فتح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإقراره اعتماد اللغة الإنجليزية في المناهج التعليمية بدءاً من الطور الابتدائي، أبواب التساؤل على مصراعيها، واندلعت المشاحنات بين من اعتبر الخطوة عقاباً للغة الفرنسية، وآخر رأى أنها محاولة لاحتواء ما تبقى من مطالب حراك "22 فبراير".
قرار مفاجئ
وفي حين كان الشارع يترقب قرارات تهتم بالشؤون الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية وتعالج الملفات السياسية، خرج بيان مجلس الوزراء عقب اجتماع ترأسه الرئيس تبون، ليفاجئ الجميع بقرار يقضي باعتماد اللغة الإنجليزية بدءاً من الطور الابتدائي، قال إنه خضع لدراسة عميقة من قبل خبراء ومتخصصين. وعلى الرغم من أن البيان لم يقدم تفاصيل حول الموضوع، فإن القرار فتح نقاشات وأثار تجاذبات بين مكونات المجتمع.
بين إنهاء هيمنة الفرنسية والاستجابة للحراك
واعتبرت أطراف أن الجزائر تتجه رسمياً لإنهاء هيمنة اللغة الفرنسية، خصوصاً بعد انخراط وزارات في "إسقاط" لغة فولتير، من بينها وزارة التعليم العالي التي أطلقت استفتاء على مواقع التواصل الاجتماعي حول اعتماد الإنجليزية لغة أجنبية أولى في الجامعات بدل الفرنسية، حيث صوت أكثر من 90 في المئة لصالح تعزيز استعمال الإنجليزية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إضافة إلى إلغاء وزارة التربية الفرنسية نهائياً اختبارات الترقية المهنية للمعلمين والأساتذة، وإدراج الإنجليزية في مسابقات التوظيف الخارجية، إلى جانب منع مؤسسات حكومية عدة استعمال اللغة الفرنسية في تعاملاتها الداخلية.
في المقابل، يرفض تيار ثان منح الخطوة أكثر مما تستحق، على اعتبار أن الرئيس تبون تعهد خلال حملته الانتخابية بالاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، وكان إسقاط الفرنسية لصالح الإنجليزية أحدها، حيث طالب الشارع بإنهاء النفوذ الثقافي الفرنسي في البلاد، عبر طرد "اللغة الفرنسية" و"مقاطعتها في الإدارات والوثائق الرسمية وفي المناهج التعليمية". ورأى البعض أن القرار موجه للاستهلاك الداخلي بالنظر إلى معاناة تلاميذ الطور الابتدائي مع ثقل المحفظة وكثرة المواد وضغط الدروس، فكيف يكون الأمر مع إضافة اللغة الإنجليزية إلى جانب غريمتها الفرنسية؟
شعار إلى حين
لكن بالنظر للواقع الذي تشهده البلاد، فإن إسقاط الفرنسية يبقى مجرد شعار إلى حين، لا سيما أن مختلف الإدارات الجزائرية تسير باللغة الفرنسية قبل العربية، كما أن خطابات وتصريحات وتعاملات المسؤولين لا سيما الذين درسوا في المدرسة الفرنسية، كلها بلسان "فولتير"، ما عدا بعض المؤسسات التي باتت تشرف عليها فئة المتخرجين الجدد من الجامعات الذين يحسنون اللغات الأجنبية بعيداً من الفرنسية، ما يجعل اعتماد اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي يستهدف المستقبل ولو بعد حين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سجال قوي داخل قطاع التعليم
وفي السياق، اعتبر رئيس جمعية أولياء التلاميذ، عز الدين زروق، أن القرار يستجيب لمطلب قديم لجمعيات أولياء التلاميذ، وقال: "أطفالنا يشاهدون الرسوم المتحركة الناطقة بالإنجليزية، وغالبية الألعاب وطرق التواصل عبر الوسائط الاجتماعية والتطبيقات، هي باللغة الإنجليزية، كما أن العالم يتحرك بالإنجليزية، إنها لغة علم وتطور وتكنولوجيا"، مضيفاً أن "البعض قد يتحجج بكثافة البرنامج الدراسي في الطور الابتدائي، وأن الإنجليزية ستزيد أطفالنا عبئاً، وهذا خطأ، لأن قضية تخفيف البرنامج، لا تكون بتخفيف اللغات الأجنبية، بقدر ما تستلزم بقية المواد الأخرى".
في المقابل، أكد المجلس الوطني للثانويات، أنه مع خطوة تعليم تلاميذ الطور الابتدائي اللغات الأجنبية، وخصوصاً الإنجليزية، لكن بشروط، فلا يمكن تلقين الإنجليزية في الطور الابتدائي من دون برنامج مدروس بعناية كبيرة، يتناسب مع سن التلاميذ. وأضاف أن العملية تحتاج إلى جهود وإمكانات، ولا مكان للترقيع أو التساهل، إذ من غير المقبول إسناد مهمة تدريس الإنجليزية لأستاذ اللغة الفرنسية، مشدداً على أن الطور الابتدائي يعتبر من أهم الأطوار التعليمية، بل هو أساس نجاح المنظومة التربوية بأكملها.
من جانبه، يعتقد المكلف الإعلامي في المجلس المستقل لأسلاك التربية، مسعود بوديبة، أن إنجاح المشروع مرتبط باعتماد منظومة تعلم اللغات الأجنبية ضمن برنامج تأهيل الإصلاحات التربوية، لاعتبارات عدة أبرزها أن مرحلة التعليم القاعدي تمر بأسوأ مراحلها بسبب كثافة المواد وحجمها، وكذا كثافة البرامج والمعارف العلمية المقدمة للتلاميذ، إلى جانب ضيق مجالات استغلال النشاطات اللاصفية والتي تعتبر أساسية في هذه المرحلة، مع معاناتهم اليومية والدائمة مع ثقل المحفظة وكثرة الفروض والاختبارات، الأمر الذي جعل المدرسة بالنسبة لهم بمثابة "سجن"، مقترحاً إدراج تدريس اللغة الإنجليزية بصفة أولية بدءاً من السنة الثالثة ابتدائي.
حملة شرسة مرتقبة من لوبي فرنسي قوي جداً
إلى ذلك، أبرز مجلس أساتذة التعليم العالي، أن الجزائر أمام فرصة مواتية قد لا تتكرر للتخلص من هيمنة اللغة الفرنسية لصالح الإنجليزية، لا سيما بوجود تجانس بين الإرادة الشعبية والسياسية لتطبيق هذا المشروع، مشيراً إلى أن الإنجليزية لغة العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي ولغة التواصل في كل دول العالم. وأوضح أن "القرار ستعترضه عراقيل، حيث سيواجه حملة شرسة من لوبي فرنسي قوي جداً موجود في الداخل، والذي سيتحرك لإجهاض هذا التوجه".
ووفق آخر تقرير لـ"مرصد اللغة الفرنسية" التابع للمنظمة الدولية للفرانكوفونية، فإن عدد المتحدثين باللغة الفرنسية في العالم بلغ 300 مليون شخص، بينهم 13 مليوناً و800 ألف جزائري، أي ما نسبته 33 في المئة من الجزائريين يتحدثون الفرنسية في حياتهم اليومية.