بعد جدل واسع، وافق مجلس النواب المصري في جلسته العامة، على الموازنة العامة للدولة للعام المالي المقبل 2022/ 2023 الذي من المقرر أن يبدأ في يوليو (تموز) المقبل. وأثارت بنود الموازنة التي أعدتها الحكومة المصرية، كثيراً من الجدل في ما يتعلق بتقديرات الأسعار في ظل أزمات القمح والطاقة والتضخم المرتفع، إضافة إلى ما يتعلق بأوجه التمويل وخصوصاً القروض.
ولم يغير مجلس النواب خطة الإنفاق النهائية التي قدمها وزير المالية محمد معيط ووزيرة التخطيط هالة السعيد، على الرغم من تحفظ بعض النواب على خطط الاقتراض ومخصصات برامج الحماية الاجتماعية وتقديرات الحكومة لأسعار القمح والبترول.
ويشير مشروع الموازنة، الذي أعيدت صياغته في مارس (آذار) الماضي بناء على توجيهات من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، إلى إنفاق الحكومة نحو 2.07 تريليون جنيه (0.11 تريليون دولار) في العام المالي المقبل، بزيادة مقدارها 12 في المئة على أساس سنوي.
ومن المتوقع أن ترتفع الإيرادات بنسبة 11 في المئة لتصل إلى 1.52 تريليون جنيه (0.081 تريليون دولار). وسيؤدي ذلك إلى اتساع عجز الموازنة إلى 558.2 مليار جنيه (29.834 مليار دولار)، من 475.6 مليار جنيه (25.419 مليار دولار) خلال العام المالي الحالي 2021/ 2022. وتخطط الحكومة لزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، بينما سيجبر ارتفاع أسعار السلع الأساسية مصر على رفع فاتورة الدعم. وقال وزير المالية أمام أعضاء البرلمان إن الموازنة تعطي الأولوية للإنفاق على دعم الخبز.
اعتراضات على بنود الحماية الاجتماعية والقروض
لكن لم تخل الجلسة من اعتراضات ومشادات حول مخصصات الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية. فقد اعتبر أعضاء لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب أن مخصصات دعم السلع التموينية وبرامج الحماية الاجتماعية في الموازنة ليست كافية، وأبدوا تخوفهم من أن السعر المحدد للقمح في الموازنة الجديدة يعد منخفضاً للغاية مقارنة بأسعار السوق الحالية.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، اتخذ النقد اتجاهاً مختلفاً، إذ قال بعض النواب إن الحكومة تخطط للاقتراض وإنفاق الكثير، وطالبوا بمزيد من إجراءات التقشف لخفض الدين العام.
وأثارت تقديرات الحكومة للديون السيادية في الموازنة العامة للدولة للعام المالي المقبل انتقادات من أعضاء مجلس النواب خلال اليوم الأول من مناقشة الموازنة في الجلسة العامة للمجلس الثلاثاء 21 يونيو (حزيران). وأعرب نواب من أحزاب عدة عن مخاوفهم من أنه يتعين على الحكومة أن تكبح خطط الاقتراض وأن تفرض مزيداً من الإجراءات التقشفية لوضع سقف لمستويات الدين في البلاد.
وكانت تكلفة خدمة الدين مصدراً للقلق، إذ من المتوقع أن تمثل تكلفة خدمة الدين نحو ثلث إجمالي الإنفاق بالموازنة، بينما سترتفع فاتورة خدمة الدين العام بنسبة 19 في المئة لتصل إلى 690.1 مليار جنيه (36.884 مليار دولار) خلال العام المالي المقبل، لتمثل ثلث الإنفاق و49 في المئة من الإيرادات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه، تخطط الحكومة المصرية، لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، إذ تستهدف خفضها إلى 84 في المئة خلال العام المالي المقبل، وإلى 75 في المئة خلال الأعوام الأربعة المقبلة، "على الرغم من أن هذا ليس هدفاً سهلاً، بالنظر إلى الظروف العالمية غير المواتية"، وفقاً لما قاله رئيس الوزراء خلال مايو (أيار) الماضي.
وقال وزير المالية المصري إن الحكومة "وضعت مسودة الموازنة لتكون بمثابة خطة إنفاق مبدئية، مع توقع أن يدفعنا تدهور الظروف الاقتصادية العالمية نحو إنفاق مزيد في العام المالي الجديد". فيما كشف رئيس الحكومة عن أن الأوضاع العالمية مستمرة في تغيير مستهدفات الموازنة.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية، كالنفط والقمح، بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ يتم تداول خام "برنت" عند مستوى 113.12 دولار للبرميل (ارتفاعاً من 60 دولاراً في موازنة العام المالي 2022/ 2021). وارتفع سعر طن القمح إلى 500 دولار (من 250 إلى 320 دولاراً قبل الحرب الروسية - الأوكرانية). وأضاف الوزير "نحن نتعرض لضغوط مالية شديدة".
مخاوف من ارتفاع الفائدة على القروض
وقال وزير المالية، في كلمته، إن مصر ليست في حالة ركود، على الرغم من أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرهما من المؤسسات العالمية، خفضا توقعاتهما للنمو العالمي. وأضاف "لكن إذا ما استمر الاتجاه الحالي بل وشهد مزيداً من التصاعد، أعتقد أننا سنتجه نحو الركود".
وحدد معيط "مجموعة من العناصر التي تقود إلى الركود"، بما في ذلك التضخم المرتفع لأعلى مستوياته في سنوات، وارتفاع تكاليف التمويل، ومشكلات الأمن الغذائي، والقلق بشأن الحرب في أوكرانيا، والضغوط التي يتعرض لها العديد من البلدان النامية على مستوى العالم.
في الوقت نفسه، أبدى وزير المالية المصري قلقه من أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماعه المقرر نهاية الأسبوع الجاري، للحد من الضغوط التضخمية. وقال "أجل، أنا قلق بشأن مزيد من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة وآمل في أن نتمكن من السماح للاقتصاد المصري بالنمو... التكلفة العالية للتمويل ستكون مشكلة للصناعة والاقتصاد".
وأشار معيط إلى أن "السيطرة على التضخم يعد جزءاً من الأعمال الأساسية للبنك المركزي"، مضيفاً أن التضخم لم يبلغ ذروته بعد. وتوقع استمرار ارتفاع الأسعار على خلفية ارتفاع تكاليف المواد الغذائية المستوردة والوقود. وأوضح أن البنوك المركزية العالمية، بما في ذلك الفيدرالي الأميركي، واصلت رفع أسعار الفائدة في الأشهر القليلة الماضية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف خدمة الديون لدى مصر. وتابع "كنا نقترض المال بفائدة 5 في المئة، لكننا الآن نقترض بفائدة 11 في المئة... كان علينا التحوط من هذه الضغوط من خلال زيادة مخصصاتنا لفوائد الديون إلى 690 مليار جنيه (36.878 مليار دولار)، من 630 مليار جنيه (33.671 مليار دولار) في السابق".