تتحدث التقارير الإحصائية الصادرة عن البنك المركزي السعودي لعمليات نقاط البيع في البلاد خلال الأشهر الماضية عن ارتفاع معدل صرف السعوديين على قطاع المقاهي والمطاعم، الذي بلغ المليار ونصف المليار دولار.
وعلى الرغم من أن القطاع يعد مساحة عامة لقضاء ساعات الفراغ اليومية والمكان الأنسب للقاء الأهل والأصدقاء، فإن ارتفاع معدلات إقبال السعوديين عليها في الآونة الأخيرة أصبح لافتاً، لا سيما أن الغالبية منهم لم يعتادوا هذا النمط السلوكي في العقود الماضية، ولم تبلغ نسبة الصرف هذه المعدلات قبل الآن، مما يدفعنا إلى طرح سؤال لماذا ينفق اليوم السعوديون كل هذه المليارات على المطاعم والمقاهي؟
بديل للاستراحات والبيوت
في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات الإقبال على ارتياد المقاهي والمطاعم في البلاد، بدأت بعض العادات السائدة في الماضي في التلاشي مثل تجمعات البيوت والاستراحات، وهنا يعلق مستشار التسويق محمد حطحوط بالقول "إن المجتمع السعودي مجتمع اجتماعي في المقام الأول، وأبناءه يحرصون على الالتقاء اليومي المباشر بالأصدقاء، ويأتي الذهاب للمقاهي في السنوات الأخيرة كسلوك معزز لنمط حياتهم الاجتماعي".
وأضاف "اختلاف وتطور الأنماط المعيشية جعل من المقاهي والمطاعم بديلاً للاستراحات والبيوت التي كانوا يتجمعون بها وبصفة دورية وغالباً ما تكون يومية".
تطور طبيعي للمجتمع
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق ذاته يرى أستاذ اجتماعيات العلوم والمعرفة المشارك في جامعة الملك سعود، عبد السلام الوايل أن "الإقبال على المقاهي بعد فترات العمل يعد وجهاً آخر للأعمال"، مضيفاً "كلما عمل الإنسان لفترات طويلة، ينعكس ذلك على سلوكه في الاستمتاع بوقت الفراغ، لذا أصبحت في الآونة الأخيرة هي الملاذ للاستمتاع بوقته بعيداً من مهام العمل ومسؤولياته".
واستطرد بالقول "تعتبر نوعاً من الترفيه والاهتمام بها ومؤسساتها هو علامة على الاقتصاد الصناعي وما بعده بالتالي يعد هذا النمط من أهم الدلالات للاهتمام بالترفيه، والذي يأتي من ضمنه المقاهي والمطاعم هو الانتقال الاقتصادي والاجتماعي لأفراد المجتمع، إذ يعد جزءاً من تيار العولمة والانتقال من نمط اقتصادي لآخر جديد".
تغييرات اجتماعية
ويرى الوايل أن التغيرات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع السعودي خلال السنوات الماضية لا سيما في ما يتعلق بتخفيف القيود الاجتماعية التي كان يعانيها أبناء المجتمع طيلة عقود مضت، كانت عاملاً بارزاً في تغيير أنماط أبنائه واتجاههم إلى أنماط جديدة من الترفيه لا سيما المقاهي والمطاعم.
ونوه في الوقت ذاته بتغيير الأنظمة الاجتماعية في البلاد التي منحت الحريات "شجعت كذلك كثيراً من المستثمرين للاستثمار في هذا القطاع لا سيما رواد الأعمال، الذين أبدعوا في التصميم ونوعية السلع المقدمة بهدف جذب المستهلكين مما جعل ارتيادها سلوكا يومياً لكثير من السعوديين".
وزاد "يرى بعض الفلاسفة أن قطاع المقاهي والمطاعم يعطي انطباعاً لدى رواده بأنهم مخدومون ويتمتعون بلحظات استثنائية ذات طابع فخم سواء مع الأصدقاء والأهل، وهذا الشعور يدفعهم نحو الاستهلاك بشكل أكبر".
التسويق يلعب دوراً
وفي سياق متصل، يرى حطحوط أن أصحاب المقاهي والمطاعم يدفعون كثيراً للتسويق لمنتجاتهم، ففي الخطط السنوية هناك ميزانية وبرامج تسويقية وأخرى لبناء الولاء للمكان على مدى العام بهدف جذب شريحة أكبر من المستهلكين.
وأشار إلى أن أصحاب المقاهي والمطاعم لديهم حملات منتظمة لجذب العملاء لا سيما في البدايات، إضافة إلى أخرى مستمرة لجذب شرائح جديدة من أفراد المجتمع.
من أجل "التقاط الصور"
وحول ما إذا التوجه للمقاهي والمطاعم من قبل العزاب يتم كنوع من أنواع الاستقلالية لبعض فئات الشبان سواء الذكور أو الإناث ترى الأخصائية الاجتماعية منال الصومالي عدم وجود رابط بينهما، لاسيما وأن الإقبال على المقاهي والمطاعم يعد تغيراً في نمط المعيشة لدى السعوديين عامة ولا يقتصر على فئة من دون أخرى.
وقالت "هنالك اختلاف في وظائف تلك المقاهي عن السابق، فقبل عشر سنوات كانت ملتقى للحديث والحوار بين مجموعة من الأصدقاء، أما اليوم فهي فقدت دورها الأساسي والمرتبط بالحوار المباشر بين الأصدقاء، فأصبح الشخص يذهب بمفرده، وهنالك يمكن أن يقضي الوقت باستقلال مع عالمه الافتراضي".
ولفتت إلى أن الدعاية تلعب دوراً رئيساً في ارتفاع معدلات الإقبال عليها، وذلك أن عملية الدعايات المتكررة للمقاهي والمطاعم لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي "أسهمت في إقبال الكثيرين عليها سواء لتجربة نوعية جديدة من الأطعمة والمشروبات".
لكنها أقرت بأن تكون الفكرة الرئيسية للذهاب هي التقاط الصور ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي مع إضافة بعض العبارات والخواطر "لأن الفكرة الأساسية تدور حول "أنا متواجد في هذا المكان"، وهذه السلوكيات تكون موجودة لدى فئات الشباب من الجنسين أكثر، لا سيما وأنهم أكثر الشرائح المستقطبة من تلك الدعايات".