كشف الرئيس المنسق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد بعض ملامح الدستور التونسي الجديد، الذي قدم مسودته أمس، الاثنين 20 يونيو (حزيران)، إلى الرئيس قيس سعيد.
بلعيد أكد أن "الدستور الجديد سيركز على بناء اقتصاد البلاد لتحسين الوضعية الاجتماعية للغالبية الساحقة من التونسيين، التي عانت الأمرّين خلال العشرية الأخيرة، وأفلست فيها البلاد وأصبح المواطن غير قادر على تلبية حاجات أسرته أمام الارتفاع الجنوني للأسعار".
وقال إن الدستور الجديد سيتضمن باباً خاصاً هو الأول بعد التوطئة، بعنوان أسس النهوض بالاقتصاد التونسي، عكس دستور 2014، لافتاً إلى أن الفرق بين الدستور الجديد ودستور 2014 هو أن الأخير لم يهتم بالمسائل الاقتصادية، بحسب تقديره.
فما أبرز ملامح مسودة دستور تونس الجديد؟ وهل يتم التنصيص على البعدين الاقتصادي والاجتماعي في الدساتير؟
حياة سياسية سليمة
قال عميد المحامين إبراهيم بودربالة، رئيس اللجنة الاقتصادية والاجتماعية بالهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، إن "الخيارات التي تم اعتمادها في صياغة مشروع الدستور الجديد تقوم على حياة سياسية سليمة ومسار اقتصادي يرتكز على تنمية الثروة ومسار اجتماعي قوامه التهدئة والطمأنينة بين مختلف الأطراف الاجتماعيين"، مشدداً على أن "هذا المشروع سيرتقي بتونس نحو الأفضل".
وأضاف أن "مسودة الدستور تتضمن 12 باباً و140 فصلاً تقريباً، وأن الباب الأول يهتم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويأتي مباشرة بعد التوطئة، وهي سابقة في دساتير العالم"، معتبراً ذلك "فلسفة جديدة وخياراً يقوم على أن الدستور ينص على أن كل السلطات تعمل على دعم الدولة وجميع المؤسسات والموظفين هم في خدمة الدولة وفي مصلحة الشعب التونسي".
نظام رئاسي
وأكد أن "نجاح الخيارات التي نص عليها مشروع الدستور الجديد يمكّن تونس من تحقيق قفزة اقتصادية حتى تقوم بدورها الاجتماعي"، مشدداً على أن "اللجنة عملت بكل حرية ولم تتلقَّ أي تعليمات ولم تمارس عليها أي ضغوط".
وبخصوص النظام السياسي، كشف عن أن مقترح الدستور نص على نظام رئاسي ووزير أول يختاره رئيس الدولة، إذ لم يعُد هناك رئيس حكومة". وقال: "النظام السياسي سيكون رئاسياً".
ويبدد بودربالة المخاوف من تغوّل السلطة التنفيذية على حساب بقية السلطات، مشيراً إلى أن "صلاحيات مجلس نواب الشعب تتمثل في مراقبة عمل الحكومة من خلال المساءلة والاستجواب"، مضيفاً أن "السياحة الحزبية انتهى أمرها بناءً على فصول مشروع الدستور الجديد".
ليس وثيقة اقتصادية
في المقابل، أكد أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار في تصريح خاص أن الدساتير هي نتاج نقاش مجتمعي معمق ومطول"، مضيفاً أن "دستور 2014، وعكس ما يتم الترويج له يتضمن إشارات واضحة إلى التنمية الجهوية والتمييز الإيجابي"، مبرزاً أن "الدستور يجب ألا يتحول إلى وثيقة اقتصادية واجتماعية بالمعنى الذي تم ذكره".
وشدد مختار على أن "النصوص القانونية والترتيبية هي التي يجب أن تتضمن تفصيلاً لروح الدستور وأبعاده، ويتم فيها التنصيص على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية".
ويتساءل أستاذ القانون الدستوري عن جوهر الخيارات التي تم تسريبها، لافتاً إلى أنها "مزيج من الاقتصاد التضامني، والاقتصاد الليبرالي والاشتراكي، وهو ما لا يعكس وضوح الرؤية الاقتصادية والاجتماعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عقد اقتصادي واجتماعي
من جهة أخرى، أشار مختار إلى أن "وضع النصوص أمر سهل، فإن الأهم هو القدرة على ترجمتها إلى واقع اقتصادي واجتماعي، والحال أن البلاد تمر بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها، نتج منها ارتفاع الأسعار وتنامي البطالة واهتراء القدرة الشرائية للتونسيين".
وأضاف أن "الدولة الراعية هي دولة قادرة على القيام بدورها الاجتماعي وتأمين الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية، بينما تونس تبحث عن تمويل لموازنتها من أجل الأجور والنفقات العامة للدولة".
وخلص مختار إلى القول إن "مشروع دستور اقتصادي لم يكُن نتيجة عقد اقتصادي واجتماعي، خصوصاً في ظل التوتر القائم بين منظمة الشغيلة والدولة وبقية الفاعلين الاقتصاديين سيصطدم بواقع صعب".
وحذر من "عواقب المعجمية السياسية الجديدة، ومن تغليب السلطة التنفيذية على حساب بقية السلطات واستضعاف السلطة القضائية، ومن هزات اجتماعية قد تعصف بالبلاد في غياب عقد اقتصادي واجتماعي".
مبادئ اقتصادية أساسية
ومن جهته، يرى أستاذ الاقتصاد أرام بالحاج في تدوينة عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أنه "كان على مشروع الدستور الجديد أن يتضمن أبواباً عدة، أهمها باب خاص بالمبادئ الاقتصادية الأساسية العامة، التي تحدد دور الدولة ودور المؤسسات ودور الأفراد وباب خاص بالحريات الاقتصادية، يحدد سقف الحقوق المتاحة للفاعلين الاقتصاديين، وباب خاص بالسياسات الاقتصادية، يحدد شكل تنفيذ كل سياسة اقتصادية".