية مختلفة، إلى مدينة حلب، وبالتحديد إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية، إضافة إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية كمدينة كوباني والقامشلي والحسكة والرقة.
منازل منكوبة
واضطر النازحون المتبقون في المنطقة، الذين يبلغ عددهم حوالى 140 ألفاً، للبقاء في المنازل وإعادة تهيئتها لتصبح صالحة للسكن ولو في الحد الأدنى، وتضم المنطقة خمسة مخيمات أنشأتها الإدارة الذاتية عقب الهجوم التركي على عفرين وهي (سردم وبرخودان وعفرين والعودة والشهباء)، وتضم بمجموعها حوالى 1800 عائلة، وتتغير أحياناً بشكل طفيف، بحسب خروج ودخول عائلات جديدة إليها نتيجة الظروف المحيطة بحسب مسؤولين في الإدارة الذاتية.
حنين إلى الديار
وعلى الرغم من الطبيعة الريفية لنازحي عفرين وارتباطهم بالزراعة والمساحات الواسعة المليئة بالأشجار، إلا أن الإقامة في الخيم تفرض عليهم نمط حياة جديداً، فمساحة الخيمة لا تتجاوز 15 متراً مربعاً، ويسكن فيها جميع أفراد العائلة، وهي ذاتها مكان للطبخ وتناول الطعام والاستحمام.
ففي مخيم سردم، يعيش رشيد محمد خليل، (69 سنة) مع زوجته المسنة، وهو أب لثمانية أولاد، ويتحدر من بلدة راجو، شمال عفرين، واضطر للخروج من بلدته عام 2018 باتجاه مدينة عفرين، أي بعد خمسة أيام فقط من بدء عملية "غصن الزيتون" التركية، وفي مارس (آذار)، من ذلك العام، أصبح مهجراً في منطقة الشهباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتذكر خليل الحياة الهانئة التي كان يعيشها في منزلهم الواسع مع إخوته في البلدة ويقارنها بالحياة التي "لا تحتمل" في الخيم، في الصيف حيث الحرارة والغبار، وفي الشتاء صعوبة تأمين التدفئة بسبب البرودة الشديدة، ويتحسر هذا الرجل على عدم تمكنه من زيارة مقابر عائلته في الأعياد خلال السنوات الخمس الأخيرة التي اضطر فيها للخروج من بلدته.
خدمات المخيم
وتعاني هذه المخيمات والقرى والبلدات المنكوبة، من غياب المنظمات الإنسانية، خصوصاً منها الدولية وغير الحكومية على خلاف ما هو متوافر في بقية المناطق، سواء تلك التي تسيطر عليها دمشق، أو المعارضة، أو الإدارة الذاتية، ففي المخيمات التي تديرها الإدارة الذاتية، بتقسيماتها الإدارية والهيكلية المختلفة، تقدم للنازحين والمهجرين من ديارهم المواد الأساسية من الخبز والكهرباء والوقود للتدفئة بالمجان.
ويؤكد هذا الأمر إسرافيل مصطفى نائب رئاسة المجلس التنفيذي لإقليم عفرين التابع للإدارة الذاتية، مضيفاً أن منظمة "يونيسف" تقدم مياه الشرب في خزاناتها الخاصة، بينما يقدم الهلال الأحمر العربي السوري، بمساعدة الصليب الأحمر الدولي، مساعدات غذائية وصحية، "لكن هذه المساعدات أقل من الاحتياجات الرئيسة للسكان والنازحين في المنطقة"، على حد قول مصطفى.
الخدمات الصحية
وتتوزع في المخيمات الخمسة نقاط طبية تابعة للهلال الأحمر الكردي الذي يعمل في مناطق الإدارة الذاتية، وهذه النقاط تقدم الخدمات والرعاية الطبية، لكنها تعاني من نقص في قدراتها على تقديم كامل خدماتها بسبب الحصار المفروض على منطقة الشهباء، بحسب حيدر رشيد المسؤول في الهلال الأحمر الكردي في مخيم برخودان.
مساحة للأمل
وعند كل خيمة، زرع النازحون أشجاراً صغيرة وبعض الأزهار، في إشارة منهم إلى مدى تعلقهم بالخضار والزراعة، إذ معروف عن سكان عفرين عملهم بالزراعة وخصوصاً الزيتون والفواكه وصناعاتها المختلفة.