يتجه إنفاق العديد من الأسر العربية نحو المواد الاستهلاكية الغذائية، إذ تتسم المصاريف المنفقة من دول المنطقة على الغذاء بالارتفاع طوال السنة، لكنها تعرف تنامياً لافتاً خلال مواسم مثل شهر رمضان من كل عام.
إلا أن ثقافة الاستهلاك الغذائي لا تنحصر على الطعام الأساسي والمنتجات الغذائية، بل تتجاوزها إلى استهلاك خدمات ومنتجات المقاهي والمطاعم، فالعرب معروفون بولعهم بالجلوس في المقاهي لساعات طويلة كل يوم وارتياد المطاعم كأحد أشكال الترفيه.
إلا أن كثيراً من هذه الدول لا تعيش أوضاع اقتصادية جيدة، ومنها ما انتكس مؤخراً، وآخرون يحافظون على وضع اقتصادي جيد، فإلى أي حد أثر الوضع الاقتصادي الداخلي على القوة الاستهلاكية لهذه الشعوب؟
60 في المئة من دخل الأردنيين ينفق على الطعام
كانت ثقافة السهر وارتياد المطاعم والمقاهي على سبيل تمضية وقت الفراغ غائبة عن معظم الأردنيين حتى عام 2000، حين شهدت البلاد افتتاح سلسلة كبيرة من مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي العالمية الشهيرة، لكن تقديرات دائرة الإحصاءات العامة تشير إلى تراجع إنفاق الأردنيين على المقاهي والمطاعم بسبب الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد وثبات المداخيل وزيادة الضرائب والأسعار التي طالت كل شيء تقريباً.
ويقدر حجم إنفاق الأردنيين على المطاعم والمقاهي بأكثر من 400 مليون دولار سنوياً، بنسبة لا تزيد على 7 في المئة من إجمالي إنفاقهم على الغذاء.
إلا أن فاتورة المستهلك الأردني الغذائية ارتفعت منذ بداية العام بنسبة بلغت 30 في المئة على الرغم من كون أغلب الأغذية في الأردن مستوردة.
ولا يتناسب حجم الإنفاق السنوي للأسر الأردنية، والذي يبلغ معدله سنوياً 17 ألف دولار مع معدل الدخل الذي يقل عن 16 ألف دولار، ما يعني وجود عجز بنحو ألف دولار، وترتفع هذه الأرقام خلال شهر رمضان، حيث تكون الأسر الأردنية في حالة تبذير.
أما أسهل الطرق للاستهلاك وفق الأرقام الرسمية فهي البطاقات الائتمانية التي أصبحت في جيوب معظم الأردنيين وتمثل وسيلة سريعة للإنفاق.
وتشير تقديرات إلى أن عدد المقترضين من البنوك الأردنية أكثر من مليون شخص وبقيمة إجمالية تصل إلى 17 مليار دولار.
ويتزايد الإقبال على البطاقات الائتمانية، باعتبارها وسيلة سهلة لتوفير النقد، واليوم هناك 4 ملايين بطاقة ائتمانية تقريباً بين أيدي الأردنيين. وأصبحت أجهزة الصراف الآلي متوفرة في كل مكان، فضلاً عن الشراء الإلكتروني الذي أسهم في زيادة حجم الاستهلاك.
ويلقي اقتصاديون باللائمة، على ما تمارسه العروض الإعلانية من إغراءات للمستهلكين، إذ لا تخلو المراكز التجارية الكبيرة ومراكز التسوق من إعلانات يومية، بخاصة على الكميات، الأمر الذي يشكل أحد عوامل جذب المتسوقين.
وخارج الأسواق الكبيرة، ثمة اقتصاد ظل ينمو في وضح النهار ويشهد إقبالاً كبيراً من قبل الأردنيين، حيث توجد عشرات البسطات التي تبيع بعض الحاجات بأسعار أرخص من السوق، وتتمركز عند مداخل المساجد تحديداً.
السعودية… وجه آخر لتطور الأعمال
تتحدث التقارير الإحصائية الصادرة عن البنك المركزي السعودي لعمليات نقاط البيع في البلاد خلال الأشهر الماضية عن ارتفاع معدل صرف السعوديين على قطاع المقاهي والمطاعم، الذي بلغ المليار ونصف المليار دولار.
وعلى الرغم من أن القطاع يعد مساحة عامة لقضاء ساعات الفراغ اليومية والمكان الأنسب للقاء الأهل والأصدقاء، فإن ارتفاع معدلات إقبال السعوديين عليها في الآونة الأخيرة أصبح لافتاً، لا سيما أن الغالبية منهم لم يعتادوا هذا النمط السلوكي في العقود الماضية، ولم تبلغ نسبة الصرف هذه المعدلات قبل الآن.
الإقبال على المقاهي بعد فترات العمل يعد وجهاً آخر للأعمال في السعودية ويعكس الانتقال الاقتصادي والاجتماعي
ويرى أستاذ اجتماعيات العلوم والمعرفة المشارك في جامعة الملك سعود، عبد السلام الوايل أن "الإقبال على المقاهي بعد فترات العمل يعد وجهاً آخر للأعمال"، مضيفاً "كلما عمل الإنسان لفترات طويلة، ينعكس ذلك على سلوكه في الاستمتاع بوقت الفراغ، لذا أصبحت في الآونة الأخيرة هي الملاذ للاستمتاع بوقته بعيداً من مهام العمل ومسؤولياته".
واستطرد بالقول "تعتبر نوعاً من الترفيه والاهتمام بها ومؤسساتها هو علامة على الاقتصاد الصناعي وما بعده بالتالي يعد هذا النمط من أهم الدلالات للاهتمام بالترفيه، والذي يأتي من ضمنه المقاهي والمطاعم، ويعكس ذلك الانتقال الاقتصادي والاجتماعي لأفراد المجتمع، إذ يعد جزءاً من تيار العولمة والانتقال من نمط اقتصادي لآخر جديد".
المقاهي في تونس ملاذ العاطلين عن العمل
يشكو المستهلك في تونس ضنك العيش، وسط أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، وفي ظل ارتفاع الأسعار، وتدني القدرة الشرائية، تغيب الثقافة الاستهلاكية.
وتؤكد تقارير معهد التغذية في تونس، أن النمط الاستهلاكي للمواطن التونسي بات مساعداً على تدمير قدرته الشرائية، حيث يبين أحد هذه التقارير أن أكثر من 54 في المئة من التونسيين يقبلون على المنتجات بعد زيادة أسعارها، فيما وصلت نسبة الإنفاق المنفلت في المساحات التجارية الكبرى إلى نحو 20 في المئة.
ويدفع هذا الوضع بالمستهلك التونسي إلى الاستدانة وعدم قدرته على تلبية حاجاته الأساسية، حيث تؤكد المؤشرات أن 600 ألف تونسي يعانون سوء التغذية، بسبب الاستهلاك العشوائي وغياب الثقافة الاستهلاكية، في مناخ متسم بالتوترات الاجتماعية والسياسية، ما دفع بعدد كبير من التونسيين إلى الاستهلاك المفرط للمنبهات كالقهوة والشاي والإقبال المتنامي على التدخين في المقاهي.
وتحتل تونس المرتبة السابعة عربياً من حيث استهلاك القهوة، بمعدل استهلاك في حدود 1.4 كيلو غرام من البن للفرد سنوياً. ويصرف التونسي معدل خمس دنانير تقريباً (نحو دولارين) يومياً في المقاهي، بينما تعتبر هذه الأماكن ملاذاً للعاطلين عن العمل الذين يهدرون ساعات طويلة كل يوم فيها، ما دفع أصحاب المقاهي إلى طلب تحديد مدة المكوث في المقهى بثلاثين دقيقة لقاء مشروب واحد.
أصحاب المقاهي في تونس يحددون مدة المكوث في المقهى بثلاثين دقيقة لقاء مشروب واحد بهدف محاربة الجلوس لفترات طويلة وشغل المكان
وأكد صدري بن عزوز، نائب رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي، التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة أرباب العمل)، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "التونسيين يستهلكون 30 ألف طن سنوياً من القهوة، مستوردة أساساً من البرازيل وأفريقيا"، لافتاً إلى أن "تونس تستورد نوعية أقل جودة من القهوة نظراً إلى سعرها المنخفض".
وأضاف أن "قطاع المقاهي يشغل ما يزيد على 100 ألف عامل، إلا أن جائحة كورونا أثرت عليه، ما دفع بأصحاب المقاهي إلى التخلي عن مئات العمال"، مشيراً إلى أن "عدد المقاهي في تونس يبلغ 20 ألف مقهى".
ارتياد المطاعم في لبنان حكر على الأغنياء
لبنان من بين الدول التي "تأكل مما لا تنتج". هذه الثقافة موجودة من عشرات السنوات وتطورت بشكل خاص بعد عام 1992، حيث تحوّل الاقتصاد اللبناني إلى ريعي قائم أساساً على قطاعين، هما القطاع المصرفي والقطاع السياحي. من أوجه الاستهلاك والإنفاق، لا في لبنان فحسب إنما في العالم ككل، الإنفاق على الترفيه. علماً أن الطعام يشكل وجهاً من أوجه الترفيه، وإن كان أيضاً من الأساسيات في حياة الأفراد.
في هذا الصدد، أوضح منسّق مختبر الديموغرافيا في مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الدكتور شوقي عطيّة لـ "اندبندنت عربية"، أن "الدراسات حول العالم أظهرت أن إنفاق الأسر الأكثر فقراً يذهب بالنسبة الكبرى منه إلى الأساسيات وبشكل خاص إلى الطعام والمسكن، وبنسبة أقل يكون الإنفاق على الترفيه، إذا ما كان ذلك ممكناً. أما الأسر الغنية فتخصص جزءاً من الإنفاق للتأمين والترفيه والاستشفاء والتعليم والاستثمار".
في لبنان مقابل الارتفاع الجنوني في الأسعار تراجعت إمكانيات الأسر في تحصيل الغذاء
ويختلف الوضع تماماً في هذا المجال بين ما كان عليه قبل عام 2019 وما هو عليه مع اشتداد الأزمة التي عصفت بالبلاد.
وأشار عطيّة إلى أن "الوضع زاد صعوبة من صيف 2021، مع رفع الدعم تدريجاً، وصولاً إلى رفعه كلياً عن المحروقات. فلم يكن المواطن يتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى الارتفاع الهائل في أسعار السلع الغذائية، بمعدل يصل إلى 11 ضعفاً، حتى على أبسط الأساسيات كالماء الذي يُستخرج مجاناً. فقد ارتفعت كلفة إيصاله إلى المنازل مع ارتفاع سعر صفيحة المازوت من حوالى 18 دولاراً إلى ما بلغته حالياً لأكثر من 500 دولار، أي ما يعادل 30 ضعفاً، حيث اختلفت الأمور إلى حد كبير خلال عام واحد بالنسبة إلى المواطن اللبناني. في مقابل هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار المرتبط بارتفاع أسعار النفط عالمياً وارتفاع أسعار السلع وأيضاً ارتفاع سعر الدولار في لبنان في الوقت نفسه، تراجعت إمكانيات الأسر في لبنان في تحصيل الغذاء".
وأضاف "في المرحلة الحالية، اقتصرت إمكانيات الفرد في الإنفاق على تأمين سبل العيش، بما أن القسم الأكبر من الأفراد في لبنان يعتمد على المدخول الوظيفي الذي لم يتغيّر، وإن لحقته بعض الزيادات في القطاع الخاص. ففي القطاع العام، لم تصل الزيادة التي لحقت بأجور الموظفين إلى معدل الضعفين حتى. والأفراد الذين لم يتأثروا بالأزمة بالمعدل نفسه هم المتعاقدون مع الخارج ويتقاضون أجوراً بالدولار الأميركي. فزادت القدرة الشرائية للمبلغ نفسه الذي يتقاضونه إلى حد كبير مقارنةً مع ما كانت عليه قبل 3 سنوات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما يخص المطاعم والمقاهي، نشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد روّاد المطاعم. في المقابل، أُقفل عدد كبير منها كسلسلات المطاعم العالمية التي أقفلت فروعها لبنان. بالتالي، عدد المطاعم الموجود في البلاد هو اليوم أقل من ذاك الذي كان موجوداً قبل بداية الأزمة، أي أن رواد المطاعم يوزَّعون على عدد أقل منها. يُضاف إلى ذلك أن الفئات المجتمعية التي ترتاد هذه المطاعم اختلفت تماماً عما كانت عليه سابقاً. فالرواد ليسوا من فئة الموظفين الذين يتقاضون أجوراً بالليرة اللبنانية لأنهم يعجزون عن تحمل مثل هذه التكاليف الإضافية، ولو كانوا من ذوي الأعلى دخلاً في القطاع العام. لم يعد هؤلاء يرتادون المطاعم، إلا استثنائياً.
مصر... 69 مليار سيجارة و273 مليار لتر من الشاي والقهوة
لم تثن الأزمات المتتالية الصحية والجيوسياسية وتداعياتها الاقتصادية منذ نهاية عام 2019 وحتى الآن المصريين عن الإنفاق على الغذاء، سواء الطعام والشراب أو التدخين والترفيه بشتى أنواعه.
توقع تقرير لمؤسسة "فيتش سيلوشنز"، تباطؤاً طفيفاً بنسب نمو الإنفاق السنوي لدى الأسر المصرية على الغذاء والمشروبات خلال العام الحالي بنسبة 9.9 في المئة
ينفق المصريون، وفقاً لإحصائيات رسمية محلية ودولية، ما لا يقل عن تريليون جنيه نحو (54 مليار دولار) سنوياً للحصول على الغذاء، علاوة على التدخين والمشروبات إلى الترفيه وارتياد المقاهي والمطاعم، ويصل استهلاك السجائر إلى 69 مليار سيجارة سنويا في حين يتم استهلاك 273 مليار لتر من الشاي والقهوة على مدار السنة.
وتوقع تقرير لمؤسسة "فيتش سيلوشنز"، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، تباطؤاً طفيفاً بنسب نمو الإنفاق السنوي لدى الأسرة المصرية على الغذاء والمشروبات خلال العام الحالي 2022 بنسبة 9.9 في المئة، في الوقت الذي توقع ارتفاعاً في الإنفاق على التبغ والمواد الكحولية بنسبة 11 في المئة.
التقرير أشار إلى أن إجمالي الإنفاق المتوقع للأسر المصرية قد يصل إلى 2.67 تريليون جنيه (143 مليار دولار أميركي) مع نهاية 2022، منها 1.72 تريليون جنيه (92 مليار دولار) على الاحتياجات الأساسية، و950 مليار جنيه (51 مليار دولار) لغير الأساسية، وأرجع توقعاته بتباطؤ نمو الإنفاق على الغذاء والملابس والسلع المنزلية إلى ارتفاع معدل التضخم.
وأكد التقرير أن المصريين سينفقون نحو 866.8 مليار جنيه (46.2 مليار دولار) على الطعام والمشروبات غير الكحولية، معتبراً تلك النسبة تراجعاً طفيفاً في النمو، إذ يعود الإنفاق الاستهلاكي على المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية إلى مسار النمو الطبيعي بعد عامين من الزيادة.
وأشار التقرير إلى أن المصريين سينفقون نحو 138 مليار جنيه (7.3 مليار دولار) على المشروبات الكحولية والتبغ، موزعة بواقع 93.2 مليار جنيه (4.9 مليار دولار) للمشروبات الكحولية، و44.8 مليار جنيه للتبغ (2.4 مليار دولار) وهو إنفاق أعلى بـ11.1 في المئة من العام الماضي.
وأرجع التقرير أسباب النمو في الإنفاق إلى الفترة التي سبقت إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، إذ توافد المستهلكون على منافذ البقالة الجماعية لتخزين منتجات الطعام والشراب.
وتوقع استمرار النمو بعد 5 سنوات بمعدل نمو 9.6 في المئة ليصل إلى 1.25 تريليون جنيه (48 مليار دولار) في 2026 ليظل الإنفاق على الطعام والمشروبات غير الكحولية يمثل نحو 94 في المئة من إجمالي الإنفاق بعد 4 سنوات، كما سينمو الإنفاق على المشروبات الكحولية والتبغ بمعدل 10.7 في المئة سنوياً على المدى المتوسط، ما يرفعه إلى نحو 206.4 مليار جنيه (11 مليار دولار) بحلول نهاية عام 2026.
ويـأتي هذا الإسراف العالي في ظل أن متوسط دخل السنوي للأسرة المصرية داخل المدن لا يتجاوز الـ 81 ألف جنيه (4309 دولارات)، مقابل متوسط دخل سنوي في الريف والقرى المصرية 60 ألف جنيه (3192 دولاراً) وتتوزع مصادر دخل الأسر في مصر من العمل والأجور والمرتبات بنسبة 63.6 في المئة، بينما باقي النسبة تأتي من تحويلات نقدية وعينية للأسر المصرية وأنشطة اقتصادية.
المغرب... الخبز والقهوة على حد سواء
المقولة الشهيرة "بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى في المغرب"، تدل بشكل واضح على العدد الكبير للمقاهي في ذلك البلد، إذ تتجاوز 200 ألف مقهى، وفق إحصاءات سابقة للجمعية المغربية لأرباب ومسيري ومهنيي قطاع المقاهي المتوسطة والكبرى.
هذا العدد الهائل للمقاهي في المغرب من الطبيعي أن يستقبل ملايين المغاربة كل يوم، وهو ما يعني استهلاكاً كبيراً لخدمات هذه الأماكن، وبالتالي الإنفاق الكبير للمغاربة على المقاهي.
يقول عبدالله محسن صاحب مقهى وسط الرباط لـ "اندبندنت عربية"، إن "المقهى مشروع مربح في المغرب نظراً إلى الإقبال الهائل للناس على ارتيادها والجلوس فيها، وهو ما يعني أن هناك مداخيل مالية محترمة للمقهى بفضل الإنفاقات الكبيرة للمغاربة".
ويضيف محسن "هناك زبائن يجلسون في المقهى ساعات طويلة يحتسون فيها أكثر من مشروب، أو يستدعون إليها أصدقاءهم وأحباءهم"، متابعاً أن "هناك أيضاً من يجلس بالمقهى صباحاً ويشتري قهوة ثم يعود إليها مساء للغرض نفسه".
مقولة شهيرة "بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى في المغرب" تدل بشكل واضح على العدد الكبير للمقاهي في ذلك البلد
وزاد صاحب المقهى، "إذا احتسبنا اقتناء الزبون الواحد ثمن القهوة مثلاً 12 أو 15 درهماً (1.5 دولار)، وبأنه يأتي إليها يومياً، فإن ما يصرفه يتجاوز 400 درهم (40 دولاراً) خلال الشهر الواحد من دون احتساب ما يقدمه من بقشيش إلى النادل".
وأكثر ما يستهلكه المغاربة هو الخبز، إذ إنه وفق أرقام حديثة يعتبر استهلاك المواطن المغربي للخبز الأعلى في منطقة شمال أفريقيا (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا)، إذ يستهلك المغربي زهاء 1250 خبزة في السنة، بمعدل أكثر من ثلاث خبزات في اليوم الواحد، ولكن المشكلة أن كميات هائلة من هذا الخبز الذي ينفق عليه المغاربة أموالاً طائلة تذهب إلى القمامة، ففي أرقام حديثة لفيدرالية المغربية لأرباب المخابز (جمعية مدنية) يتم رمي 25 في المئة من إنتاج الخبز في القمامة، وبالتالي إذا كان إنتاج الخبز بالمغرب 120 مليون خبزة يومياً فإن 30 مليون خبزة ترمى يومياً.
وتبعاً لذات التقديرات والحسابات فإنه بالنظر إلى أن ثمن الخبزة الواحدة هو 1.20 درهم (0.120 دولار)، فإن تقريباً 30 مليون درهم تضيع هدراً، وهو ما يعد تبذيراً هائلاً للأموال.
الطعام هو الأعلى في معدلات الإنفاق في العراق
أصبحت المقاهي والمطاعم تفرض نفسها بقوة على الساحة الاجتماعية في العراق، وأصبحت أغلب فئات المجتمع ترتاد المقاهي والمطاعم، وبات أصحاب المقاهي يتفننون في الديكورات الجذابة وفي وسائل التسلية، فأغلب المقاهي تعرض خدمات الإنترنت المجانية، كما يحرص الكثير منها على وضع شاشات كبيرة لعرض القنوات المشفرة التي تنقل مباريات كرة القدم للأندية العالمية، في حين يخصص البعض ركناً لألعاب البليارد، فضلاً عن المشروبات والمأكولات وكذلك وجود الشيشة أو النرجيلة.
موظف حكومي عراقي: "أحياناً أشعر بتأنيب الضمير لكثرة الإسراف، لكنها تبقى الوسيلة الوحيدة للتسلية وسط ضغوط الحياة"
ويصف الموظف الحكومي الشاب ليث عماد، نفسه بأنه مدمن مقاهٍ، فما إن يفتح مقهى جديد في العاصمة بغداد حتى يبادر لقضاء الوقت فيه. ويقول "أنفق ما يقارب 50 إلى 70 دولاراً شهرياً في المقاهي، وفي بعض الأحيان أتحاشى شرب النرجيلة في الأماكن الراقية لأنها تكلفني نحو 17 دولاراً".
ويكمل "أحياناً أشعر بتأنيب الضمير لكثرة الإسراف، لكنها تبقى الوسيلة الوحيدة للتسلية وسط ضغوط الحياة".
وفقاً للمسح الذي قامت به وزارة التخطيط عام 2018، بلغ متوسط إنفاق الفرد في العراق على المواد الغذائية 212.6 ألف دينار شهرياً (145 دولاراً)، وسُجل أعلى معدل للإنفاق على المواد الغذائية في إقليم كردستان 79.2 ألف دينار (54 دولاراً)، وتليه منطقة الجنوب والوسط بين 78.5 -67.1 ألف دينار (53 .51 دولار) والمحافظات المحررة من الإرهاب 66.8 ألف دينار (45 دولاراً).
وعليه فإن وزارة التخطيط حددت أن النسبة الأعلى التي يصرفها الفرد العراقي تذهب للطعام.
نمط استهلاك عشوائي يلتهم رواتب الجزائريين
أسهم التحول من اقتصاد ريعي مبني على موارد النفط إلى اقتصاد متعدد يعتمد على الخصخصة والانفتاح على الأسواق الحرة في تغير النمط الاستهلاكي للجزائريين، وأصبحت المتاجر الكبرى التي تنتشر في التجمعات ذات الكثافة السكانية، تشجع على الاستهلاك أمام كثرة العرض والسلع وتوفير كل ما يحتاجه المستهلك من خضراوات وفاكهة وأجهزة كهربائية وغيرها بأسعار يقال إنها تنافسية.
ويرصد خبراء اقتصاديون أن المواطن الجزائري بات يتمتع بثقافة استهلاكية غير منتظمة وعشوائية تصل ذروتها في المواسم والاحتفالات الدينية إلى حدود غير عقلانية، من خلال اقتناء منتجات لا تندرج ضمن الأولويات.
وتشير دراسات أجرتها نقابات عمالية ومنظمات مدنية لحماية المستهلك الجزائري إلى أن المصاريف المتعلقة بالتغذية تستحوذ على 100 في المئة من الأجر القاعدي المدفوع من قبل الدولة، والمتعلقة بالمأكل والإيجار وكذا النقل والتجهيز المنزلي والنقل شهرياً.
وفي تصريحات سابقة اقترح اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين وضع إطار قانوني لترشيد الاستهلاك وتجريم التبذير ومحاربة كل أنواعه بهدف الحفاظ على حق الأجيال المقبلة وموارد الأمة، وكذلك إنشاء فضاء للتحاور بمشاركة جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والنقابات المهنية وشركاء المجتمع المدني بغرض وضع ميثاق مشترك لترسيخ ثقافة الاستهلاك وترشيده، إذ يعتبر السبيل الوحيد لضمان ديمومة التنمية المستدامة.
في المقابل، ترى جمعية الخبازين أن سبب تفشي ظاهرة التبذير في الخبز ليس الدعم المقدم من طرف الدولة وحسب، وإنما يرجع أيضاً إلى عامل أخلاقي بالنسبة إلى المستهلكين، إذ توفر المخابز المنتشرة في أرجاء البلاد والمقدرة بما يزيد على 8000 مخبز نحو 50 مليون رغيف يومياً، 20 في المئة منها يبذرها المستهلكون، أي حوالى 10 ملايين رغيف خبز ترمى يومياً ويعاد استغلالها جزئياً من طرف الموالين كأعلاف للمواشي.
وتكشف إحصاءات رسمية في الشق الاقتصادي أن الجزائر احتلت المرتبة الثانية من حيث قائمة الدول الأكثر استهلاكاً لمادة الخبز، وهي القائمة التي تصدرتها تركيا، وبلغ متوسط استهلاك الخبز للفرد في الجزائر 110 كيلوغرامات سنوياً، مما يفسر ارتفاع نسبة استيراد الحبوب وعلى رأسها مادة القمح.