بالتوازي مع فشل المباحثات الخاصة بخريطة الطريق السياسي التي جمعت الفرقاء الليبيين في القاهرة، اشتعل الوضع الأمني في العاصمة الليبية طرابلس، حيث شهدت خلال الساعات الأخيرة، مواجهات مسلحة خلفت خسائر بشرية وأخرى مادية، اعتبرها مراقبون رسائل تمهيدية لإمكانية انزلاق البلد نحو حرب أهلية طويلة المدى، بسبب الجمود السياسي الحالي الذي ولد بدوره انقساماً داخل الفصائل المسلحة بين كل من حكومة عبد الحميد الدبيبة التي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقراً لها، وحكومة فتحي باشاغا التي باشرت مهامها من سرت (الوسط الليبي).
وكانت الأطراف السياسية الليبية قد اتفقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بجنيف على خريطة طريق سياسية تهدف أساساً إلى الذهاب بالبلد نحو انتخابات وطنية في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تنهي الانقسامات السياسية والصراعات الأمنية التي تعصف بالبلد منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، إضافة إلى تسليم السلطة التنفيذية في 22 يونيو (حزيران) الجاري، الأمر الذي رفضته حكومة الدبيبة مؤكدة أنها "لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة".
من جهته، قال رئيس الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب في فبراير (شباط) الماضي، فتحي باشاغا عبر "تويتر" "انتهت خريطة الأمم المتحدة في ليبيا من دون نجاح، وحان الوقت للحل الليبي، وأتطلع للعمل مع الأطراف المعنية لتنفيذ خريطة الطريق نحو التعافي، مع التزامي بإجراء انتخابات ديمقراطية".
وفشلت ليبيا في 24 ديسمبر الماضي في تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية بسبب ما وصف بـ"القوة القاهرة".
تحركات أممية
إلى ذلك، أعلنت أمس الخميس، المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، عن قبول كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري، دعوتها لعقد لقاء بينهما في مقر الأمم المتحدة في جنيف يومي 28 و29 لمناقشة الإطار الدستوري للانتخابات.
وتأتي هذه الدعوة الأممية لرئيسي المجلسين، على خلفية فشل اللجنة المشتركة الليبية المجتمعة في العاصمة المصرية القاهرة في التوصل إلى قاعدة دستورية توافقية تقام وفقها انتخابات برلمانية ورئاسية.
كان نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، أكد الأربعاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي، أن "أولويات الأمم المتحدة في ليبيا هي تسهيل العودة إلى العملية الانتخابية على أسس قانونية ودستورية، فالانتخابات هي السبيل الوحيد لاستعادة المؤسسات الليبية للشرعية".
وأضاف "نحن بذلنا جهوداً على مدار سنوات لتكوين حكومة وحدة وطنية"، داعياً القادة الليبيين إلى "عدم استخدام انتهاء خريطة الطريق التي وضعها الحوار الوطني، كأداة ضغط سياسي"، موضحاً أن "الأطراف الليبية هي وحدها المسؤولة عن فشل العملية السياسية في البلاد".
الاعتراف بحكومة باشاغا
وحول السيناريوهات المتوقعة إثر انتهاء خريطة الطريق السياسي، قال الدبلوماسي الليبي السابق، خالد نجم، إن "البلد سيغرق في حالة انقسام سياسي طويلة المدى، بخاصة أن حكومة الوحدة الوطنية لم تحترم تاريخ انتهاء ولايتها، وواصلت استمرارها في المشهد، مبررة بقاءها بارتباط وجودها بالعملية الانتخابية".
وأضاف نجم لـ"اندبندنت عربية" أن حكومة الدبيبة ستستغل تذبذب الموقف الدولي المتأثر بالأزمة الروسية - الأوكرانية التي ألقت بظلالها على الملف الليبي داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن القوى الدولية في المجلس منقسمة بين التكتل الروسي الصيني الذي يرى أن الحل يكمن في إرسال مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، بينما يصر التكتل الأميركي- البريطاني- الفرنسي على إدارة الأزمة الليبية عبر التمديد لوليامز.
وأوضح الدبلوماسي السابق، أن ليبيا ستجد نفسها من جديد أمام تكرار مشهد عام 2015 (حكومتان على الأرض لكل منهما جناح عسكري) بخاصة بعد فشل محادثات القاهرة في التوصل إلى قاعدة دستورية توافقية تعبر بالبلد إلى ضفة التحول الديمقراطي.
وأشار نجم إلى أن السيناريو الأقرب هو اعتراف المجتمع الدولي بحكومة باشاغا، بخاصة إثر الزخم الدولي الأخير الذي حظيت به، المتمثل في لقاء باشاغا وزيرين بريطانيين، إضافة إلى الزيارة الرسمية لرئيس وفد الاتحاد الأفريقي، وزير خارجية الكونغو برزافيل، لنائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الليبية في مدينة بنغازي.
وبين أن "الزيارة تأتي على خلفية قرار دولي وآخر أفريقي في مؤتمر برلين يقضيان بأن المصالحة الوطنية موكلة إلى الاتحاد الأفريقي باعتبار أن الملف الليبي مطروح على أعلى مستوى في رئاسة الاتحاد الأفريقي".
ودعا نجم إلى ضرورة دعم التوافق الليبي- الليبي الذي خرجت من رحمه حكومة باشاغا القادرة على المرور بالبلد من حالة الفوضى إلى حالة الاستقرار، باعتبارها تمتلك كل مقومات التوافق، وعلى رأسها التنقل في كامل التراب الليبي دون أي اعتراضات شعبية عكس حكومة الدبيبة التي تتحرك فقط في الغرب الليبي.
انهيار العملية السياسية
من جهته قال المحلل المتخصص بالشؤون الأمنية والسياسية يوسف الفارسي، لـ"اندبندنت عربية"، إن المجتمع الدولي سيتجاوز الحكومتين ويتوجه نحو تشكيل حكومة جديدة مهمتها الأساسية صياغة قوانين دستورية تجرى على أساسها العملية الانتخابية.
وحذر الفارسي من "انهيار العملية السياسية في حال استمرار حالة الجمود السياسي الذي سيجرف بدوره البلد نحو صراع مسلح بدأت ملامحه تتبلور انطلاقاً من العاصمة الليبية طرابلس، التي تشهد اشتباكات مسلحة منذ الأيام الماضية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعارض الفارسي التوجه الذي ذهب إليه خالد نجم، المتمثل في اعتراف المجتمع الدولي بحكومة باشاغا، مبرراً بأنها لا تمتلك مصادر تمويل، وليس لها قبول شعبي بعد خسارتها لمناصريها، إثر فشل رئيسها باشاغا في مباشرة مهامه من طرابلس.
وحذر المتحدث ذاته من أن البلد يقف على مشارف صراع مسلح سيكون الأطول في تاريخ ليبيا، بخاصة أن الدبيبة سبق وهدد بالتوجه إلى السلاح في حال أرغم على مغادرة منصبه، لأنه يستمد قوته من الوجود التركي على الأراضي الليبية الذي مدده البرلمان التركي لمدة عام ونصف.
ويرى الفارسي أن "الحل الأقرب لإنقاذ العملية السياسية يكمن في الاهتمام أولاً بحل الإشكالية الأمنية قبل التوجه نحو مسارات العملية السياسية، لأنه اتضح أن الميليشيات هي من تتحكم في خيوط عملية الانتقال الديمقراطي".