صعد اليمين المتطرف وتحالف أحزاب اليسار في فرنسا بينما خسر الرئيس إيمانويل ماكرون الغالبية التي سعى إلى إحرازها خلال الانتخابات التشريعية يوم الأحد، وهي خسارة قد تشكل المشهد السياسي في البلد لسنوات مقبلة.
وأشارت التوقعات الباكرة التي وضعتها شركات عدة لاستطلاعات الرأي إلى أن حزب السيد ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" لن يحرز سوى 230 مقعداً، مما يمكنه من هزيمة الأحزاب والتحالفات الأخرى كافة، ولكنها تبقى غالبية بعيدة عن الـ 289 مقعداً التي يحتاجها لكسب غالبية مطلقة، وعن الـ 350 مقعداً التي أحرزها تياره السياسي الوسطي واستقطبها إليه العام 2017.
حل في المرتبة الثانية حزب "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد"، التحالف الذي شكله جان لوك ميلانشون على عجل من أحزاب اليسار وأقصى اليسار والخضر، مع توقع فوزه بـ 149 مقعداً، وقد بدا السيد ميلانشون الناري الطبع مبتهجاً بالنصر وشن هجوماً على السيد ماكرون.
وصرح ميلانشون بعد بدء صدور النتائج، "إنه لوضع غير متوقع كلياً ولم يحدث أبداً، فقد مني الحزب الرئاسي بهزيمة ساحقة. أرادوا تفادي الخسارة على حساب الشرف، وقد حلت بهم الخسارة والعار في آن واحد".
في المقابل، كان "حزب التجمع الوطني" اليميني المتطرف التابع لمارين لوبين من أبرز الناجحين في الانتخابات مع فوزه بـ 85 مقعداً تقريباً أو ما يعادل 15 في المئة من مقاعد الجمعية العامة البالغة 577، في انقلاب درامي في حظوظ لوبين مقارنة مع العام 2017 حين تمكنت من حصد ثمانية مقاعد فقط، ويعتبر هذا أفضل أداء لحركة اليمين المتطرف التي أسسها والد السيدة لوبين، جان ماري، قبل أربعة عقود.
وتعليقاً على تلك الحوادث، أشارت ليا شامبونسيل الصحافية السياسية والمدونة الصوتية الفرنسية في مقابلة معها إلى أن "النتيجة التي أحرزها التجمع الوطني غير متوقعة كلياً. إنها مفاجأة سيئة بل وبالغة السوء".
واستطراداً، حل اليمين الوسطي في المركز الرابع مع فوزه بـ 76 مقعداً متوقعاً، أي أقل من 130 مقعداً أحرزها في العام 2017، وعند هذه المرحلة لم تكن وزارة الداخلية قد فرغت بعد من فرز الأصوات.
قد لا تخلف الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الأحد أثراً مباشراً أو فورياً يتعدى الحدود الفرنسية، إذ هزم السيد ماكرون السيدة لوبين وفاز بولاية ثانية من خمس سنوات في أبريل (نيسان) 2022، وكذلك ما تزال شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي والقضايا الأوروبية متجذرة ضمن نطاق اختصاص الرئاسة، إذ يعتبر الدور الذي يضطلع به البرلمان أقل بكثير منه في الديمقراطيات الغربية الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن في سبيل استمالة المشرعين المستقلين في معسكرات أخرى وتشكيل غالبية في القضايا الداخلية، قد يضطر السيد ماكرون إلى التنازل في القضايا الساخنة التي لديها وقع خارجي، على غرار الدعم العسكري لأوكرانيا والمفاوضات التجارية مع المملكة المتحدة أو توسيع الاتحاد الأوروبي.
ومع أن الناخبين الفرنسيين من اليسار واليمين على حد سواء اتحدوا من أجل التصويت للسيد ماكرون وإلحاق الهزيمة بالسيدة لوبين في أبريل، إلا أن انتخابات يوم الأحد حملت رسائل مقلقة للرئيس وحلفائه الوسطيين.
وفي مقابلة مع قناة "بي إف إم تي" ذكر وزير الحسابات العامة غابرييل آتال أن "هذا بعيد عما كنا نأمله".
ومن بين الذين خسروا مقاعدهم أميلي دو مونتشالان، وزيرة الانتقال الإيكولوجي المؤيدة للسيد ماكرون التي خسرت أمام اليساري جيروم غيدج في "إيسون"، الدائرة الانتخابية التي تبعد 48 كيلومتراً (38 ميلاً) إلى جنوب باريس، وكذلك مني كريستوف كاستانيه، وهو وزير داخلية سابق في عهد السيد ماكرون، بخسارة أمام مرشح يساري.
وعلقت السيدة شامبونسيل، مؤلفة كتاب يدعو إلى مشاركة مزيد من النساء في السياسة، على تلك النتائج معتبرة أنه "لا شك في أن الناخبين مستاؤون من ماكرون، فقد كانت هذه الانتخابات بمثابة انتخابات نصفية له وقد خسر فيها".
في المقابل، نجح السيد ميلونشون في إعادة إحياء حظوظ اليسار الفرنسي المحتضر منذ زمن بعيد، واستمالة جيل جديد من الناخبين الشباب والمرشحين إلى الساحة، والعديد منهم من النساء أو من خلفيات مهاجرين مهمشين، وعلى الرغم من ابتهاجه بأداء السيد ماكرون، اضطر اليسار كذلك إلى مواجهة الواقع في بعض الأحيان، فبالكاد نجح فابيان روسيل، الشخصية اليسارية البارزة، في إحراز انتصار على مرشح من اليمين المتطرف في دائرة انتخابية شمالية على الحدود البلجيكية.
وكذلك غيرت السيدة لوبين حركة والدها السياسية جذرياً كي يستسيغها ناخبو يمين الوسط أكثر، لكنها لم تغير موقفها الصارم ومعاداتها الشديدة للهجرة والاتحاد الأوروبي، وكذلك فإنها تدين بالفضل لمصارف مرتبطة بالكرملين.
واستكمالاً، يسمح حجم الكتلة البرلمانية التابعة للسيدة لوبين بتخطي عدد من العوائق بشكل يمكنها مثلاً من طرح تدابير مدنية أو إثارة قضايا أمام المحكمة الدستورية.
وقفت السيدة لوبين والفرح يشع منها وسط حشد من مؤيديها بعد فوزها بمقعد في الجولة الثانية، وتعهدت بالتغيير.
وفي تصريحات قابلها التهليل والتصفيق، أعلنت "أن الوجوه الجديدة التي أنتم على وشك اكتشافها تشكل طليعة هذه النخبة السياسية التي ستتحمل مسؤولية البلاد حينما تصل مغامرة ماكرون إلى خواتيمها. سوف نواصل عملنا على جمع الشعب الفرنسي ضمن نطاق حركة شعبية عظيمة".
نشرت في "اندبندنت" بتاريخ 20 يونيو 2022
© The Independent