انطلقت الإثنين، الـ 20 من يونيو (حزيران)، مناورات "الأسد الأفريقي 2022" على الأراضي المغربية، بمشاركة قوات عسكرية مغربية وأخرى أميركية وجيوش من بلدان عدة، للتمرن على كيفية مواجهة الأخطار الإشعاعية والنووية والكيماوية والبيولوجية.
وتعد هذه التمارين العسكرية على التطهير النووي والبيولوجي الإشعاعي الأولى من نوعها التي تقام على أراض مغربية منذ بدء تدريب "الأسد الأفريقي" بشراكة مغربية - أميركية سنة 2007.
وفي السياق، حذر خبير مغربي في الشأن العسكري والاستراتيجي من مغبة استغلال جماعات إرهابية "الغبار النووي الموجود في منطقة الصحراء الأفريقية الكبرى وإعادة تدويره وتصنيع قنبلة نووية منه، ومن ثم تبدو أهمية مناورات الأسد الأفريقي في هذا الصدد".
حضور عسكري دولي لافت
وانطلقت النسخة الـ 18 من تدريبات "الأسد الأفريقي" وتستمر حتى الـ 30 من الشهر الحالي، ويشارك فيها أكثر من 7000 جندي من دول عدة وبحضور مراقبين عسكريين من حلف شمال الأطلسي (ناتو) من 15 بلداً شريكاً، بينها إسرائيل التي تحضر هذه المناورات للمرة الأولى.
وتجري مناورات "الأسد الأفريقي" العسكرية التي تعتبر أضخم تدريبات مشتركة تقام في القارة الأفريقية في خمس مناطق مغربية، وهي أغادير وبن جرير والقنيطرة وتارودانت وطانطان والمحبس القريبة من الحدود الجزائرية.
وأوردت القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا (أفريكوم) أن هذه المناورات تهدف أساساً إلى "تقوية القدرات الدفاعية المشتركة للدول في مواجهة التهديدات العابرة للبلدان والمنظمات المتطرفة العنيفة".
ولدى بدء المناورات شدد المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية الجنرال بلخير الفاروق على أن "التحديات الأمنية تدعو الدول المشاركة إلى استخلاص الدروس من مختلف الأوضاع وتضافر المقاربات في ما يتعلق بالفائدة من التدريبات العسكرية المشتركة، وتجويد إدماج الكوادر ضمن القيادات العليا متعددة الجنسيات وتجاوز المعوقات الثقافية واللغوية والإجرائية من أجل تعاون أكثر تنسيقاً".
مواجهة الخطر الإشعاعي والنووي
ولفهم طبيعة الأهداف العسكرية والاستراتيجية لمناورات "الأسد الأفريقي" اتصلت "اندبندنت عربية" بالخبير العسكري والأستاذ في جامعة ديجون بفرنسا عبدالرحمن مكاوي، الذي استعرض جملة من هذه الأهداف الرئيسة وأولها وأبرزها الاستعداد العسكري لمواجهة الخطر النووي والبيولوجي والإشعاعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشرح مكاوي أن منطقة الصحراء الكبرى معروفة بالتلوث النووي والبكتريولوجي والكيماوي، مشيراً إلى أول تجربة نووية فرنسية نفذتها المجموعة العملياتية الفرنسية للتجارب النووية (GOEN) في فبراير (شباط) 1960، قرب منطقة ركان بالجزائر في الصحراء الكبرى زمن الاستعمار.
ووفق مكاوي فهناك تخوفات مشروعة من أن تعمد الجماعات الإرهابية إلى تجميع الغبار النووي وإعادة تدويره وتصنيع قنبلة نووية مما تركته فرنسا من الإشعاعات في المنطقة، خصوصاً عند الحدود المغربية - الجزائرية.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن الولايات المتحدة الأميركية طورت بعض الأدوية المضادة لهذه التلوثات الخطرة على الإنسان والحيوان على حد سواء، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الإصابة بداء السرطان في المنطقة المذكورة.
اختلاط الحابل بالنابل
أما الهدف الاستراتيجي الثاني من مناورات "الأسد الأفريقي"، يضيف مكاوي، فيتمثل في التحضير لمواجهة التحديات الإرهابية وتحديات الجريمة المنظمة والعابرة للحدود في منطقة معروفة بانفلاتاتها الأمنية واختلاط الحابل بالنابل فيها، بين ما هو "متطرف" و"متطرف مزور".
واستطرد الخبير العسكري بأن تحديات الجريمة المنظمة والإرهاب يهددان أمن واستقرار المنطقة الشاسعة التي تتجاوز مساحتها 9.7 مليون كيلومتر، وتمتد من المحيط الأطلسي إلى منطقة دارفور في السودان.
وشدد مكاوي على أن "المناورات التي تجري على الأراضي المغربية بالشراكة مع الجيش الأميركي، تمهد للتنسيق بين الجيوش الحاضرة من طريق تكتيكات عملياتية جديدة لمواجهة الإرهاب، العدو الذي لا وجه ولا حدود ولا وطن ولا دين له"، على حد تعبيره.
وأشاد بأهمية تدريبات "الأسد الأفريقي" كونها تجري في هذا السياق المتوتر إقليمياً ودولياً، لا سيما بظهور نزاعات دولية قوية أبرزها الحرب على أوكرانيا.
إغاثة ضحايا الإرهاب
وأما الهدف الاستراتيجي الثالث من وراء المناورات فهو بحسب المحلل عينه، التدرب على أساليب جديدة لإغاثة الناس الذين هم في حاجة ماسة إلى إعانات إنسانية ملحة في المنطقة.
ولفت مكاوي إلى أن الإرهابيين يبتزون ويستغلون ويقتلون سكان منطقة الصحراء الكبرى، مشيراً إلى ما قامت به "جماعة متطرفة مزورة" عندما هاجمت بعض القرى وقتلت 132 مدنياً في إقليم موبتي وسط مالي ليل السبت – الأحد 19 يونيو.
واعتبر المصدر أن محور أنشطة هذه الجماعات الإرهابية المزورة وشبكات الجريمة العابرة للقارات يتجسد في مناجم الذهب السرية، مشيراً إلى كون أطنان من الذهب في منطقة الساحل تتبخر بتبييضها من قبل هذه الجماعات، وهو ما يفسر استهداف المدنيين والجنود الأمميين.
وأضاف مكاوي، "هذه الجماعات تخطط لإفراغ المنطقة من قوات الأمم المتحدة التي يتجاوز عددها هناك 12 ألف عنصر، وأيضاً إلى تسريع مغادرة قوات (عملية برخان) التي ينفذها الجيش الفرنسي في منطقة الساحل".
فرقاطات وقاذفات قنابل
وبالانتقال إلى الوسائل التكتيكية والعملياتية التي تعتمد في مناورات "الأسد الأفريقي"، يفيد مكاوي أن المغرب والولايات المتحدة والدول المشاركة جلبت أسلحة متطورة للقيام بهذه التمارين بحراً وجواً وبراً.
ويشرح الخبير العسكري، "بخصوص التمرين البحري توجد فرقاطات مغربية وأميركية تجوب البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وأما براً فهناك مدرعات أبراهام الأميركية التي تتقن تضاريس الصحراء الصعبة التي تشبه تضاريس منطقة الساحل، بينما جواً تحلق طائرات (إف 16) وطائرتان ضخمتان من نوع (B52) جلبتهما واشنطن.
ولفت مكاوي إلى أن الجيش المغربي أظهر قدرة على إتقان التكنولوجيا العسكرية براً وجواً وبحراً، وأيضاً التحكم في التكنولوجيا الرقمية التي تلعب دوراً محورياً بين مختلف الفيالق والوحدات العسكرية.
وذكر المتحدث أن "التمارين التي تتابع من طرف العديد من الدول الكبرى من قبيل روسيا والصين واليابان، تتضمن أيضاً تجريباً لأسلحة الدفاع الجوي عن البلاد"، مشيراً إلى مسألة مواجهة الطائرات المسيّرة أو الصواريخ متوسطة المدى التي قد تستغلها الشبكات الإجرامية.